الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى الْمُرْسِل؛ لأَِنَّهُ أَرْسَل الْمَاءَ فِي النَّهْرِ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ، وَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى مَنْ طَرَحَ التُّرَابَ فِي النَّهْرِ وَمَنَعَ الْمَاءَ عَنِ السَّيَلَانِ؛ لأَِنَّهُ مُتَعَدٍّ. وَلَوْ فَتَحَ فُوَّهَةَ النَّهْرِ وَأَرْسَل مَاءً قَدْرَ مَا يَحْتَمِلُهُ النَّهْرُ، فَدَخَل الْمَاءُ مِنْ فَوْرِهِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ قَبْل أَنْ يَدْخُل فِي أَرْضِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (1) .
هَذَا، وَمِمَّا يَجْدُرُ الإِْشَارَةُ إِلَيْهِ هُوَ أَنْ نَذْكُرَ الدَّلِيل الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْحَنَابِلَةُ فِي مُوَافَقَتِهِمْ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي أَنَّ الضَّمَانَ فِي الْمُتْلَفِ لَيْلاً لَا نَهَارًا، وَالدَّلِيل هُوَ رِوَايَةُ الإِْمَامِ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حِزَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةَ أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ دَخَلَتْ حَائِطَ قَوْمٍ فَأَفْسَدَتْ - أَيْ مَا فِيهِ مِنْ أَمْوَالٍ - فَقَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ عَلَى أَهْل الأَْمْوَال حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ، وَمَا أَفْسَدَتْ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِمْ.
وَلأَِنَّ الْعَادَةَ مِنْ أَهْل الْمَوَاشِي إِرْسَالُهَا نَهَارًا لِلرَّعْيِ وَحِفْظُهَا لَيْلاً، وَعَادَةُ أَهْل الْحَوَائِطِ حِفْظُهَا نَهَارًا، فَإِذَا أَفْسَدَتْ شَيْئًا لَيْلاً كَانَ مِنْ ضَمَانِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ إِنْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا، مِثْل مَا إِذَا لَمْ يَضُمَّهَا وَنَحْوَهُ لَيْلاً، أَوْ ضَمَّهَا بِحَيْثُ يُمْكِنُهَا الْخُرُوجُ. أَمَّا إِذَا ضَمَّهَا مَنْ هِيَ بِيَدِهِ لَيْلاً فَأَخْرَجَهَا غَيْرُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَوْ فَتْحَ غَيْرُهُ عَلَيْهَا بَابَهَا فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا، فَالضَّمَانُ عَلَى مُخْرِجِهَا أَوْ فَاتِحِ بَابِهَا؛ لأَِنَّهُ السَّبَبُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ كَانَتْ بِيَدِهِ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ. ثُمَّ أَضَافَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ، بِأَنَّ الْحُكْمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي فِيهَا زَرْعٌ وَمَرَاعِي. أَمَّا الْقُرَى الْعَامِرَةُ الَّتِي لَا مَرْعَى فِيهَا إِلَاّ بَيْنَ مَرَاحَيْنِ كَسَاقِيَةٍ وَطُرُقِ زَرْعٍ فَلَيْسَ لَهُ إِرْسَالُهَا بِغَيْرِ حَافِظٍ، فَإِنْ فَعَل لَزِمَهُ الضَّمَانُ لِتَفْرِيطِهِ.
(1) المصدر السابق 3 / 222
وَقَدْ خَالَفَ الْحَنَابِلَةُ مَا قَال بِهِ الْمَالِكِيَّةُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَادَةَ تُرَاعَى فِي أَحْكَامِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، إِذْ قَال الْحَارِثِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: لَوْ جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ أَهْل النَّوَاحِي رَبْطُهَا نَهَارًا وَإِرْسَالُهَا لَيْلاً وَحِفْظُ الزَّرْعِ لَيْلاً، فَالْحُكْمُ هُوَ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى مَالِكِهَا فِيمَا أَفْسَدَتْهُ لَيْلاً إِنْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا، لَا نَهَارًا (1) .
ثُمَّ اسْتَطْرَدَ الْحَنَابِلَةُ فِي ضَرْبِ الأَْمْثِلَةِ بِقَوْلِهِمْ: لَوْ أَنَّ الرَّجُل أَرْسَل صَيْدًا وَقَال: أَعْتَقْتُكَ، لَمْ يَزُل مِلْكُهُ عَنْهُ، كَمَا لَوْ أَرْسَل الْبَعِيرَ وَالْبَقَرَةَ، وَنَحْوَهُمَا مِنَ الْبَهَائِمِ الْمَمْلُوكَةِ، إِذْ أَنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُول عَنْهَا بِذَلِكَ (2) .
الإِْرْسَال فِي الْقَبْضِ وَالْعَزْل:
14 -
قَال السَّرَخْسِيُّ: (إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ أَرْسَل رَسُولاً يَقْبِضُهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذَا رَآهُ، وَرُؤْيَةُ الرَّسُول وَقَبْضُهُ لَا يُلْزِمُهُ الْمَتَاعَ) لأَِنَّ الْمَقْصُودَ عِلْمُ الْعَاقِدِ بِأَوْصَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، لِيَتِمَّ رِضَاهُ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُل بِرُؤْيَةِ الرَّسُول، فَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّ قَبْضَ رَسُولِهِ كَقَبْضِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ قَبَضَ بِنَفْسِهِ قَبْل الرُّؤْيَةِ كَانَ بِالْخِيَارِ إِذَا رَآهُ، فَكَذَلِكَ إِذَا أَرْسَل رَسُولاً فَقَبَضَهُ لَهُ، فَأَمَّا إِذَا وَكَّل وَكِيلاً يَقْبِضُهُ فَرَآهُ الْوَكِيل وَقَبَضَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوَكِّل فِيهِ خِيَارٌ بَعْدَ ذَلِكَ فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه. وَقَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَهُ الْخِيَارُ إِذَا رَآهُ؛ لأَِنَّ الْقَبْضَ فِعْلٌ، وَالرَّسُول وَالْوَكِيل فِيهِ سَوَاءٌ، وَكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَأْمُورٌ بِإِحْرَازِ الْعَيْنِ وَالْحَمْل إِلَيْهِ وَالنَّقْل إِلَى ضَمَانِهِ بِفِعْلِهِ، ثُمَّ خِيَارُهُ لَا
(1) كشاف القناع 4 / 128
(2)
المصدر السابق 4 / 134 هذا ويؤخذ مما تقدم أن الفروع التي مثل بها في المذاهب المختلفة ترجع كلها من حيث الضمان وعدمه إلى ثلاثة أمور: الإهمال، أو التعدي أو العرف.