الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإذا قدَّرنا عدد المدافعين من الروم بما لا يقل عن خمسين ألف مقاتل، فإن انتصار العثمانيين عليهم وهم بين ثلاثمئة ألف مقاتل وأربعمئة ألف مقاتل يعتبر مفخرة للعثمانيين، لأن نسبة المهاجمين إلى المدافعين لا تزيد على ستة على واحد أو ثمانية على واحد في أكثر تقدير.
تلك هي الحقيقة، أما الدفاع عن هزيمة الروم بشتَّى المعاذير، فلا سند له نتيجة للدراسة العسكرية الفنية.
11 - المناوشات:
أخذت المدفعية العثمانية تقصف أسوار القسطنطينية ليلاً ونهاراً، وكان لاصطدام القنابل بالأسوار دويٌّ هائل يملأ نفوس سكان القسطنطينية رعباً وهلعاً وبخاصة في ساعات الليل الهادئ البهيم، وقد أثَّر ذلك في معنويات المحاصَرين تأثيراً سيئاً.
واستبسل الفريقان، فكان المدافعون يبادرون فوراً إلى إصلاح ما يصيب الأسوار من عطب، بينما يندفع العثمانيون بين الحين والحين بكلّ بسالة وإقدام لاقتحام الأسوار.
واستطاعت المدفعية العثمانية أن تهدّ جزءاً من السور الخارجي عند وادي (ليكوس)، فاندفع العثمانيون نحو الثغرة في اليوم الثامن عشر من نيسان - أبريل - 1453 م وتسلَّقوا السور بالسلالم.
وقذف (جستنيان) بجميع جنوده المدرَّعين إلى موضع الثغرة، فاشتدَّ القتال بين الطرفين وانهمرت السهام والنبال من كل جانب حتى حل ظلام الليل، فأمر الفاتح رجاله بالانسحاب بعد أن استحصل على
مزيد من المعلومات عن الروم.
وفي نفس ذلك اليوم، حاولت بعض السفن العثمانية تحطيم السلسلة القائمة على مدخل ميناء (القرن الذهبي) واقتحامه، ولكن سفن الروم والطليان التي كانت أكثر ارتفاعاً من السفن العثمانية الصغيرة القصيرة، استطاعت صبّ قنابلها ونيرانها على السفن العثمانية وصدّها بعد تكبيدها خسائر بالأرواح والسفن.
هذان النصران التعبويان في البرِّ والبحر، رفعا معنويات المدافعين عن القسطنطينية من جهة، وشحذا همم العثمانيين من جهة أخرى.
وفي صبيحة الجمعة أحد عشر من ربيع الأول (في صبيحة اليوم العشرين من نيسان - أبريل - 1453 م) ظهرت في بحر (مرمرة) خمس سفن قادمة من الغرب تحمل الرجال والمعدَّات والمؤن: أربع منها بعث بها البابا وجنوا، والخامسة للأمبراطور، وكان سكان القسطنطينية يتوقَّعون وصول مثل هذا المدد ويترقَّبونه. وما إن علم الفاتح بأمر هذه السفن حتى ترك مقرَّه وأسرع على حصانه إلى شاطئ (غلطه) وأمر قائد بحريته (بالطه أوغلي) بملاقاة هذه السفن وقال له:"إما أن تستولي على هذه السفن وإما أن تغرقها، وإذا لم توفق في ذلك فلا ترجع إلينا حيّاً".
وتحفَّز (بالطه أوغلي) في مجموعة من سفنه لملاقاتها وقتالها، ووقف السلطان مع رجاله على ساحل (غلطه) ينتظرون المعركة، ولكن سفن العثمانيين لم تقوَ على مصاولة السفن النصرانية الخمسة، لأن السفن العثمانية بنيت قبيل البدء في حصار القسطنطينية على عجل، فجاءت غير محكمة البناء ولا متقنة الصنع. ولم يكن هناك في السفن
العثمانية غير ثماني عشرة سفينة كانت على شيء من القوة، أما سائر السفن فكانت لا تعدو أن تكون قوارب صغيرة مكشوفة مملوءة بالجند، ولم تكن مسلَّحة بالمدافع، ذلك أن العثمانيين كانوا حديثي العهد بالبحرية وأساليب قتالها، وكان الطليان في ذلك الحين سادة البحر بلا منازع. وكانت السفن النصرانية فوق ذلك محكمة البناء متفوِّقة بالحجم والقوة كاملة العدة والعتاد، وقد لبس رجالها الدروع والزرود، وأخذوا يطلقون قنابلهم ونيرانهم الفتَّاكة على القوارب العثمانية الصغيرة، وهي تحاول بمجاذيفها الخشبية مغالبة الريح الشديدة التي كانت تعوقها عن التقدُّم.
وسكنت الريح فجأة، فتوقَّفت السفن الخمس عن المسير وانكمشت أشرعتها، وكانت قد قاربت مدخل (القرن الذهبي).
وانتهز (بالطه أوغلي) هذه الفرصة، فانقضَّ بسفنه على السفن الخمس محاولاً إحراقها بالنار، ولكن سرعان ما يصبّ عليها الماء فيطفئها.
وعاود (بالطه أوغلي) الهجوم مرة بعد أخرى، حتى أصيبت إحدى عينيه. واحتدم القتال، واستقتل العثمانيون، وتساقط منهم عدد كبير من الشهداء.
وكان الفاتح على شاطئ (غلطه) يراقب المعركة بعين لا تطرف وهو لا يكاد يستقر فوق ظهر جواده، فلمَّا رأى ما حاق برجاله من قتل وسفنه من تدمير، لم يتمالك نفسه فاندفع نحو البحر حتى غاص جواده إلى صدره. وكانت السفن على مرمى حجر منه، وكان يلوّح لبالطه أوغلي بأعلى صوته: "يا قبطان
…
! يا قبطان
…
! ".