الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسْلَام في مجَال التربيَة العَسكريَة
1 - التدريب الفردي
(1):
أ- هناك صفات خالدة للجندي الحق، هي التي تميّز الجندي القوي الحق عن الجندي الضعيف المزيّف. وهنا لا بد لي من أن أذكر، أنه ليس كل من ارتدى البزة العسكرية وقضى ردحاً من الزمن في الجيش أصبح جندياً حقاً.
بل لا بد من توافر صفات معينة في الجندي، ليكون جندياً يفيد ولا يضر، ويبني ولا يهدم، ويقاتل ولا يستسلم، ويثبُت ولا يفر.
من هذه الصفات: الطاعة، والطاعة هي ما نُطلق عليه في المصطلحات العسكرية الحديثة تعبير: الضبط.
والضبط معناه إطاعة الأوامر وتنفيذها نصاً وروحاً بدون تردّد وعن طيب خاطر وبحرص وأمانة وإخلاص.
لقد وردت كلمة: (طاع) ومشتقاتها في تسع وعشرين ومئة آية من آيات الذكر الحكيم، قال تعالى:{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}
[النساء 4: 80].
وقال تعالى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا} [النور: 47]،
(1) التدريب الفردي: تدريب الجندي على استعمال السلاح والأرض ليكون ماهراً فيها لإمكان الاستفادة منه ضمن رفقائه في السلاح، وتلقينه مبادىء العلوم العسكرية.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللََّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء 4: 59].
والفرق الكبير بين الجندي الجيد والجندي الرديء، هو أن الأول مطيع والثاني غير مطيع، أي أن الأول يتحلى بالضبط المتين، والثاني قليل الضبط، كما يعبر عن ذلك العسكريون المحدَثون.
وقد ضرب السلف الصالح أروع الأمثال بالطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر؛ وتاريخ الصدر الأول من الإسلام مليء بأمثلة الطاعة التي أدت بالكثير من المسلمين إلى التضحية بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله.
كما أن الفرق الكبير بين المدنيين والعسكريين، هو أن العسكريين يتحلون بالضبط المتين، ولا جيش بدون ضبط، ولا ينتصر جيش في الحرب على أعدائه بدون ضبط، مهما يكن حَسَن التنظيم، كامل التجهيز، جيد التدريب، قوي القيادة.
ب- ومن صفات الجندي الخالدة: "الصبر" على المشقات العسكرية وفي ميدان القتال.
وقد وردت كلمة (صبر) ومشتقاتها في ثلاث ومئة آية من آيات القرآن الكريم. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ} [آل عمران 3: 200]، وقال تعالى:{رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} [البقرة 2: 250]، وقال تعالى:{سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد 13: 24]، وقال تعالى:{وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ} [النحل 16: 126]، وقال تعالى:
{ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النحل 110:16].
ج- ومن صفات الجندي الخالدة: "الثبات" في الحرب.
والثبات هو القتال إلى آخر إطلاقةٍ من عتاده، وآخر قدرة على الرمي في سلاحه، وآخر رمق من حياته.
وقد وردت كلمة: (ثبت) ومشتقاتها في ثماني عشرة آية من آيات الذكر الحكيم. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ} [الأنفال 8: 45]، وقال تعالى:{وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} [الأنفال 8: 11]، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد 47: 7]، وقال تعالى:{رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} [البقرة 2: 250]، وقال تعالى: (ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} [آل عمران 3: 147]، وقال تعالى:{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ} [الأنفال 8: 12].
د- ومن صفات الجندي الخالدة: "الشجاعة"، وهي من أهم مزايا الجندي المسلم، ويكفي أن نذكر أن المسلم لا يجبن أبداً، وأن التولي يوم الزحف بالنسبة للمسلم من الكبائر. قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلَا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ 15 وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَاّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال 8: 15 - 16].
وجعل التولي يوم الزحف من صفات الكفار والمنافقين، قال
تعالى: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [الفتح 48: 22]، وقال تعالى:{لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ} [الحشر 59: 12]، وقال تعالى:{لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَاّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ} [آل عمران 3: 111] وقال تعالى: {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولًا} [الأحزاب 33: 15].
ولست أعرف عقيدة سماوية ولا أرضية تحثُّ على الشجاعة حثاً حاسماً جازماً شديداً لا هوادة فيه كما فعلت العقيدة الإسلامية، ويكفي أنها أخرجت الجبناء من مجتمع المسلمين، فالجبن والإسلام على طرفي نقيض، وهما ضدان لا يجتمعان.
وإذا كانت الشجاعة من أهم عوامل النصر على الإطلاق، فإن الشجاعة في العقيدة الإسلامية هي مزية من مزايا المسلم الحق الذي لا يكون مسلماً بدونها.
هـ- ومن صفات الجندي الخالدة: "الحذر واليقظة". قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ} [النساء4: 71]، وقال تعالى:{فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء4: 102]، وهي صلاة الخوف كما يعبِّر عنها الفقهاء.
وتدابير صلاة الخوف تدعو إلى الإعجاب، إذ أن هذه التدابير تحرم العدو المتربص من انتهاز الفرصة السانحة في صلاة المسلمين لمباغتتهم بالهجوم، لأن قسماً منهم يصلون، بينما يكون القسم الآخر
في أشد حالات الحذر واليقظة.
وإذا كان الجندي حذراً يقظاً، صَعُبَ على عدوه أن ينال منه شيئاً أو يباغته من مكان لا يتوقعه أو في زمان لا يتوقعه أيضاً، والمباغتة مبدأ من أهم مبادئ الحرب كما هو معروف.
وليس جندياً حقاً من ينام عن عدوه، لأن المبدأ الحصيف في الحرب هو إدخال أسوأ الاحتمالات في الحساب، فإذا كان احتمال هجوم العدو مثلاً واحداً بالمئة، فيجب أن نُدخل في حسابنا أن العدو سيهجم مئة بالمئة! وتطبيقاً لمبدأ الحذر واليقظة، كان المسلمون الأولون في الحرب لا ينامون ولا يُنيمون، وكان من مزايا خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه كان لا ينام ولا يُنيم.
وما أصدق المثل العربي القديم: "إذا كان عدوك نملة، فلا تنم له".
والاستهانة بالعدو اعتماداً على الكثرة الكاثرة أو العدد العديد، يؤدي إلى الكوارث في الحرب، وقد علَّمنا الله سبحانه وتعالى درساً عسكرياً سجله القرآن الكريم. فقال تعالى:{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} [التوبة 9: 25].
إن الاستهانة بالعدو تؤدي إلى الهزيمة، فلا ينبغي لأحد أن يستهين بعدوه قبل لقائه وإحراز النصر عليه. أما المنتصر فمن حقه أن يستهين بعدوه لأنه عرف قابلياته في الحرب، أما قبل خوض العركة فلا بد من أن يُدخِل
في حسابه أسوأ الاحتمالات، وأن يستعد للقائه أعظم استعداد.
وومن تلك الصفات الخالدة للجندي الحق، "أن يجاهد بماله ونفسه في سبيل الله".
وقد وردت كلمة: "جهد" ومشتقاتها في إحدى وأربعين آية من آيات الذكر الحكيم. قال تعالى: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الصف 61: 11]، وقال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ} [التوبة 9: 20]. وقال تعالى: {وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة 9: 41]، وقال تعالى:{وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء 4: 95].
وقد فرض الإسلام على المتخلف عن الجهاد عقاباً نفسياً في الدنيا، إذ يهجر المتخلف أهله حتى زوجه، كما يهجره المسلمون جميعاً ويقاطعونه، وينبذه المجتمع الإسلامي وينظر إليه نظرة احتقار وامتهان، قال تعالى:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لَاّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَاّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ} (1)[التوبة 9: 118].
إن عقاب المتخلف عن الجهاد في الإسلام يقتصر عليه فقط ولا يتجازه إلى أهله وعشيرته وسكان قريته
…
إلخ. كما حدث في القرن العشرين في بعض الدول الكبرى، إذ نزل العقاب الصارم بأهل المتخلِّف وذوي قرباه وحتى بأهل قريته في بعض الأحيان!.
(1) انظر تفاصيل عقاب المتخلفين في الإسلام في (الرسول القائد)، ص 402 - 406.
ويهمنا أن نعرف أن كثيراً من عوائل المتخلفين أُبيدت عن بكرة أبيهم في الدول التي طبقت الحرب الجماعية خلال الحرب العالمية الثانية في القرن العشرين! أما الإسلام، فقد عاقب المتخلف وحده عقاباً نفسياً صارماً؛ فأين هذا العقاب الذي طبقه المسلمون على المتخلف في القرن الأول الهجري قبل أربعة عشر قرناً من هذا العقاب الجسدي الفظيع الذي طبقته أرقى الدول في القرن العشرين الميلادي؟! لقد سبق الإسلام بتعاليمه العسكرية غيره من التعاليم العسكرية، ليس في هذه الناحية بل في كثير من النواحي العسكرية الأخرى، مما يدعو إلى أعظم التقدير والإعجاب.
ز- ومن تلك الصفات للجندي الحق، "أن يكون مدرَّباً"، والجندي المدرب يتغلب على الجندي غير المدرب بسهولة، ولا قيمة عسكرية للجندي المتخلف في التدريب العسكري.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: {ارموا واركبوا، وإن ترموا أحب إلي من أن تركبوا، ومن تعلَّم الرمي ثم نسيه فليس منا"، وفي رواية: "فهي نعمة جحدها" (1).
تلك هي تعاليم الإسلام في إعداد العسكريين للقتال وهو مانطلق عليه التدريب الفردي في المصطلحات العسكرية الحديثة.
وبهذه التعاليم التي إذا طبقها المسلمون كما طبقها السلف
(1) الحديث رواه مسلم؛ جحدها أي كفر بها وأنكرها مع علمه بها.