الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَال بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَمِنْهُمُ ابْنُ رُشْدٍ: يَبْدَأُ بِالاِسْتِئْذَانِ لَا بِالسَّلَامِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ (1) .
14 -
وَيَقُومُ قَرْعُ الْبَابِ مَقَامَ الاِسْتِئْذَانِ بِاللَّفْظِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَابُ مُغْلَقًا أَمْ مَفْتُوحًا (2) . فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَال: أَتَيْت رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَمْرِ دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبِي، فَدَقَقْتُ الْبَابَ فَقَال: مَنْ ذَا؟ فَقُلْتُ: أَنَا، فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُول: أَنَا، أَنَا. كَأَنَّهُ كَرِهَهُ. (3)
كَمَا يَقُومُ مَقَامَ التَّنَحْنُحِ (4) .
وَيَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ الْمَأْثُورِ كُل مَا تَعَارَفَهُ النَّاسُ مِنْ أَلْفَاظِ الاِسْتِئْذَانِ، فَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ مُسْنَدًا عَنْ أَبِي عَبْدِ الْمَلِكِ، مَوْلَى أُمِّ مِسْكِينِ بِنْتِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَال: أَرْسَلَتْنِي مَوْلَاتِي إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَجَاءَ مَعِي، فَلَمَّا قَامَ بِالْبَابِ قَال: أَنْدَرُ؟ قَالَتْ: أَنْدَرُونَ (5) .
غَيْرَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ نَصُّوا عَلَى كَرَاهَةِ الاِسْتِئْذَانِ بِالذِّكْرِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ جَعْل اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى آلَةً، قَال فِي الْفَوَاكِهِ الدَّوَانِي:" وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي الاِسْتِئْذَانِ بِنَحْوِ " سُبْحَانَ اللَّهِ " وَ " لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ "
(1) الفواكه الدواني 2 / 427، والشرح الصغير 4 / 762
(2)
شرح الكافي 2 / 1134، والشرح الصغير 4 / 763، وتفسير القرطبي 12 / 217
(3)
حديث: " أتيت رسول الله. . . " أخرجه البخاري في الاستئذان باب: إذا قال من ذا قال أنا، ومسلم في الآداب، باب: كراهة قول المستأذن أنا، وأخرجه أيضا أبو داود في الأدب والترمذي في الاستئذان.
(4)
الفواكه الدواني 2 / 427، والشرح الصغير 4 / 762، وشرح الكافي 2 / 1134، وأحكام الجصاص3 / 383
(5)
تفسير القرطبي 12 / 218، و (أندر) كلمة للاستئذان بالفارسية و (أندرون) كلمة الإذن.
فَهُوَ بِدْعَةٌ مَذْمُومَةٌ، لِمَا فِيهِ مِنْ إِسَاءَةِ الأَْدَبِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِي اسْتِعْمَال اسْمِهِ فِي الاِسْتِئْذَانِ (1) ".
د -
آدَابُ الاِسْتِئْذَانِ:
15 -
إِذَا اسْتَأْذَنَ عَلَى إِنْسَانٍ، فَتَحَقَّقَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعِ الاِسْتِئْذَانَ، فَلَهُ أَنْ يُكَرِّرَ الاِسْتِئْذَانَ حَتَّى يَسْمَعَهُ.
أَمَّا إِذَا اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ، فَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ السُّنَّةَ أَلَاّ يُكَرِّرَ الاِسْتِئْذَانَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ.
وَقَال مَالِكٌ: لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثَّلَاثِ، حَتَّى يَتَحَقَّقَ سَمَاعَهُ (2) .
وَحَكَى النَّوَوِيُّ قَوْلاً ثَالِثًا، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ بِلَفْظِ السَّلَامِ الْمَشْرُوعِ لَمْ يُعِدْهُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ أَعَادَهُ (3) .
وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ، مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَغَيْرِهِ، قَال أَبُو سَعِيدٍ: كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأَْنْصَارِ، إِذْ جَاءَ أَبُو مُوسَى الأَْشْعَرِيُّ، كَأَنَّهُ مَذْعُورٌ فَقَال: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عُمَرَ ثَلَاثًا، فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، فَرَجَعْتُ، فَقَال: مَا مَنَعَكَ؟ قُلْتُ: اسْتَأْذَنْتُ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ، وَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ فَقَال - أَيْ عُمَرُ -: وَاَللَّهِ لَتُقِيمَنَّ عَلَيْهِ
(1) الفواكه الدواني 2 / 427
(2)
عمدة القاري على صحيح البخاري 22 / 241، والشرح الصغير 4 / 762، وشرح الكافي 2 / 1134، وتفسير القرطبي 12 / 214، وحاشية ابن عابدين 5 / 265
(3)
شرح النووي لصحيح مسلم 14 / 131، طبع المطبعة المصرية.
بَيِّنَةً، قَال أَبُو مُوسَى: أَمِنْكُمْ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قَال أُبَيٌّ بْنُ كَعْبٍ: فَوَاَللَّهِ لَا يَقُومُ مَعَكَ إِلَاّ أَصْغَرُ الْقَوْمِ، فَكُنْتُ أَصْغَرَ الْقَوْمِ، فَقُمْتُ مَعَهُ، فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال ذَلِكَ (1) .
16 -
وَقَدْ فَصَّل الْحَنَفِيَّةُ دُونَ غَيْرِهِمْ فِي مُدَّةِ الاِنْتِظَارِ بَيْنَ كُل اسْتِئْذَانَيْنِ فَقَالُوا: يَمْكُثُ بَعْدَ كُل مَرَّةٍ مِقْدَارَ مَا يَفْرُغُ الآْكِل، وَالْمُتَوَضِّئُ، وَالْمُصَلِّي بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ (2) .
حَتَّى إِذَا كَانَ أَحَدٌ عَلَى عَمَلٍ مِنْ هَذِهِ الأَْعْمَال فَرَغَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَمَلٍ مِنْهَا كَانَتْ عِنْدَهُ فُرْصَةٌ يَأْخُذُ فِيهَا حَذَرَهُ، وَيُصْلِحُ شَأْنَهُ قَبْل أَنْ يَدْخُل الدَّاخِل.
وَرَوَى الْجَصَّاصُ بِسَنَدِهِ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلَهُ: الاِسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ، فَالأُْولَى يَسْتَنْصِتُونَ، وَالثَّانِيَةُ يَسْتَصْلِحُونَ، وَالثَّالِثَةُ يَأْذَنُونَ أَوْ يَرُدُّونَ (3) .
وَإِذَا كَانَ الاِسْتِئْذَانُ بِاللَّفْظِ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الصَّوْتُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ الْمُسْتَأْذَنُ عَلَيْهِ، دُونَ صِيَاحٍ. وَإِنْ كَانَ بِدَقِّ الْبَابِ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الدَّقُّ خَفِيفًا بِحَيْثُ يَسْمَعُ أَيْضًا بِلَا عُنْفٍ (4) . فَقَدْ رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَال كَانَتْ أَبْوَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تُقْرَعُ بِالأَْظَافِرِ (5)
(1) حديث: " إذا استأذن. . . " أخرجه البخاري في الاستئذان باب التسليم والاستئذان ثلاثا، ومسلم في الآداب باب الاستئذان، وأخرجه أيضا الإمام مالك والترمذي وأبو داود في الاستئذان بألفاظ مختلفة.
(2)
حاشية ابن عابدين 5 / 265
(3)
أحكام الجصاص 3 / 382، وبدائع الصنائع 5 / 124 - 125
(4)
تفسير القرطبي 12 / 217
(5)
قال في مجمع الزوائد: أخرجه البزار، وفيه ضرار بن صرد، وهو ضعيف 8 / 43 طبع مكتبة القدسي.
17 -
وَلَا يَقِفُ الْمُسْتَأْذِنُ قُبَالَةَ الْبَابِ إِنْ كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا، وَلَكِنَّهُ يَنْحَرِفُ ذَاتَ الْيَمِينِ أَوْ ذَاتَ الشِّمَال (1) . فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ هَدْيِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَسُول اللَّهِ قُدْوَةٌ. فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَال: كَانَ رَسُول اللَّهِ إِذَا أَتَى بَابَ قَوْمٍ لَمْ يَسْتَقْبِل الْبَابَ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ، وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الأَْيْمَنِ أَوِ الأَْيْسَرِ، وَيَقُول: السَّلَامُ عَلَيْكُمُ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ذَلِكَ أَنَّ الدُّورَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ سُتُورٌ (2)
وَهُوَ أَيْضًا مِنْ تَوْجِيهَاتِهِ عليه الصلاة والسلام، فَعَنْ هُذَيْل بْنِ شُرَحْبِيل قَال: جَاءَ رَجُلٌ فَوَقَفَ عَلَى بَابِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَأْذِنُ، فَقَامَ عَلَى الْبَابِ - وَفِي رِوَايَةٍ: مُسْتَقْبِل الْبَابِ - فَقَال لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هَكَذَا عَنْكَ أَوْ هَكَذَا، فَإِنَّمَا الاِسْتِئْذَانُ مِنَ النَّظَرِ. (3)
أَمَّا إِنْ كَانَ الْبَابُ مَرْدُودًا فَلَهُ أَنْ يَقِفَ حَيْثُ شَاءَ وَيَسْتَأْذِنَ، وَإِنْ شَاءَ دَقَّ الْبَابَ (4) .
18 -
وَلَا يَحِل لِلْمُسْتَأْذِنِ النَّظَرُ فِي دَاخِل الْبَيْتِ لأَِنَّ لِلْبُيُوتِ حُرْمَتَهَا، وَحَدِيثُ رَسُول اللَّهِ السَّابِقُ إِنَّمَا الاِسْتِئْذَانُ مِنَ النَّظَرِ يَدُل عَلَى ذَلِكَ (5)
وَرُوِيَ أَنَّ جَارًا لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَقَفَ، وَجَعَل يَنْظُرُ إِلَى مَا فِي الْبَيْتِ وَهُوَ يَقُول: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُل؟ فَقَال حُذَيْفَةُ: أَمَّا بِعَيْنِكَ فَقَدْ دَخَلْتَ،
(1) أحكام القرآن للجصاص 3 / 383، وتفسير القرطبي 12 / 216
(2)
أخرجه أبو داود في الأدب. باب كم مرة يسلم الرجل في الاستئذان.
(3)
أخرجه أبو داود في الأدب باب الاستئذان.
(4)
تفسير القرطبي 12 / 216
(5)
شرح النووي لصحيح مسلم 14 / 138