الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إِذَا تَلِفَتْ أَوْ أَخَذَهَا اللِّصُّ، بَل بَعْثُهَا إِلَيْهِ فِي مِثْل هَذِهِ الْحَالَةِ وَاجِبٌ وَيَضْمَنُ إِنْ حَبَسَهَا، أَمَّا إِنْ كَانَتِ الإِْقَامَةُ الَّتِي عَرَضَتْ لَهُ قَصِيرَةً كَالأَْيَّامِ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ إِبْقَاؤُهَا مَعَهُ، فَإِنْ بَعَثَهَا - بِغَيْرِ إِذْنٍ - ضَمِنَهَا إِنْ تَلِفَتْ، وَأَمَّا إِنْ كَانَتِ الإِْقَامَةُ الَّتِي عَرَضَتْ لَهُ مُتَوَسِّطَةً، كَالشَّهْرَيْنِ مَثَلاً خُيِّرَ فِي إِرْسَالِهَا وَفِي إِبْقَائِهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إِنْ أَرْسَلَهَا وَتَلِفَتْ، أَوْ حَبَسَهَا (1) أَيْ وَتَلِفَتْ.
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي وَصِيِّ رَبِّ الْمَال، إِذَا أَرْسَل الْمَال لِلْوَرَثَةِ، أَوْ سَافَرَ هُوَ بِهِ إِلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِمْ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْمَال إِذَا ضَاعَ أَوْ تَلِفَ (2) . وَكَذَا الْقَاضِي إِذَا بَعَثَ الْمَال لِمُسْتَحِقِّهِ مِنْ وَرَثَةٍ أَوْ غَيْرِهِمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَضَاعَ أَوْ تَلِفَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، خِلَافًا لِقَوْل أَصْبَغَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ. وَنَقَل ابْنُ قُدَامَةَ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ قَوْلَهُ فِي رَجُلٍ لَهُ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولاً يَقْبِضُهَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مَعَ الرَّسُول دِينَارًا، فَضَاعَ مِنَ الرَّسُول، فَهُوَ مِنْ مَال الْبَاعِثِ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِمُصَارَفَتِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ ضَمَانِ الْبَاعِثِ لأَِنَّهُ دَفَعَ إِلَى الرَّسُول غَيْرَ مَا أَمَرَهُ بِهِ الْمُرْسِل. فَإِنَّ الْمُرْسِل إِنَّمَا أَمَرَهُ بِقَبْضِ مَا لَهُ فِي ذِمَّتِهِ، وَهِيَ الدَّرَاهِمُ، وَلَمْ يَدْفَعْهَا، وَإِنَّمَا دَفَعَ دِينَارًا عِوَضًا عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَهَذَا صَرْفٌ يَفْتَقِرُ إِلَى رِضَى صَاحِبِ الدَّيْنِ وَإِذْنِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ، فَصَارَ الرَّسُول وَكِيلاً لِلْبَاعِثِ فِي تَأْدِيَتِهِ إِلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ وَمُصَارَفَتِهِ بِهِ، فَإِذَا تَلِفَ فِي يَدِ وَكِيلِهِ كَانَ مِنْ ضَمَانِهِ، اللَّهُمَّ إِلَاّ أَنْ يُخْبِرَ الرَّسُول الْغَرِيمَ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِ الدِّينَارِ عَنِ الدَّرَاهِمِ فَيَكُونُ
(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 424
(2)
المصدر السابق 3 / 425
حِينَئِذٍ مِنْ ضَمَانِ الرَّسُول؛ لأَِنَّهُ غَرَّهُ وَأَخَذَ الدِّينَارَ عَلَى أَنَّهُ وَكِيلٌ لِلْمُرْسِل. وَإِنْ قَبَضَ مِنْهُ الدَّرَاهِمَ الَّتِي أُمِرَ بِقَبْضِهَا فَضَاعَتْ مِنَ الرَّسُول فَهِيَ مِنْ ضَمَانِ صَاحِبِ الدَّيْنِ؛ لأَِنَّهَا تَلِفَتْ مِنْ يَدِ وَكِيلِهِ (1) .
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه قَوْلُهُ فِي رَجُلٍ لَهُ عِنْدَ آخَرَ دَنَانِيرُ وَثِيَابٌ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولاً وَقَال: خُذْ دِينَارًا وَثَوْبًا، فَأَخَذَ دِينَارَيْنِ وَثَوْبَيْنِ، فَضَاعَتْ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْبَاعِثِ، يَعْنِي الَّذِي أَعْطَاهُ الدِّينَارَيْنِ وَالثَّوْبَيْنِ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّسُول، يَعْنِي عَلَيْهِ ضَمَانُ الدِّينَارِ وَالثَّوْبِ الزَّائِدَيْنِ، وَإِنَّمَا جَعَل عَلَيْهِ الضَّمَانَ لأَِنَّهُ دَفَعَهُمَا إِلَى مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِدَفْعِهِمَا إِلَيْهِ، وَيَرْجِعُ بِهِمَا عَلَى الرَّسُول لأَِنَّهُ غَرَّهُ وَجَعَل التَّلَفَ فِي يَدِهِ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَلِلْمُوَكِّل تَضْمِينُ الْوَكِيل؛ لأَِنَّهُ تَعَدَّى بِقَبْضِ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِقَبْضِهِ، فَإِذَا ضَمِنَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ؛ لأَِنَّ التَّلَفَ حَصَل فِي يَدِهِ فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ (2) .
أَثَرُ الإِْرْسَال فِي قَبُول الشَّهَادَةِ لِلْمُرْسِل أَوْ عَلَيْهِ:
12 -
يَتَبَيَّنُ أَثَرُ الإِْرْسَال فِي قَبُول الشَّهَادَةِ لِلْمُرْسِل، أَوْ عَلَيْهِ مِنْ خِلَال مَا ذُكِرَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَقْوَالٍ، فَالإِْمَامُ الْكَاسَانِيُّ يُبَيِّنُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَرْسَل رَسُولاً إِلَى امْرَأَةٍ يُرِيدُ الزَّوَاجَ مِنْهَا فَكَتَبَ إِلَيْهَا بِذَلِكَ كِتَابًا، فَقَبِلَتْ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ سَمِعَا كَلَامَ الرَّسُول وَقِرَاءَةَ الْكِتَابِ جَازَ ذَلِكَ؛ لاِتِّحَادِ الْمَجْلِسِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى؛ لأَِنَّ كَلَامَ الرَّسُول كَلَامُ الْمُرْسِل،
(1) هذا الرأي إنما كان عندما كانت الرغبة في الدنانير غير الرغبة في الدراهم، والعكس، أما الآن وقد استقرت النسبة بين الدرهم والدينار، إذا كان النقد في بلد واحد، فلا يختلف الحكم في قبض الدراهم بدلا عن الدنانير، والعكس.
(2)
المغني لابن قدامة 5 / 230 - 231