الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حُكْمِ الإِْرْسَال بِالشِّرَاءِ تَبَعًا لِلَفْظِ الرَّسُول، فَإِذَا أَسْنَدَ الرَّسُول الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ طُولِبَ بِالثَّمَنِ، لَكِنْ إِذَا أَقَرَّ الْمُرْسِل بِأَنَّهُ أَرْسَلَهُ كَانَ لِلْبَائِعِ غَرِيمَانِ، فَيَتْبَعُ أَيَّهُمَا شَاءَ، إِلَاّ أَنْ يَحْلِفَ الْمُرْسِل أَنَّهُ دَفَعَ الثَّمَنَ لِلرَّسُول فَإِنَّهُ يَبْرَأُ، وَيَتْبَعُ الرَّسُول، أَمَّا إِذَا أَسْنَدَ الشِّرَاءَ لِمَنْ أَرْسَلَهُ فَإِنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِالثَّمَنِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُطَالَبُ بِهِ الْمُرْسِل (1) .
هَذَا، وَقَدْ ذَكَرَ الدَّرْدِيرُ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ أَنَّ الرَّسُول إِذَا قَال: بَعَثَنِي فُلَانٌ لِتَبِيعَهُ كَذَا بِمِائَةٍ، أَوْ لِيَشْتَرِيَ مِنْكَ كَذَا بِمِائَةٍ مَثَلاً، فَرَضِيَ صَاحِبُ السِّلْعَةِ، لَا يُطَالَبُ الرَّسُول بِالثَّمَنِ، فَإِنْ أَنْكَرَ فُلَانٌ هَذَا أَنَّهُ أَرْسَلَهُ فَالثَّمَنُ عَلَى الرَّسُول. أَمَّا إِذَا قَال: بَعَثَنِي فُلَانٌ لأَِشْتَرِيَ لَهُ مِنْكَ، فَيُطَالَبُ الرَّسُول بِالثَّمَنِ؛ لأَِنَّهُ فِي الْحَالَةِ الأُْولَى أَسْنَدَ الشِّرَاءَ لِغَيْرِهِ، وَفِي الْحَال الأَْخِيرَةِ أَسْنَدَ الشِّرَاءَ إِلَى نَفْسِهِ (2) .
كَمَا أَجْمَعَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الرَّسُول بِالشِّرَاءِ لَا يَمْلِكُ إِبْطَال الْخِيَارِ، وَلَا تَكُونُ رُؤْيَتُهُ رُؤْيَةَ الْمُرْسِل، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُرْسِل إِذَا لَمْ يَرَهُ (3) . وَقَدْ عَقَّبَ الإِْمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ عَلَى هَذَا الأَْمْرِ بِأَنَّ رُؤْيَةَ الرَّسُول وَقَبْضَهُ لَا يَلْزَمُ الْمُرْسِل الْمَتَاعُ؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ عِلْمُ الْعَاقِدِ بِأَوْصَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِيَتِمَّ رِضَاهُ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُل بِرُؤْيَةِ الرَّسُول، فَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّ قَبْضَ رَسُولِهِ كَقَبْضِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ قَبَضَ بِنَفْسِهِ قَبْل الرُّؤْيَةِ كَانَ بِالْخِيَارِ إِذَا رَآهُ، فَكَذَلِكَ إِذَا أَرْسَل
(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 382 للعلامة شمس الدين الشيخ محمد عرفه الدسوقي - مطبعة عيسى الحلبي.
(2)
الشرح الكبير للدردير 3 / 382
(3)
الفتاوى الهندية 3 / 65 تأليف العلامة الشيخ نظام وجماعة من علماء الهند الأعلام / المكتبة الإسلامية بتركيا.
رَسُولاً فَقَبَضَهُ لَهُ. (1)
مِلْكِيَّةُ الشَّيْءِ الْمُرْسَل:
10 -
قَرَّرَ الأَْئِمَّةُ أَنَّ الشَّيْءَ الْمُرْسَل بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مُرْسِلِهِ، حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُرْسَل إِلَيْهِ، وَمَا دَامَ لَمْ يَقْبِضْهُ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مُرْسِلِهِ، وَقَدْ عَيَّنَهُ لإِِنْسَانٍ فَلَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ مُطْلَقًا (2) .
الضَّمَانُ فِي الإِْرْسَال:
11 -
ذَكَرَ الدَّرْدِيرُ أَنَّهُ إِنْ زَعَمَ شَخْصٌ أَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنْ زَيْدٍ لاِسْتِعَارَةِ حُلِيٍّ لَهُ مِنْ بَكْرٍ، فَدَفَعَ لَهُ بَكْرٌ مَا طَلَبَ، وَزَعَمَ الرَّسُول أَنَّهُ تَلِفَ مِنْهُ، ضَمِنَهُ زَيْدٌ (الْمُرْسِل) إِنْ صَدَّقَهُ فِي الإِْرْسَال، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْهُ وَبَرِئَ، ثُمَّ حَلَفَ الرَّسُول: لَقَدْ أَرْسَلَنِي وَأَنَّهُ تَلِفَ لَا تَفْرِيطَ مِنِّي وَبَرِئَ أَيْضًا، وَضَاعَ الْحُلِيُّ هَدَرًا.
لَكِنِ الرَّاجِحُ أَنَّ الرَّسُول يَضْمَنُ - وَلَا يَبْرَأُ بِالْحَلِفِ - إِلَاّ لِبَيِّنَةٍ بِالإِْرْسَال، فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُرْسِل (3) .
أَمَّا قَاضِي خَانْ فَقَدْ قَال فِي فَتَاوِيهِ: رَجُلٌ بَعَثَ رَسُولاً إِلَى بَزَّازٍ أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ بِثَوْبِ كَذَا وَكَذَا بِثَمَنِ كَذَا وَكَذَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْبَزَّازُ مَعَ رَسُولِهِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ، فَضَاعَ الثَّوْبُ قَبْل أَنْ يَصِل إِلَى الآْمِرِ، وَتَصَادَقُوا عَلَى ذَلِكَ وَأَقَرُّوا بِهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّسُول فِي شَيْءٍ، وَإِنْ بَعَثَ الْبَزَّازُ مَعَ رَسُول الآْمِرِ فَالضَّمَانُ عَلَى الآْمِرِ؛ لأَِنَّ رَسُولَهُ قَبَضَ الثَّوْبَ عَلَى الْمُسَاوَمَةِ،
(1) المبسوط 13 / 73 لشمس الدين السرخسي - دار المعرفة للطباعة والنشر / بيروت.
(2)
الفتاوى الكبرى الفقهية 3 / 370
(3)
حاشية الدسوقي 3 / 441
وَإِنْ كَانَ رَسُول رَبِّ الثَّوْبِ مَعَهُ. فَإِذَا وَصَل الثَّوْبُ إِلَى الآْمِرِ يَكُونُ ضَامِنًا (1) .
قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَلَوْ أَرْسَل رَجُلٌ رَسُولاً إِلَى رَجُلٍ آخَرَ وَقَال لَهُ: ابْعَثْ إِلَيَّ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ قَرْضًا فَقَال: نَعَمْ، وَبَعَثَ بِهَا مَعَ رَسُولِهِ، كَانَ الآْمِرُ ضَامِنًا لَهَا، إِذَا أَقَرَّ أَنَّ رَسُولَهُ قَبَضَهَا.
وَلَوْ بَعَثَ رَجُلاً لِيَسْتَقْرِضَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَقْرَضَهُ فَضَاعَ فِي يَدِهِ، إِنْ قَال الرَّسُول أَقْرِضْ فُلَانًا الْمُرْسَل. فَهِيَ لِلْمُرْسِل وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَإِنْ قَال الرَّسُول: أَقْرِضْنِي لِفُلَانٍ الْمُرْسِل فَأَقْرَضَهُ، وَضَاعَ فِي يَدِهِ، فَعَلَى الرَّسُول الضَّمَانُ. فَحَاصِل الْمَسْأَلَةِ أَنَّ التَّوْكِيل بِالإِْقْرَاضِ يَجُوزُ، وَبِالاِسْتِقْرَاضِ لَا يَجُوزُ، وَالرِّسَالَةُ بِالاِسْتِقْرَاضِ لِلآْمِرِ جَائِزَةٌ، وَإِنْ أَخْرَجَ الْوَكِيل بِالاِسْتِقْرَاضِ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ يَقَعُ الْقَرْضُ لِلآْمِرِ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْوَكَالَةِ بِأَنْ أَضَافَ إِلَى نَفْسِهِ يَصِيرُ مُسْتَقْرِضًا لِنَفْسِهِ، وَيَكُونُ مَا اسْتَقْرَضَ مِنَ الدَّرَاهِمِ لَهُ، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنَ الْمُوَكِّل (2) .
وَحَاصِل الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الرَّسُول إِنْ كَانَ رَسُول رَبِّ الْمَال فَالْوَدِيعُ يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إِلَى الرَّسُول وَلَوْ مَاتَ الرَّسُول قَبْل الْوُصُول، وَيَرْجِعُ الْكَلَامُ بَيْنَ رَبِّ الْمَال وَوَرَثَةِ الرَّسُول، فَإِنْ مَاتَ الرَّسُول قَبْل الْوُصُول كَانَ الضَّمَانُ فِي تَرِكَتِهِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْوُصُول فَلَا رُجُوعَ، حَمْلاً عَلَى أَنَّهُ أَوْصَلَهُ لِرَبِّ الْمَال.
وَإِنْ كَانَ الرَّسُول رَسُول الْوَدِيعِ فَلَا يَبْرَأُ إِلَاّ بِوُصُولِهِ لِرَبِّ الْمَال بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ، فَإِنْ مَاتَ الرَّسُول
(1) هكذا، ولعل المراد ضمان الثمن، انظر الفتاوى الخانية بهامش الهندية 3 / 6
(2)
الفتاوى الهندية 3 / 206
قَبْل الْوُصُول رَجَعَ الْوَدِيعُ فِي تَرِكَتِهِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْوُصُول فَلَا رُجُوعَ وَهِيَ مُصِيبَةٌ عَلَى الْوَدِيعِ (1) .
قَال الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ الْوَكِيل وَالْمُودَعَ وَالرَّسُول مُؤْتَمَنُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُوَكِّل وَالْمُودِعِ وَالْمُرْسِل، فَإِذَا ذَكَرُوا أَنَّهُمْ رَدُّوا مَا دُفِعَ إِلَيْهِمْ إِلَى أَرْبَابِهِ قُبِل ذَلِكَ مِنْهُمْ؛ لأَِنَّ أَرْبَابَ الأَْمْوَال قَدِ ائْتَمَنُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَكَانَ قَوْلُهُمْ مَقْبُولاً فِيمَا بَيْنَهُمْ (2) .
كَمَا لَوْ أَرْسَل رَسُولاً إِلَى رَجُلٍ وَقَال: ابْعَثْ إِلَيَّ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ قَرْضًا، فَقَال: نَعَمْ، وَبَعَثَ بِهَا مَعَ رَسُول الآْمِرِ، فَالآْمِرُ ضَامِنٌ لَهَا إِذَا أَقَرَّ بِأَنَّ رَسُولَهُ قَدْ قَبَضَهَا، وَإِنْ بَعَثَ بِهَا مَعَ غَيْرِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الآْمِرِ حَتَّى تَصِل إِلَيْهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَبَعَثَ إِلَى الْمَدْيُونِ رَسُولاً أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ بِالدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَيْكَ، فَإِنْ بَعَثَ بِهِ مَعَ رَسُول الآْمِرِ فَهُوَ مِنْ مَال الآْمِرِ.
أَمَّا لَوْ بَعَثَ رَجُلٌ إِلَى رَجُلٍ بِكِتَابٍ مَعَ رَسُولٍ أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ ثَوْبَ كَذَا بِثَمَنِ كَذَا، فَفَعَل، وَبَعَثَ بِهِ مَعَ الَّذِي أَتَاهُ بِالْكِتَابِ، لَمْ يَكُنْ مِنْ مَال الآْمِرِ حَتَّى يَصِل إِلَيْهِ، وَفِي هَذَا إِنَّمَا الرَّسُول رَسُولٌ بِالْكِتَابِ (3) .
وَإِذَا أَرْسَل الْمُودَعُ (بِفَتْحِ الدَّال) الْوَدِيعَةَ لِلْمُودِعِ (بِكَسْرِ الدَّال) بِإِذْنِهِ صَحَّ هَذَا الإِْرْسَال، أَمَّا إِنْ أَرْسَلَهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَتَلِفَتْ أَوْ ضَاعَتْ مِنَ الرَّسُول فَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا، إِلَاّ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، هِيَ فِيمَا إِذَا عَرَضَتْ لِلْمُودَعِ إِقَامَةٌ طَوِيلَةٌ فِي الطَّرِيقِ، كَالسَّنَةِ مَثَلاً فَالْحَقُّ أَنَّ لَهُ أَنْ يَبْعَثَهَا مَعَ غَيْرِهِ - وَلَوْ بِغَيْرِ إِذْنٍ
(1) الدسوقي بتصرف يسير 4 / 427
(2)
مواهب الجليل 5 / 210
(3)
الفتاوى الخانية بهامش الهندية 3 / 6