الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَالأَْفْضَل الاِسْتِخْلَافُ. وَظَاهِرُ الْمُتُونِ أَنَّ الاِسْتِخْلَافَ أَفْضَل فِي حَقِّ الْكُل (1)
اسْتَدَل الْمُجَوِّزُونَ بِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا طُعِنَ - وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ - أَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ، فَأَتَمَّ بِالْمَأْمُومِينَ الصَّلَاةَ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ إِجْمَاعًا.
وَاسْتَدَل الْمَانِعُونَ بِأَنَّ صَلَاةَ الإِْمَامِ قَدْ بَطَلَتْ؛ لأَِنَّهُ فَقَدَ شَرْطَ صِحَّةِ الصَّلَاةِ، فَتَبْطُل صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ كَمَا لَوْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ (2) .
كَيْفِيَّةُ الاِسْتِخْلَافِ:
5 -
قَال صَاحِبُ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: يَأْخُذُ الإِْمَامُ بِثَوْبِ رَجُلٍ إِلَى الْمِحْرَابِ، أَوْ يُشِيرُ إِلَيْهِ، وَيَفْعَلُهُ مُحْدَوْدِبَ الظَّهْرِ، آخِذًا بِأَنْفِهِ، يُوهِمُ أَنَّهُ رَعَفَ، وَيُشِيرُ بِأُصْبُعٍ لِبَقَاءِ رَكْعَةٍ، وَبِأُصْبُعَيْنِ لِبَقَاءِ رَكْعَتَيْنِ، وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتِهِ لِتَرْكِ رُكُوعٍ، وَعَلَى جَبْهَتِهِ لِتَرْكِ سُجُودٍ، وَعَلَى فَمِهِ لِتَرْكِ قِرَاءَةٍ، وَعَلَى جَبْهَتِهِ وَلِسَانِهِ لِسُجُودِ تِلَاوَةٍ، وَصَدْرِهِ لِسُجُودِ سَهْوٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ، إِلَاّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ ذَكَرُوا أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلإِْمَامِ إِذَا خَرَجَ أَنْ يُمْسِكَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ سَتْرًا عَلَى نَفْسِهِ (3) .
وَإِذَا حَصَل لِلإِْمَامِ سَبَبُ الاِسْتِخْلَافِ فِي رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ، كَمَا يَسْتَخْلِفُ فِي الْقِيَامِ وَغَيْرِهِ، وَيَرْفَعُ بِهِمْ مِنَ السُّجُودِ الْخَلِيفَةُ بِالتَّكْبِيرِ،
(1) الدر والحاشية 1 / 562، والبدائع 2 / 589 ط الإمام.
(2)
ابن عابدين 1 / 422، والشرح الصغير 1 / 465 دار المعارف، والدسوقي 1 / 382، والمجموع 4 / 576، ونهاية المحتاج 2 / 336، 337 والمغني، 2 / 102 الرياض.
(3)
الدر وحاشية ابن عابدين 1 / 422، 562، والزرقاني على خليل 2 / 33، والشرح الصغير 1 / 465
وَيَرْفَعُ الإِْمَامُ رَأْسَهُ بِلَا تَكْبِيرٍ؛ لِئَلَاّ يَقْتَدُوا بِهِ، وَلَا تَبْطُل صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ إِنْ رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ بِرَفْعِهِ، وَقِيل تَبْطُل صَلَاتُهُمْ (1) .
أَسْبَابُ الاِسْتِخْلَافِ:
6 -
جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ يُجَوِّزُونَ الاِسْتِخْلَافَ لِعُذْرٍ لَا تَبْطُل بِهِ صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ، وَالْعُذْرُ إِمَّا خَارِجٌ عَنِ الصَّلَاةِ أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِهَا، وَالْمُتَعَلِّقُ بِهَا إِمَّا مَانِعٌ مِنَ الإِْمَامَةِ دُونَ الصَّلَاةِ، وَإِمَّا مَانِعٌ مِنَ الصَّلَاةِ.
وَالْقَائِلُونَ بِجَوَازِ الاِسْتِخْلَافِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الإِْمَامَ إِذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ بَوْلٍ، أَوْ رِيحٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، انْصَرَفَ وَاسْتَخْلَفَ، وَفِي كُل مَذْهَبٍ أَسْبَابٌ وَشُرُوطٌ (2) .
7 -
فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ لِجَوَازِ الْبِنَاءِ شُرُوطًا، وَأَنَّ الأَْسْبَابَ الْمُجَوِّزَةَ لِلاِسْتِخْلَافِ هِيَ الْمُجَوِّزَةُ لِلْبِنَاءِ (3) . وَالشُّرُوطُ هِيَ:
(1)
أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الاِسْتِخْلَافِ حَدَثًا، فَلَوْ كَانَتْ نَجَاسَةً لَمْ يَجُزْ الاِسْتِخْلَافُ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ مِنْ بَدَنِهِ، خِلَافًا لأَِبِي يُوسُفَ الَّذِي أَجَازَ الاِسْتِخْلَافَ إِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ خَارِجَةً مِنْ بَدَنِهِ.
(2)
كَوْنُ الْحَدَثِ سَمَاوِيًّا، وَفَسَّرُوا السَّمَاوِيَّ بِأَنَّهُ: مَا لَيْسَ لِلْعَبْدِ - وَلَوْ غَيْرَ الْمُصَلِّي - اخْتِيَارٌ فِيهِ، وَلَا فِي سَبَبِهِ، فَلَوْ أَحْدَثَ عَمْدًا لَا يَجُوزُ لَهُ الاِسْتِخْلَافُ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ أَصَابَتْهُ شَجَّةٌ أَوْ عَضَّةٌ، أَوْ سَقَطَ عَلَيْهِ حَجَرٌ مِنْ رَجُلٍ مَثَلاً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ،
(1) الدسوقي 1 / 350، 351
(2)
عرضت الأسباب وشروطها تبعا للمذاهب ولم تعرض في اتجاهات، للتفاوت الواسع في الأسباب والشروط بين المذاهب (اللجنة)
(3)
الدر المختار 1 / 562، والبدائع 2 / 589 ط الإمام.
لأَِنَّهُ حَدَثٌ حَصَل بِصُنْعِ الْعِبَادِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ الاِسْتِخْلَافُ؛ لأَِنَّهُ لَا صُنْعَ فِيهِ فَصَارَ كَالسَّمَاوِيِّ.
(3)
أَنْ يَكُونَ الْحَدَثُ مِنْ بَدَنِهِ، فَلَوْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ مِنْ خَارِجٍ، أَوْ كَانَ مِنْ جُنُونٍ فَلَا اسْتِخْلَافَ. (1)
(4)
أَنْ يَكُونَ الْحَدَثُ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْغُسْل.
(5)
أَلَاّ يَكُونَ الْحَدَثُ نَادِرَ الْوُجُودِ.
(6)
وَأَلَاّ يُؤَدِّيَ الْمُسْتَخْلِفُ رُكْنًا مَعَ حَدَثٍ، وَيَحْتَرِزُ بِذَلِكَ عَمَّا إِذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَهُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ فَرَفَعَ رَأْسَهُ قَاصِدًا الأَْدَاءَ.
(7)
وَأَلَاّ يُؤَدِّيَ رُكْنًا مَعَ مَشْيٍ، كَمَا لَوْ قَرَأَ وَهُوَ آيِبٌ بَعْدَ الطَّهَارَةِ.
(8)
وَأَلَاّ يَفْعَل فِعْلاً مُنَافِيًا، فَلَوْ أَحْدَثَ عَمْدًا بَعْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ لَا يَجُوزُ الاِسْتِخْلَافُ.
(9)
وَأَلَاّ يَفْعَل فِعْلاً لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، فَلَوْ تَجَاوَزَ مَاءً إِلَى أَبْعَدَ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ صَفَّيْنِ بِلَا عُذْرٍ فَلَا يَجُوزُ الاِسْتِخْلَافُ.
(10)
وَأَلَاّ يَتَرَاخَى قَدْرَ أَدَاءِ الرُّكْنِ بِلَا عُذْرٍ. أَمَّا لَوْ تَرَاخَى بِعُذْرٍ كَزَحْمَةٍ أَوْ نُزُول دَمٍ فَإِنَّهُ يَبْنِي.
(11)
وَأَلَاّ يَظْهَرَ حَدَثُهُ السَّابِقُ، كَمُضِيِّ مُدَّةِ مَسْحِهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ.
(12)
وَأَلَاّ يَتَذَكَّرَ فَائِتَةً وَهُوَ ذُو تَرْتِيبٍ، فَلَوْ تَذَّكَّرهَا فَلَا يَصِحُّ بِنَاؤُهُ حَتْمًا.
(13)
أَنْ يُتِمَّ الْمُؤْتَمُّ فِي مَكَانِهِ، وَذَلِكَ يَشْمَل الإِْمَامَ الَّذِي سَبَقَهُ الْحَدَثُ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُؤْتَمًّا بَعْدَ أَنْ كَانَ إِمَامًا، فَإِذَا تَوَضَّأَ وَكَانَ إِمَامُهُ لَمْ يَفْرُغْ مِنْ صَلَاتِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لِيُتِمَّ صَلَاتَهُ خَلْفَ إِمَامِهِ، إِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَا يَمْنَعُ الاِقْتِدَاءَ، فَلَوْ أَتَمَّ فِي مَكَانِهِ مَعَ وُجُودِ
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 403
مَا يَمْنَعُ الاِقْتِدَاءَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ خَاصَّةً، وَهَذَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ بِنَاءِ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ صَلَاتِهِ، لَا لِصِحَّةِ الاِسْتِخْلَافِ.
(14)
أَنْ يَسْتَخْلِفَ الإِْمَامُ مَنْ يَصْلُحُ لِلإِْمَامَةِ، فَلَوِ اسْتَخْلَفَ صَبِيًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ أُمِّيًّا - وَهُوَ مَنْ لَا يُحْسِنُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ - فَسَدَتْ صَلَاةُ الإِْمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا حُصِرَ الإِْمَامُ عَنْ قِرَاءَةِ مَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ، هَل لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ أَوْ لَا؟ فَقَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ الاِسْتِخْلَافُ، لأَِنَّ الْحَصْرَ عَنِ الْقِرَاءَةِ يَنْدُرُ وُجُودُهُ فَأَشْبَهَ الْجَنَابَةَ فِي الصَّلَاةِ، وَيُتِمُّ الصَّلَاةَ بِلَا قِرَاءَةٍ كَالأُْمِّيِّ إِذَا أَمَّ قَوْمًا أُمِّيِّينَ، وَعَنْهُمَا رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّ الصَّلَاةَ تَفْسُدُ، وَقَال الإِْمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ الاِسْتِخْلَافُ؛ لأَِنَّهُ فِي بَابِ الْحَدَثِ جَازَ لِلْعَجْزِ عَنِ الْمُضِيِّ فِي الصَّلَاةِ، وَالْعَجْزُ هُنَا أَلْزَمُ؛ لأَِنَّ الْمُحْدِثَ قَدْ يَجِدُ فِي الْمَسْجِدِ مَاءً فَيُمْكِنُهُ إِتْمَامُ صَلَاتِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِخْلَافٍ (1) ، أَمَّا الَّذِي نَسِيَ جَمِيعَ مَا يَحْفَظُ فَلَا يَسْتَخْلِفُ بِإِجْمَاعِ الْحَنَفِيَّةِ، لأَِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الإِْتْمَامِ إِلَاّ بِالتَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ وَالتَّذْكِيرِ، وَمَتَى عَجَزَ عَنِ الْبِنَاءِ لَمْ يَصِحَّ الاِسْتِخْلَافُ عِنْدَهُمْ، وَذَكَرَ الإِْمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّ الرَّازِيَّ قَال: إِنَّمَا يَسْتَخْلِفُ إِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا، فَإِنْ أَمْكَنَهُ قِرَاءَةُ آيَةٍ فَلَا يَسْتَخْلِفُ، وَإِنِ اسْتَخْلَفَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَقَال صَدْرُ الإِْسْلَامِ: صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إِذَا كَانَ حَافِظًا لِلْقُرْآنِ إِلَاّ أَنَّهُ لَحِقَهُ خَجَلٌ أَوْ خَوْفٌ فَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، أَمَّا إِذَا نَسِيَ فَصَارَ أُمِّيًّا لَمْ يَجُزِ الاِسْتِخْلَافُ (2) .
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 565
(2)
ابن عابدين 1 / 560 وما بعدها، والهداية وفتح القدير والكفاية 1 / 328 وما بعدها ط الميمنية.