الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مستهل
توقف الفتح الإسلامي العظيم سنة أربع وتسعين الهجرية (712م) كما ذكرت سابقاً، وأصبحت معارك المسلمين بعد ذلك معارك دفاعية، عدا فتح مناطق من أوروبا في عهد العثمانيين. ومع ذلك فكل القادة الذين انتصروا في صدّ غارات المعتدين أو فتحوا بلاداً جديدة، كانوا متدينين إلى أبعد الحدود، وكانوا أمثلة شخصية لرجالهم في التدين والعمل الصالح.
ولست أعرف قائداً واحداً انتصر انتصاراً حقيقياً كان له أثر سَوْقِيّ (استراتيجي) في مصير الأمة والوطن وكانت له نتائج حاسمة دفاعاً عن الدين أو حماية للبلاد من خطر داهم، إلا وكان هذا القائد متديناً غاية التدين.
ويكفي أن أذكر من هؤلاء القادة المنتصرين أسد بن الفرات فاتح جزيرة (صقلية)، وصلاح الدين الأيوبي قاهر الصليبيين، وقطز قاهر التتار، ومحمداً الفاتح فاتح القسطنطينية.
إن انتصارات هؤلاء القادة كانت لها آثار مصيرية كما هو معلوم، وسندلِّل على ذلك بما يتسع له المجال في هذا الكتاب، فهي انتصارات سَوْقية (استراتيجية) وليست انتصارات تعبوية (تكتيكية).
والانتصارات السوقية لها نتائج مصيرية داخلية وخارجية، والانتصارات التعبوية لها نتائج داخلية أو محلية.
والانتصارات السوقية انتصارات مستدامة، والانتصارات التعبوية انتصارات وقتية.
وكل قائد يستطيع أن يحرز انتصارات تعبوية، ولكن أثرها لا يبقى طويلاً، فهي كالحريق في الهشيم يبدو قوياً ساطعاً لأول وهلة ثم يخبو فلا يبقى منه غير الرماد.
ولكن ليس كل قائد يستطيع أن يحرز انتصارات سوقية، ذات أثر باق، فهي كالطود الشامخ تتحطم على صخوره الأجيال.
ومن الطبيعي أن كثيرين من القادة العرب والمسلمين أحرزوا انتصارات تعبوية منذ انحسار مد الفتح الإسلامي حتى اليوم، وقد يكون هؤلاء متدينين وقد يكونون غير متدينين، ولكن لا قيمة لانتصاراتهم لأنها محلية ووقتية وليست مستدامة ومصيرية، فلا يقولنّ قائل: كيف انتصر غير المتدينين منهم؟ إن العبرة بالانتصارات السوقية، التي رفعت شأن العرب والمسلمين، وكانت لها نتائج مصيرية وآثار حاسمة، ولا تزال نتائجها ظاهرة للعيان، وآثارها باقية ملموسة
…
وهذه الانتصارات أحرزها القادة المتمسكون بأهداب الدين الحنيف، ولم يحرزها القادة المتفسخون الذين تخلوا عن تعاليم الإسلام أو تهاونوا في التمسك بتعاليمه.
إني أتحدى كل من يستطيع أن يذكر قائداً عربياً واحداً أو قائداً
مسلماً واحداً، أحرز انتصاراً سوقياً واحداً منذ انحسر مد الفتح الإسلامي العظيم حتى اليوم، وهو غير متدين بكل ما في التدين من معان
…
ولن يستطيع أحد أن يفعل!
…
إن هذا القائد لم يخلق بعد، وأقول: القائد، وأقصد به القائد الأصيل لا القائد المزيف، وشتان بين الأصيل والمزيف.
القائد الأصيل يعمل لأمته ووطنه، والقائد المزيف يعمل لشخصه وأمجاده. وانتصار القائد الأصيل متوقع طبيعي، وانتصار القائد المزيف يناقض طبيعة الأشياء.
وقد رأينا قادة مزيفين، برزوا فجأة واختفوا فجأة، ولم يخلفوا غير الصخب والضجيج
…
وما أحوجنا في هذه الظروف إلى القائد الأصيل
…
وما أغنانا في هذه الأيام عن القائد المزيف الهزيل
…
***