الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ (1) وَقَال صلى الله عليه وسلم: لَا يَدْخُل الْجَنَّةَ مَنْ خَافَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ. (2)
أَنْوَاعُهُ مِنْ حَيْثُ قَابِلِيَّةُ رُجُوعِ الْمُرْفِقِ:
6 -
الإِْرْفَاقُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَحْدُودًا بِزَمَنٍ كَسَنَةٍ، أَوْ عَشْرِ سِنِينَ، أَوْ إِلَى الأَْبَدِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ اُتُّبِعَ، وَكَانَ لَازِمًا لِلْمُرْفِقِ، لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْل الْمُدَّةِ الْمُحَدَّدَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الإِْرْفَاقُ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِأَجَلٍ، وَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ قَدْرُ مَا يُعَدُّ ارْتِفَاقًا بَيْنَ الْجِيرَانِ، بِأَنْ يَتْرُكَ مُدَّةً يَنْتَفِعُ فِيهَا عَادَةً أَمْثَالُهُ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الإِْرْفَاقُ بِالْغَرْزِ، أَوْ فَتْحِ بَابٍ، أَوْ سَقْيِ مَاءٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَإِعَادَةِ عَرْصَةٍ لِلْبِنَاءِ (3) .
وَيَأْتِي تَفْصِيل أَحْكَامِ الرُّجُوعِ فِي (ف 24)
أَسْبَابُ الاِرْتِفَاقِ:
7 -
يَنْشَأُ الاِرْتِفَاقُ عَنْ إِذْنِ الشَّارِعِ، وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلأَْمْوَال الْعَامَّةِ، أَوِ الْمُبَاحَاتِ كَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَغَيْرِهِ، أَوْ إِذْنِ الْمَالِكِ بِالنِّسْبَةِ لِلأَْمْوَال الْخَاصَّةِ، أَوْ بِاقْتِضَاءِ التَّصَرُّفِ بِثُبُوتِ الاِرْتِفَاقِ كَمَا فِي الإِْجَارَةِ وَالْوَقْفِ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطِ الاِنْتِفَاعَ بِحُقُوقِ الاِرْتِفَاقِ، وَقَدْ يَثْبُتُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَال دُونَ مَعْرِفَةِ سَبَبِ نُشُوئِهِ، وَذَلِكَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ عَلَيْهِ.
(1) أخرجه البخاري - فتح الباري 5 / 110 - ط السلفية ومسلم 3 / 1230 - ط عيسى الحلبي) واللفظ لمسلم.
(2)
أخرجه أحمد (2 / 373 - ط الميمنية) وقال الهيثمي في المجمع (8 / 169 - ط مكتبة القدسي) : " رجاله رجال الصحيح "
(3)
البهجة على التحفة 2 / 251، 252
الاِرْتِفَاقُ بِالْمَنَافِعِ الْعَامَّةِ وَالأَْوْلَوِيَّةُ فِيهِ:
8 -
صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ: يَجُوزُ الاِرْتِفَاقُ بِالْقُعُودِ فِي الْوَاسِعِ مِنَ الشَّوَارِعِ وَالطُّرُقَاتِ وَالرِّحَابِ بَيْنَ الْعُمْرَانِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيقُ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ، لاِتِّفَاقِ أَهْل الأَْمْصَارِ فِي جَمِيعِ الأَْعْصَارِ عَلَى إِقْرَارِ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ، وَلأَِنَّهُ ارْتِفَاقٌ مُبَاحٌ مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ، فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ كَالاِجْتِيَازِ. قَال أَحْمَدُ فِي السَّابِقِ إِلَى دَكَاكِينِ السُّوقِ (أَيِ الأَْمَاكِنِ الْمُعَدَّةِ لِلْبَاعَةِ غَيْرِ الدَّائِمِينَ) غَدْوَةً: فَهُوَ لَهُ إِلَى اللَّيْل. وَكَانَ هَذَا فِي سُوقِ الْمَدِينَةِ فِيمَا مَضَى. وَقَدْ قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ (1) وَلَهُ أَنْ يُظَلِّل عَلَى نَفْسِهِ بِمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ. . . فَإِنْ قَامَ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ إِزَالَتُهُ، لأَِنَّ يَدَ الأَْوَّل عَلَيْهِ، وَإِنْ نَقَل مَتَاعَهُ كَانَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقْعُدَ فِيهِ، لأَِنَّ يَدَهُ قَدْ زَالَتْ، وَإِنْ قَعَدَ وَأَطَال مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ، لأَِنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُتَمَلِّكِ، وَيَخْتَصُّ بِنَفْعٍ يُسَاوِيهِ فِيهِ غَيْرُهُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ. وَيُحْتَمَل أَنَّهُ لَا يُزَال، لأَِنَّهُ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ. وَإِنْ اسْتَبَقَ اثْنَانِ إِلَيْهِ احْتَمَل أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا، وَاحْتَمَل أَنْ يُقَدِّمَ الإِْمَامُ مَنْ يَرَى مِنْهُمَا. وَإِنْ كَانَ الْجَالِسُ يُضَيِّقُ عَلَى الْمَارَّةِ لَمْ يَحِل لَهُ الْجُلُوسُ فِيهِ، وَلَا يَحِل لِلإِْمَامِ تَمْكِينُهُ بِعِوَضٍ وَلَا غَيْرِهِ (2) .
وَبِنَحْوِ ذَلِكَ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ قَال الرَّمْلِيُّ: (وَمَنْ أَلِفَ مِنْ مَسْجِدٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ مَوْضِعًا يُفْتِي فِيهِ النَّاسَ،
(1) حديث: " منى مناخ من سبق " أخرجه ابن ماجه (2 / 1000 - ط عيسى الحلبي) والترمذي (3 / 228 - ط عيسى الحلبي)
(2)
المغني 5 / 576، 577 ط مكتبة الرياض
أَوْ يُقْرِئُ فِيهِ قُرْآنًا، أَوْ عِلْمًا شَرْعِيًّا، أَوْ آلَةً لَهُ، أَوْ لِتَعَلُّمِ مَا ذُكِرَ كَسَمَاعِ دَرْسٍ بَيْنَ يَدَيْ مُدَرِّسٍ فَهُوَ كَالْجَالِسِ فِي الشَّارِعِ لِمُعَامَلَةٍ، لَكِنَّ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِأَنْ يُفِيدَ أَوْ يَسْتَفِيدَ. بَل هُوَ أَوْلَى مِمَّنْ يَجْلِسُ فِي الشَّارِعِ لِمُعَامَلَةٍ، لأَِنَّ لَهُ غَرَضًا فِي مُلَازَمَةِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَأْلَفَهُ النَّاسُ. وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ وَطَنًا. . . مَخْصُوصٌ بِمَا عَدَا ذَلِكَ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ إِذْنُ الإِْمَامِ، وَإِذَا غَابَ الْمُدَرِّسُ فَلِغَيْرِهِ الْجُلُوسُ فِي مَكَانِهِ، حَتَّى لَا تَتَعَطَّل مَنْفَعَتُهُ) .
وَلَوْ سَبَقَ رَجُلٌ إِلَى مَوْضِعٍ مِنْ رِبَاطٍ مُسَبَّلٍ (1) وَانْطَبَقَ عَلَيْهِ شَرْطُهُ، أَوْ فَقِيهٌ إِلَى مَدْرَسَةٍ، أَوْ مُتَعَلِّمُ قُرْآنٍ إِلَى مَا بُنِيَ لَهُ، أَوْ صُوفِيٌّ إِلَى خَانِقَاهُ (2) لَمْ يُزْعَجْ وَلَمْ يَبْطُل حَقُّهُ مِنْهُ بِخُرُوجِهِ لِشِرَاءِ حَاجَةٍ وَنَحْوِهِ مِنَ الأَْعْذَارِ، وَلَوْ لَمْ يَتْرُكْ مَتَاعًا وَلَا نَائِبًا. وَمَتَى عَيَّنَ الْوَاقِفُ مُدَّةً لِلإِْقَامَةِ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَفِقِ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا، إِلَاّ إِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْبَلَدِ مَنْ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ، لأَِنَّ الْعُرْفَ يَشْهَدُ بِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يُرِدْ خُلُوَّ الْمَدْرَسَةِ، وَكَذَا يُعْمَل بِالْعُرْفِ فِي كُل شَرْطٍ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ، وَلَا يُزَادُ فِي رِبَاطٍ مُدَّةٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَا لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ (3)
9 -
هَذَا وَقَدْ فَصَّل كُلٌّ مِنَ الْمَاوَرْدِيِّ وَأَبِي يَعْلَى بَيَانَ الاِرْتِفَاقِ بِالْمَنَافِعِ الْعَامَّةِ وَلَا سِيَّمَا مِنْ حَيْثُ الْحَاجَةُ إِلَى إِذْنِ السُّلْطَانِ أَوْ عَدَمُهَا فَقَالَا: وَأَمَّا الإِْرْفَاقُ فَهُوَ مِنِ ارْتِفَاقِ النَّاسِ بِمَقَاعِدِ الأَْسْوَاقِ، وَأَفْنِيَةِ
(1) نهاية المحتاج 5 / 345 بتصرف يسير.
(2)
الفتاوى البزازية هامش الفتاوى الهندية 6 / 114 - 116 والبهجة في شرح التحفة 2 / 335 - 342
(3)
نهاية المحتاج 5 / 345
الشَّوَارِعِ، وَحَرِيمِ الأَْمْصَارِ، وَمَنَازِل الأَْسْفَارِ فَتَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَخْتَصُّ الاِرْتِفَاقُ فِيهِ بِالصَّحَارِيِ وَالْفَلَوَاتِ، وَقِسْمٌ يَخْتَصُّ الاِرْتِفَاقُ فِيهِ بِأَفْنِيَةِ الأَْمْلَاكِ، وَقِسْمٌ يَخْتَصُّ بِالشَّوَارِعِ وَالطُّرُقَاتِ.
وَالْقِسْمُ الأَْوَّل ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ لاِجْتِيَازِ السَّابِلَةِ وَاسْتِرَاحَةِ الْمُسَافِرِينَ فِيهِ فَلَا نَظَرَ لِلسُّلْطَانِ فِيهِ لِبُعْدِهِ عَنْهُ وَضَرُورَةِ السَّابِلَةِ فِيهِ. وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ السُّلْطَانُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ إِصْلَاحُ عَوْرَتِهِ " خَلَلِهِ " وَحِفْظُ مِيَاهِهِ، وَالتَّخْلِيَةُ بَيْنَ النَّاسِ وَنُزُولُهُ، وَيَكُونُ السَّابِقُ إِلَى الْمَنْزِل أَحَقَّ بِحُلُولِهِ مِنَ الْمَسْبُوقِ حَتَّى يَرْتَحِل. فَإِنْ وَرَدُوهُ عَلَى سَوَاءٍ وَتَنَازَعُوا فِيهِ، نَظَرَ فِي التَّعْدِيل بَيْنَهُمْ بِمَا يُزِيل تَنَازُعَهُمْ. وَكَذَلِكَ الْبَادِيَةُ إِذَا انْتَجَعُوا أَرْضًا طَلَبًا لِلْكَلأَِ وَارْتِفَاقًا بِالْمَرْعَى وَانْتِقَالاً مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ كَانُوا فِيمَا تَرَكُوهُ وَارْتَحَلُوا عَنْهُ كَالسَّابِلَةِ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِمْ فِي تَنَقُّلِهِمْ وَرَعْيِهِمْ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي. أَنْ يَقْصِدُوا بِنُزُولِهِمْ بِهَا الإِْقَامَةَ وَالاِسْتِيطَانَ، فَلِلسُّلْطَانِ فِي نُزُولِهِمْ بِهَا نَظَرٌ يُرَاعَى فِيهِ الأَْصْلَحُ فَإِنْ كَانَ مُضِرًّا بِالسَّابِلَةِ مُنِعُوا مِنْهَا قَبْل النُّزُول وَبَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِالسَّابِلَةِ رَاعَى الأَْصْلَحَ فِي نُزُولِهِمْ بِهَا أَوْ مَنَعَهُمْ مِنْهَا وَنَقَل غَيْرَهُمْ إِلَيْهَا، كَمَا فَعَل عُمَرُ حِينَ مَصَّرَ الْبَصْرَةَ وَالْكُوفَةَ. نَقَل إِلَى كُل وَاحِدَةٍ مِنَ الْمِصْرَيْنِ مَنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، لِئَلَاّ يَجْتَمِعَ فِيهِ الْمُسَافِرُونَ، فَيَكُونَ سَبَبًا لاِنْتِشَارِ الْفِتْنَةِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ، كَمَا يُفْعَل فِي إِقْطَاعِ الْمَوَاتِ مَا يُرَى، فَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنُوهُ حَتَّى نَزَلُوا فِيهِ لَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْهُ. كَمَا لَا يَمْنَعُ مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا بِغَيْرِ إِذْنِهِ. وَدَبَّرَهُمْ بِمَا يَرَاهُ صَلَاحًا لَهُمْ، وَنَهَاهُمْ عَنْ إِحْدَاثِ زِيَادَةٍ مِنْ بَعْدُ،