الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في المَدينَة المنوَّرة
1 - الأعمال التمهيدية:
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهو لا يملك ديناراً ولا داراً فيها، فنزل ضيفاً مكرّماً معززاً على أبي أيوب الأنصاري ستة أشهر (1)، أنجز خلالها بناء المسجد ومساكنه، وعمل في المسجد ليرغّب المسلمين في العمل (2)، وجعل ينقل الحجارة بنفسه (3)، فتمّ للمسلمين ببناء المسجد بناء (الثَّكْنَةِ) الأولى في الإسلام.
ولكي يتفرغ لقتال قريش دون أن تقلقه الجبهة الداخلية في المدينة المنورة، كتب كتاباً بين المهاجرين والأنصار من جهة وبين يهود من جهة ثانية، وادعهم وعاهدهم، وأقرّهم على دينهم وأموالهم، واشترط عليهم وشَرَطَ لهم (4). وقد نصّت تلك المعاهدة بصراحة:"أنه لا يجوز لمشرك من أهل المدينة أن يجير مالاً لقريش ولا نفساً، ولا يحول دونه على مؤمن"(5)، فاستطاع الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام بهذه المعاهدة أن يجعل أهل المدينة جميعاً على اختلاف أديانهم
(1) عيون الأثر (1/ 195).
(2)
سيرة ابن هشام (2/ 114) والسيرة الحلبية (2/ 76).
(3)
طبقات ابن سعد (1/ 240).
(4)
انظر نص المعاهدة في: سيرة ابن هشام (2/ 119 - 123)، وسرح العيون
(197 - 198).
(5)
سيرة ابن هشام (2/ 121).
يداً واحدة على أعدائهم (1) وبخاصة على قريش.
ولم يكد يستقر في المدينة المنورة، إلا ونصبت يهود له العداوة بغياً وحسداً وضغناً، وأضاف (2) إليهم رجال من الأوس والخزرج كانوا أهل نفاق، فظهروا بالإسلام واتخذوه جُنّةً (3) من القتل ونافقوا في السر، وكان هواهم مع يهود لتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم وجحودهم الإسلام (4).
وذهب يهود إلى أبعد من ذلك، فحاولوا الوقيعة بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جمع الأوس والخزرج مجلس واحد يتحدثون، فغاظ أحد يهود ما رآه من إلفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فأمر هذا اليهودي شاباً يهودياً فقال:"اعمدْ إليهم، فاجلس معهم، ثم اذكر يوم (بُعاث) وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما تقاولوا فيه من الأشعار". وكان يوم (بُعاث) يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج؛ فتكلم القوم عند ذاك وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيّين على الرُّكب، وغضب الفريقان جميعاً وقالوا: "موعدكم الظاهرة (5)
…
السلاح
…
السلاح
…
". وخرجوا إليها، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتى جاءهم فقال: "يا معشر المسلمين! الله
…
الله
…
أَبِدَعْوَى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية،
(1) الرسول القائد (60)، الطبعة الثالثة.
(2)
أضاف إليهم: يريد أنه أخذ بما أخذوا به من الحسد والبغض والعداوة.
(3)
جنة: وقاية يجتنُّون بها، أي يستترون.
(4)
سيرة ابن هشام (2/ 135).
(5)
الظاهرة: الحَرّة - حَرّة المدينة المنورة.