الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِلْمُشْتَرِي فِيهِ خِيَارٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، بِدَلِيل أَنَّ مُحَمَّدًا رحمه الله ذَكَرَ فِي جَوَازِهِ الْقِيَاسَ وَالاِسْتِحْسَانَ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ فِي الْعِدَّاتِ. وَكَذَا أَثْبَتَ فِيهِ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ، وَأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْبِيَاعَاتِ. وَكَذَا يَجْرِي فِيهِ التَّقَاضِي، وَأَنَّ مَا يُتَقَاضَى فِيهِ الْوَاجِبُ، لَا الْمَوْعُودُ (1) .
وَهُنَاكَ رَأْيٌ عِنْدَ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ وَعْدٌ (2) ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الصَّانِعَ لَهُ أَلَاّ يَعْمَل، وَبِذَلِكَ كَانَ ارْتِبَاطُهُ مَعَ الْمُسْتَصْنِعِ ارْتِبَاطَ وَعْدٍ لَا عَقْدٍ؛ لأَِنَّ كُل مَا لَا يَلْزَمُ بِهِ الصَّانِعُ مَعَ إِلْزَامِ نَفْسِهِ بِهِ يَكُونُ وَعْدًا لَا عَقْدًا، لأَِنَّ الصَّانِعَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْعَمَل بِخِلَافِ السَّلَمِ، فَإِنَّهُ مُجْبَرٌ بِمَا الْتَزَمَ بِهِ؛ وَلأَِنَّ الْمُسْتَصْنِعَ لَهُ الْحَقُّ فِي عَدَمِ تَقَبُّل مَا يَأْتِي بِهِ الصَّانِعُ مِنْ مَصْنُوعٍ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَمَّا اسْتَصْنَعَهُ قَبْل تَمَامِهِ وَرُؤْيَتِهِ، وَهَذَا عَلَامَةُ أَنَّهُ وَعْدٌ لَا عَقْدٌ (3) .
الاِسْتِصْنَاعُ بَيْعٌ أَمْ إِجَارَةٌ:
6 -
يَرَى أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ الاِسْتِصْنَاعَ بَيْعٌ. فَقَدْ عَدَّدَ الْحَنَفِيَّةُ أَنْوَاعَ الْبُيُوعِ، وَذَكَرُوا مِنْهَا الاِسْتِصْنَاعَ، عَلَى أَنَّهُ بَيْعُ عَيْنٍ شُرِطَ فِيهِ الْعَمَل (4) ، أَوْ هُوَ بَيْعٌ لَكِنْ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الرُّؤْيَةِ (5) ، فَهُوَ بَيْعٌ إِلَاّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ، فَخَالَفَ الْبَيْعَ الْمُطْلَقَ فِي اشْتِرَاطِ الْعَمَل فِي الاِسْتِصْنَاعِ، وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَمَل. وَقَال بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ الاِسْتِصْنَاعَ إِجَارَةٌ
(1) البدائع 5 / 2 ط الأولى.
(2)
فتح القدير 5 / 355، والمبسوط 12 / 138 وما بعدها.
(3)
فتح القدير 5 / 355
(4)
المبسوط 15 / 84 وما بعدها، والإنصاف 4 / 300
(5)
البدائع 6 / 2677
مَحْضَةٌ (1)، وَقِيل: إِنَّهُ إِجَارَةٌ ابْتِدَاءً، بَيْعٌ انْتِهَاءً (2) .
صِفَةُ الاِسْتِصْنَاعِ (حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ) :
7 -
الاِسْتِصْنَاعُ - بِاعْتِبَارِهِ عَقْدًا مُسْتَقِلًّا - مَشْرُوعٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى سَبِيل الاِسْتِحْسَانِ (3)، وَمَنَعَهُ زُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَخْذًا بِالْقِيَاسِ؛ لأَِنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ (4) . وَوَجْهُ الاِسْتِحْسَانِ: اسْتِصْنَاعُ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم الْخَاتَمَ (5) ، وَالإِْجْمَاعُ مِنْ لَدُنْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دُونَ نَكِيرٍ (6) ، وَتَعَامُل النَّاسِ بِهَذَا الْعَقْدِ وَالْحَاجَةُ الْمَاسَّةُ إِلَيْهِ. وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِصْنَاعُ سِلْعَةٍ، لأَِنَّهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ عَلَى وَجْهِ غَيْرِ السَّلَمِ، وَقِيل: يَصِحُّ بَيْعُهُ إِلَى الْمُشْتَرِي إِنْ صَحَّ جَمْعٌ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ مِنْهُ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ؛ لأَِنَّهُ بَيْعٌ وَسَلَمٌ (7) .
حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ الاِسْتِصْنَاعِ:
8 -
الاِسْتِصْنَاعُ شُرِعَ لِسَدِّ حَاجَاتِ النَّاسِ وَمُتَطَلَّبَاتِهِمْ؛ نَظَرًا لِتَطَوُّرِ الصِّنَاعَاتِ تَطَوُّرًا كَبِيرًا،
(1) فتح القدير 5 / 356
(2)
فتح القدير 5 / 356، 357، وحاشية ابن عابدين 4 / 213
(3)
البدائع 6 / 2678، وشرح فتح القدير 5 / 355، وتحفة الفقهاء 2 / 538، والفتاوى الأسعدية 2 / 57 ط الخيرية.
(4)
فتح القدير 5 / 355
(5)
روى البخاري اصطناع الرسول صلى الله عليه وسلم للخاتم في الأيمان والنذور (فتح الباري 11 / 454 ط عبد الرحمن محمد) ، وفي النهاية في غريب الحديث 3 / 57 ط عيسى الحلبي ما نصه " اصطنع الرسول صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب "، قال ابن الأثير: أي أمر أن يصنع له كما تقول: اكتتب أي أمر أن يكتب له، وقال صاحب الاعتبار ص 187 ط المنيرية: هذا حديث صحيح ثابت، وله طرق في الصحاح عدة.
(6)
البدائع 6 / 2678
(7)
الإنصاف 4 / 300