الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العقيدة والقيَادة
(1)
العقيدة: هي مُثُلٌ عليا يؤمن بها الإنسان، فيضحي من أجلها بالأموال والنفس، لأنها أغلى من الأموال والنفس.
وهناك تعاريف كثيرة للعقيدة مسطَّرة في كتب العقائد الإسلامية، وتعاريف أخرى في المصادر القديمة والحديثة، وضعها الفقهاء والفلاسفة والمفكرون والعلماء.
ولكن يمكن الاكتفاء بهذا التعريف، لأنه يحدد حوافز التضحية والبذل والفداء في المجال العسكري.
إن الطائرات والدبَّابات والأسلحة المختلفة والصواريخ والذخيرة والعتاد، كتل من الحديد صنعها البشر لاستخدامها في الحروب.
ولا يزال الإنسان هو المسيطر على كل سلاح وعتاد، وبدونه لا قيمة لكل سلاح وعتاد.
ولكن الإنسان لا قيمة له من الناحية العسكرية بدون عقيدة تجمع شمله وتوحِّد صفوفه وتشيع فيه الإنسجام الفكري الذي بدونه لا يتم تعاون ولا اتحاد.
وروح الإنسان أغلى ما يملكه الإنسان، فمن المستحيل أن يضحي بها مقبلاً غير مدبر إلا إذا كانت لديه عقيدة راسخة وأهداف سامية.
وكتل الحديد هي السلاح والعتاد، لا جدوى منها ولا فائدة
فيها، إذا لم يستعملها إنسان ذو عقيدة راسخة ومُثُل عليا.
وكل جيش في العالم مؤلف من عنصرين: عنصر مادي، وعنصر معنوي. وقد كان نابليون بونابارت يقول:"قيمة المعنويات بالنسبة للقوى المادية، تساوي ثلاثة على واحد" أي أن الجيش تكون قيمته 75% من الناحية المعنوية و 25% من الناحية المادية.
وقد أيَّد نابليون كثير من العسكريين في الماضي والحاضر، ولكن اللواء (فولر) في كتابه:"الأسلحة والتاريخ" يخالف رأي نابليون في التفاصيل ويتفق معه في المبدأ، وذلك لاختراع القنابل النووية والهيدروجينية والصواريخ عابرة القارات والأجهزة الإلكترونية، وللتحسينات الهائلة التي طرأت على وسائط قذف الأسلحة غير التقليدية وعلى أساليب استعمالها التعبوية والسوقية.
وليس هناك شك في أن الأسلحة الحديثة ذات تأثير في الناحية المادية للجيوش الحديثة، إذ جعلت نسبة هذه الناحية - كما يرى فولر - بالنسبة إلى الناحية المعنوية 50% لكل منهما. أي أن الناحية المعنوية لا تزال ذات قيمة عظيمة، حتى بعد ظهور الأسلحة الحديثة، وأن المعنويات كانت ولا تزال وستبقى عاملاً حاسماً في إحراز النصر.
والمعنويات هي العقيدة، وقد أثبت تاريخ الأمم أن الجيوش لا تهزم لقلة موادها بل لضعف عقيدتها.
والقيادة: هي الأعمال التي يضطلع بها القائد في قيادة الجنود.
وخير تعريف للقيادة قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته".
والقائد: من كان على رأس الجماعة، وكان للجماعة رأساً (1).
والقيادة: هي أن يسير القائد بمجموعة من الجند، خاضعين لنظام معيَّن، نحو غرض معين (2).
والقائد: هو ذلك الذي يجعل الناس يتبعونه (3).
فما علاقة القيادة بالعقيدة؟ هل يمكن أن يكون القائد بدون عقيدة؟ هل الوازع النابع من الضمير الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ضروري للقائد ليكون قائداً حقاً، يتبعه رجاله إلى الموت وينفذون أوامره عن طيب خاطر، ويكون موضع ثقتهم في السراء والضراء؟ هل العقيدة الراسخة المنشئة البناءة من صفات القائد المنتصر؟ وللإجابة على ذلك - بشكل موضوعي بعيد عن العاطفة - لا بد من مراجعة تراثنا العربي الإسلامي أولاً، والمصادر العسكرية الحديثة
(1) الزعيم اندري مونتانيون - رسالة في الرئاسة والرئيس - ص (5) - بيروت - 1955.
(2)
التعريف للكاتب الفرنسي أندريه موروا.
(3)
التعريف للمشير مونتكومري - السبيل إلى القيادة - الباب الأول - ص (11).
ثانياً؛ ليعلم الذين لا يزالون في ريب من أثر العقيدة في القيادة، وعلاقة العقيدة بالقيادة، أن القائد الذي لا عقيدة له، لا يمكن أن ينتصر في الحرب، ولا يمكن أن ينجح في السلام؛ وليعرف الذين يظنون أن القائد ينبغي أن يكون منحلاًّ متفسخاً مقدار بعدهم عن الحقيقة، وميلهم مع الهوى، وانحرافهم عن الطريق السوي.
***