الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق بعد إسلامه لأبيه: "لقد أهدفت لي يوم (بدر) مراراً، فصدفت عنك"، فقال أبو بكر الصديق:"لو هدفت لي لم أصدف عنك"(1).
وفي يوم (بدر) قتل أبو عبيدة بن الجراح أباه وكان مشركاً (2).
3 - في أُحُد:
وفي يوم (أحد) استثار النبي صلى الله عليه وسلم روح المنافسة الشريفة بين أصحابه، فقال:"من يأخذ هذا السيف بحقه"؟ فقام إليه رجال فأمسكه عنهم، حتى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة أخو بني ساعدة، فقال:"وما حقه يا رسول الله"؟ قال: "أن تضرب به العدو حتى ينحني"، قال:"أنا آخذه يا رسول الله بحقه"! فأعطاه إياه. وكان أبو دجانة رجلاً شجاعاً يختال عند الحرب (3) إذا كانت، وكان إذا أعلم بعصابة حمراء فاعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل. ولما أخذ السيف من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج عصابته تلك فعصب بها رأسه، ثم جعل يتبختر بين الصفين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى أبا دجانة يتبختر:"إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن"(4).
وقال الأنصار حين رأوا أبا دجانة يخرج عصابته الحمراء: "أخرج أبو دجانة عصابة الموت"، وهكذا كانت تقول له إذا تعصب بها، فخرج وهو يقول:
(1) السيرة الحلبية 2/ 192.
(2)
الإصابة 4/ 11، والسيرة الحلبية 2/ 178.
(3)
يختال عند الحرب: هو من الخيلاء، وهو الزهو.
(4)
سيرة ابن هشام 3/ 11 - 12، وانظر أسد الغابة 2/ 352.
"أنا الذي عاهدني خليلي ونحن بالسفح لدى النخيل ألا أقوم الدهر في الكيول (1) أضرب بسيف الله والرسول" فجعل لا يلقى أحداً إلا قتله.
وكان في المشركين رجل لا يدع للمسلمين جريحاً إلا دفف (2) عليه، فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه، فاختلفا ضربتين فقتله أبو دجانة.
قال أبو دجانة: "رأيت إنساناً يحمش (3) الناس حمشاً شديداً، فصمدت له (4)، فلما حملت عليه بالسيف ولول (5)، فإذا امرأة
…
فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب به امرأة (6).
وفي يوم (أحد) أيضاً، نزع أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه
إحدى الحلقتين من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسقطت ثنيته، ثم نزع الأخرى، فسقطت ثنيته الأخرى (7). وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جرح بهاتين الحلقتين، إذ دخلتا في وجهه الشريف، فنزف منه الدم الطاهر، فكان لا بد من إخراجهما.
وقاتلت أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية يوم (أحد)، قالت
(1) الكيول: آخر الصفوف في الحرب، وهو بتشديد الياء وقد تخفف، والياء مفتوحة على الوجهين.
(2)
دفف عليه: أجهز عليه وأسرع قتله.
(3)
يحمش: يثير غضبهم وحميتهم.
(4)
صمدت له: قصدت نحوه.
(5)
الولولة: رفع الصوت.
(6)
سيرة ابن هشام 3/ 30.
(7)
سيرة ابن هشام 3/ 28، وطبقات ابن سعد 3/ 410، وجوامع السيرة 161.
نسيبة: "خرجت أول النهار وأنا أنظر ما يصنع الناس، ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه، والدولة (1) والريح (2) للمسلمين، فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف وأرمي عن القوس، حتى خلصتْ الجراح إلي"، فكان على عاتقها جرح أجوف له غور (3)، من أثر أحَدِ الجروح الكثيرة التي خلصت إليها بهم يوم (أحد).
وترّس أبو دجانة دون رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، يقع النبل في ظهره وهو منحن عليه، حتى كثر فيه النبل. ورمى سعد بن أبي وقاص دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام يقول له:"ارمِ فداك أبي وأمي"(4).
ولما رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى (أُحد) رُفع حُسَيْل بن جابر (وهو اليمان أبو حذيفة) وثابت بن وَقَش في الآطام من النساء والصبيان، فقال أحدهما لصاحبه وهما شيخان كبيران:"لا أباً لك! ما تنتظر؟ فوالله إن بقي لواحد منا من عمره إلا ظِمْئ حمار (5)، إنما نحن هامة (6) اليوم أو غدٍ، أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله يرزقنا شهادةً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم "، فأخذا أسيافهما ثم خرجا حتى دخلا في الناس ولم يُعلَم بهما (7).
(1) الدولة: بفتح الدال المهملة أو ضمها، والمراد بها هنا الغلبة.
(2)
الريح المراد بها هنا النصر.
(3)
سيرة ابن هشام 3/ 29 - 30، الإصابة 8/ 198 - 199.
(4)
سيرة ابن هشام 3/ 30.
(5)
الظمئ: مقدار ما يكون بين الشربتين، وأقصر الأظماء ظمئ الحمار، فضرباه مثلاً
لقرب الأجل.
(6)
هامة اليوم أو غد: يريد أنهما يموتان اليوم أو غداً.
(7)
سيرة ابن هشام 3/ 36.