الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي يوم الأحد الرابع من جمادى الأولى (يوم 14 مايس - مايو) نقل محمد الفاتح مدافعه من هضاب (غلطه) لتساعد المدفعية الموجودة عند باب (القدّيس رومانوس)، وليضاعف قصف أضعف نقطة في السور البري. وقد قاوم المدافعون مقاومةً باسلة، وسدُّوا الثغرات التي أحدثتها مدفعية العثمانيين في السور.
15 - الحرب النفسية:
إلى جانب هذه الهجمات التي قامت بها القوات العثمانية في البر والبحر، كان الفاتح يفاجئ عدوه من حين لآخر بفن جديد من فنون القتال والحصار وحرب الأعصاب.
فقد سمع المحصورون من سكان القسطنطينية ذات ليلة يوم 16 مايس (مايو) ضربات شديدة تحت الأرض، أخذت تعلو وتقترب شيئاً فشيئاً كأنها تتلمَّس طريقاً للخروج.
وحُمِل هذا الخبر إلى قسطنطين وقادته، فخفُّوا إلى مصدر الضربات، وهناك أدرك المهندسون الروم لأول وهلة أن العثمانيين يحفرون أنفاقاً خارج السور ليدخلوا المدينة من تحت الأرض.
وأمر قسطنطين أن يحفر الروم نفقاً باتجاه نفق المسلمين إلى مسافة بعيدة، حتى إذا التقى النفقان خرج العثمانيون بدورهم من نفقهم لخوض معركة، خاضوها في أرض حددها لهم العدو. وكان العثمانيون لا يعلمون شيئاً عما يدبَّر لهم، فاستمروا يحفرون بعزم ودأب. وما إن وصلوا إلى الفجوة التي حفرها الروم حتى تملَّكهم الفرح وظنُّوا أنهم
اهتدوا إلى سرداب خفي يوصل إلى المدينة، ولكن فرحهم لم يطل، فلم تكد أعينهم تلمح السماء، حتى صبَّ الروم عليهم الغاز والنفط والمواد الملتهبة، فمنهم من اختنق ومنهم من احترق، ومنهم من عاد أدراجه خائباً.
ولكن هذا الإخفاق لم يفتّ في عضد المسلمين، فعاودوا حفر الأنفاق مرة بعد مرة في مواضع مختلفة من المنطقة الممتدة بين (أكرى قبو) وشاطئ (القرن الذهبي)، إذ كانت هذه المنطقة أصلح مكان للقيام بالحفر، وظلُّوا على ذلك حتى أواخر أيام الحصار.
وأصاب الروم من جرَّاء ذلك خوف عظيم وفزع لا يوصف، حتى صاروا يتسمَّعون بين حين وحين إلى مواطئ أقدامهم، وكثيراً ما كان يخيِّل إليهم الخوف أن الأرض ستنشق ويخرج منها الجنود العثمانيون.
ولم يكن هذا العمل سهلاً هيناً، فإنَّ هذه الأنفاق التي حفرها العثمانيون قد أودت بحياة كثير منهم ماتوا اختناقاً واحتراقاً في باطن الأرض، كما وقع كثيرٌ منهم في أيدي الروم فقُطعت رؤوسهم وقُذف بها إلى معسكر السلطان.
ولم يكد سكان القسطنطينية يستفيقون من الدهشة التي انتابتهم من أنفاق العثمانيين التي حفروها تحت مدينتهم، حتى باغتهم الفاتح باختراع جديد من وسائل الحصار تفتقت عنه ألمعيته وعبقريته الفذة؛ فقد استيقظ أهل القسطنطينية صباح يوم الأحد الثاني عشر من جمادى الأولى (يوم 21 مايس - مايو)، فإذا بهم يرون أمامهم قلعة ضخمة
شاهقة من الخشب أكثر ارتفاعاً وسموقاً من السور الخارجي، ذات ثلاث طبقات كسيت كلها بالجلود السميكة المبللة بالماء لئلا تؤثِّر فيها النار والنبال، وكان في كل طبقة منها عدد من الجنود يحملون القذائف ومختلف معدَّات القتال، وتحمل في أسفلها التراب والأحجار والأخشاب لردم الخنادق، وفي أعلاها سلالم من الحبال عصبت أطرافها كلاليب تلقى على أعلى السور فتنشب فيه ويمر عليها الجنود كالقنطرة أو الجسر، بينما النبالة يصوِّبون نبالهم على كل مَن يظهر رأسه من السور، ولم يكن بمقدور المدافعين عن المدينة نصب مدافعهم الكبيرة على الأسوار، لأن اهتزازها عند إطلاق القنابل منها قد يزلزل الأسوار ويهدّها.
وقد هال أهل القسطنيطينية أمر هذه القلعة الجبَّارة، ووقف قسطنطين ومن معه من أهل المدينة ينظرون إليها في عجب ودهشة وفزع، وقد شهد المؤرخ البندقي (باربارو) الذي شهد هذه القلعة بنفسه فقال:"لو اجتمع نصارى القسطنطينية على أن يصنعوا مثل هذه القلعة، لما صنعوها في شهر، وقد صنعها المسلمون في ليلة واحدة بل في أقل من أربع ساعات".
وأقيمت هذه القلعة الجبارة تجاه باب القديس رومانوس (طوب قبو) الذي يدافع عنه المغامر الإيطالي (جستنيان)، فلم يعد في إمكان المحاصَرين إصلاح الثغرات الخارجية التي تدكها المدفعية العثمانية طالما هذه القلعة واقفة بالمرصاد، بل أخذت القذائف الحجرية الضخمة تنهال من هذه القلعة نفسها فدكَّت أحد أبراج السور القريبة عند (طوب قبو). واندفع المسلمون نحو هذه الثغرة، واقتربت القلعة إلى السور، وتسلَّق قسم من الجنود العثمانيين السور بالسلالم، وحمي