الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأَِنَّهُ يَنْقُل عِبَارَةَ الْمُرْسِل. وَكَذَا الْكِتَابُ بِمَنْزِلَةِ الْخِطَابِ مِنَ الْكَاتِبِ، فَكَانَ سَمَاعُ قَوْل الرَّسُول وَقِرَاءَةُ الْكِتَابِ سَمَاعَ قَوْل الْمُرْسِل وَكَلَامَ الْكَاتِبِ مَعْنًى، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَ الرَّسُول وَقِرَاءَةَ الْكِتَابِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، بَيْنَمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إِذَا قَالَتْ: زَوَّجْتُ نَفْسِي يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَ الرَّسُول وَقِرَاءَةَ الْكِتَابِ، إِذْ أَنَّ قَوْل الزَّوْجِ بِانْفِرَادِهِ عَقْدٌ عِنْدَهُ وَقَدْ حَضَرَ الشَّاهِدَانِ (1) . فَيَتَّضِحُ أَنَّ الشَّهَادَةَ هُنَا مَأْخُوذٌ بِهَا عِنْدَ السَّمَاعِ لِكَلَامِ الْمُرْسِل. هَذَا وَقَدْ أَيَّدَ الدُّسُوقِيُّ الْكَاسَانِيَّ فِي اعْتِبَارِ الشَّهَادَةِ لِلْمُرْسِل، إِذْ ذَكَرَ فِي حَاشِيَةِ الدُّسُوقِيِّ عَلَى الشَّرْحِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْمُودَعَ يَضْمَنُ الْوَدِيعَةَ إِنْ دَفَعَهَا لِلرَّسُول مِنْ غَيْرِ إِشْهَادٍ؛ لأَِنَّهُ لَمَّا دَفَعَ لِغَيْرِ الْيَدِ الَّتِي ائْتَمَنَتْهُ كَانَ عَلَيْهِ الإِْشْهَادُ، فَلَمَّا تَرَكَهُ صَارَ مُفَرِّطًا، وَأَمَّا إِنْ دَفَعَ لَهُ بِإِشْهَادٍ فَقَدْ بَرِئَ، وَيَرْجِعُ الْمُرْسَل إِلَيْهِ عَلَى الرَّسُول عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ (2) .
ثَالِثًا: الإِْرْسَال بِمَعْنَى الإِْهْمَال
حُكْمُ ضَمَانِ مَا أَتْلَفَتْهُ الْحَيَوَانَاتُ وَالْمَوَاشِي الْمُرْسَلَةُ:
13 -
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي مَعْرِضِ بَيَانِهِمْ لِحُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِلَى التَّفْرِيقِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ بَيْنَ الدَّابَّةِ الَّتِي تُتْلِفُ أَمْوَال الْغَيْرِ وَمَعَهَا رَاكِبٌ، وَالدَّابَّةِ الَّتِي تُتْلِفُهَا مِنْ غَيْرِ قَائِدٍ.
وَبِنَاءً عَلَى هَذَا التَّفْرِيقِ فَقَدْ قَالُوا: إِذَا أَتْلَفَتِ الدَّابَّةُ مَالاً أَوْ نَفْسًا، لَيْلاً أَوْ نَهَارًا، وَكَانَ مَعَهَا رَاكِبُهَا
(1) بدائع الصنائع 3 / 1335 للعلامة علاء الدين أبي بكر الكاساني الحنفي مطبعة الإمام / بالقاهرة
(2)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 426 للعلامة شمس الدين محمد عرفة الدسوقي - مطبعة الحلبي / بالقاهرة.
فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لأَِنَّهَا فِي يَدِهِ، وَعَلَيْهِ تَعَهُّدُهَا وَحِفْظُهَا، وَلأَِنَّهُ إِذَا كَانَ مَعَهَا كَانَ فِعْلُهَا مَنْسُوبًا إِلَيْهِ.
وَلَوْ كَانَ مَعَهَا سَائِقٌ وَقَائِدٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهَا سَائِقٌ وَقَائِدٌ مَعَ رَاكِبٍ فَهَل يَخْتَصُّ الضَّمَانُ بِالرَّاكِبِ أَوْ يَجِبُ أَثْلَاثًا؟ وَجْهَانِ: أَرْجَحُهُمَا الأَْوَّل، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا رَاكِبَانِ فَهَل يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا أَوْ يَخْتَصُّ بِالأَْوَّل، دُونَ الرَّدِيفِ؟ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا الأَْوَّل لأَِنَّ الْيَدَ لَهُمَا (1) .
أَمَّا إِذَا أَتْلَفَتِ الدَّابَّةُ أَمْوَال الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا رَاكِبٌ فَهُنَا يُنْظَرُ إِلَى الزَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الإِْتْلَافُ، فَإِنْ كَانَ نَهَارًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهَا، وَإِنْ كَانَ لَيْلاً ضَمِنَ، لِتَقْصِيرِهِ بِإِرْسَالِهَا لَيْلاً، بِخِلَافِ الإِْرْسَال نَهَارًا، لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ. وَهُوَ عَلَى وَفْقِ الْعَادَةِ فِي حِفْظِ الزَّرْعِ وَنَحْوِهِ نَهَارًا وَالدَّابَّةِ لَيْلاً، وَلَوْ تَعَوَّدَ أَهْل الْبَلَدِ إِرْسَال الدَّوَابِّ وَحِفْظَ الزَّرْعِ لَيْلاً دُونَ النَّهَارِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ، فَيَضْمَنُ مُرْسِلُهَا مَا أَتْلَفَتْهُ نَهَارًا دُونَ اللَّيْل، اتِّبَاعًا لِمَعْنَى الْخَبَرِ وَالْعَادَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ يُؤْخَذُ مَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لَوْ جَرَتْ عَادَةٌ بِحِفْظِهَا لَيْلاً وَنَهَارًا ضَمِنَ مُرْسِلُهَا مَا أَتْلَفَتْهُ مُطْلَقًا.
هَذَا، وَقَدِ اسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مِنَ الدَّوَابِّ الَّتِي يَلْزَمُ الضَّمَانُ بِإِتْلَافِهَا الْحَمَامَ وَغَيْرَهُ مِنَ الطُّيُورِ وَالنَّحْل، إِذْ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ بِإِتْلَافِهَا مُطْلَقًا، وَهَذَا الْحُكْمُ حَكَاهُ فِي أَصْل الرَّوْضَةِ عَنِ ابْنِ الصَّبَّاغِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْعَادَةَ إِرْسَالُهَا (2) .
هَذَا، وَقَدْ وَافَقَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ الشَّافِعِيَّةَ فِي
(1) الإقناع 2 / 201
(2)
الإقناع 2 / 201 - 202