الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرأي عندي هو أن نتوجَّه جميعاً إلى القتال، فإذا ظفرنا فهو المراد، وإلَاّ فلن نكون مسلمين أمام الخلق" (1).
5 - الحشد:
خرج قطز يوم الإثنين الخامس عشر من شعبان سنة ثمان وخمسين وستمئة الهجرية (1260 م) بجميع عسكر مصر ومَن انضمَّ إليهم من عساكر الشام ومن العرب والتركمان وغيرهم من قلعة الجبل في القاهرة يريد معسكر (الصالحية) معسكر مصر الكبير في شرق الدلتا.
وقبل ذلك وفي نفس اليوم، أحضر قطز رسل هولاكو وأعدمهم، ليضع قواته المسلَّحة (2) أمام الأمر الواقع: لا مفرَّ من القتال.
ونوديَ في القاهرة والفسطاط وسائر إقليم مصر بالخروج إلى الجهاد، وتقدَّم قطز إلى جميع الولاة بحثِّ الأجناد للخروج إلى القتال، وسار حتى وصل إلى (الصالحية) وتكامل حشد قواته، فجمع الأمراء وكلَّمهم في الرحيل، فأبَوا كلّهم عليه وامتنعوا من الرحيل، فقال لهم:"يا أمراء المسلمين! لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجِّهٌ، فمَن اختار الجهاد يصحبني، ومَن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، فإنَّ الله مطَّلعٌ عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين"
…
وتكلّم الأمراء الذين اختارهم وحلَّفهم مؤيّدين له في
(1) ذكرت بعض المراجع أن السلطان ناقش الموقف مع أمرائه، فقال بعض هؤلاء:"إنَّه ليس لنا طاقة ولا قدرة على مقاومة التتار".
(2)
السلوك للمقريزي 1/ 429.
المسير، فلم يسع البقية غير الموافقة، ثم انفضَّ الجميع.
لقد جمع قطز قادته قبل المسير، وشرح لهم خطورة الموقف، وذكَّرهم بما وقع من التتار في البلاد التي غزَوها من شنيع السفك والتخريب، وما ينتظر مصر وأهلها من مصير مروّع إذا نجح التتار في اجتياحها، وحثَّهم -وهو يبكي- على بذل أرواحهم في سبيل إنقاذ الإسلام والمسلمين من هذا الخطر الداهم، فضجَّ القادة بالبكاء، ووعدوا ألَاّ يدَّخروا وسعاً ولا تضحية في سبيل مقاتلة التتار وإنقاذ مصر والإسلام من شرِّهم (1).
ولكن لماذا خاف قادة قطز التتار؟ كان هولاكو في خلق لا يحصيهم إلَاّ الله، ولم يكن من حين قدومهم على بلاد المسلمين سنة ستة عشرة وستمئة الهجرية (1219م) يلقاهم عسكر إلَاّ فَلّوه (2)، وكانوا يقتلون الرجال، ويسبون النساء الأسرى وينهبون الأموال (3)، لذلك آثر قادة قطز بعد إكمال حشد قواتهم حماية مصر لا غير، لكثرة عدد التتار واستيلائهم على معظم بلاد المسلمين، لأنَّ التتار لم يقصدوا إقليماً إلَاّ فتحوه ولا عسكراً إلَاّ هزموه، ولم يبقَ خارج حكمهم إلَاّ مصر والحجاز واليمن. وقد هرب جماعة من المغاربة الذين كانوا بمصر إلى الغرب، وهرب جماعة من الناس إلى اليمن والحجاز، والباقون بقوا في وَجَلٍ عظيم وخوف
(1) مواقف حاسمة 166.
(2)
النجوم الزاهرة 7/ 74.
(3)
المصدر السابق 7/ 77.