الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إحدى وستمئة الهجرية (1204 م)، ونهبت أملاكها ودمَّرت معالمها ومزَّقت أكبر دولة مسيحية في العصور الوسطى. ولكنّ البيزنطيين استطاعوا أن يستعيدوا عاصمتهم سنة ستين وستمئة الهجرية (1261م) بعد نصف قرن تقريباً من الحكم اللاتيني وبعد كثير من التضحيات والخسائر بالأرواح والممتلكات وكثير من الجهد والعناء.
3 - أهمية القسطنطينية:
تحتل مدينة القسطنطينية موقعاً سوْقياً (استراتيجياً) فريداً، حَبَتْهُ الطبيعة بأهم عوامل الدفاع الطبيعية التي تساعد المدافعين عنها على الثبات. تحوطها من الشرق مياه البسفور، وتحدُّها من الغرب والجنوب مياه (المرمرة)، ويقسمها القرن الذهبي إلى قسمين عظيمين هما:(بيرا) وهو القسم الشمالي الشرقي، وإستانبول وهو المدينة البيزنطية
الحقيقية. وتحتل إستانبول مثلثاً عظيماً من المرتفعات الصخرية تشرف قاعدته على (المرمرة) وضلعه الأيمن على مياه القرن الذهبي والميناء، وكان كل من هذين الجانبين يحرسهما سور واحد. أما الضلع الثالث وطوله ستة أميال، فهو الجانب المتَّصل بأرض القارة الأوروبية، يحميه خط مزدوج من الأبراج والحصون المنيعة، وخندق عميق مزدوج، وفيه اثنا عشر باباً، وفي كل زاوية من زوايا المثلث الثلاث قلعة منيعة.
وكانت مياه القرن الذهبي الذي يحمي ضلع المدينة الشمالي الشرقي، تغلق بسلسلة حديدية هائلة يمتد طرفاها عند مدخله بين سور (غلطه) وسور إستانبول (1).
(1) مواقف حاسمة 175.
وهكذا تهيَّأت أسباب الدفاع المديد لهذه المدينة: أسباب طبيعية، وأسباب صناعية، مما جعلها موقعاً حصيناً وقلعةً آمنة، ومن الصعب على الغزاة احتلالها.
كما أنَّ هذه المدينة تحتلّ موقعاً فريداً في العالم، فهي تقع عند ملتقى القارَّتين آسيا وأوروبا.
وقد نوَّه نابليون بوجهٍ خاص بأهميّتها وخطورتها، فقال في شأنها:"لو كانت الدنيا مملكة واحدة لكانت القسطنطينية أصلح المدن لتكون عاصمة لها". وقد ذكر نابليون في مذكراته التي كتبها في منفاه بجزيرة (سانت هيلانا): أنه حاول عدَّة مرات الاتفاق مع روسيا على اقتسام الإمبراطورية العثمانية، ولكن وقعت القسطنطينية كل مرَّة عقبة كؤوداً دون الاتفاق، فقد كانت روسيا تلحّ في امتلاكها، ونابليون يصرّ على عدم تسليمها، إذ كانت هذه المدينة وحدها في نظره تساوي إمبراطورية كاملة، وهي بعد بمثابة مفتاح العالم، من استولى عليها استطاع أن يسيطر على العالم بأجمعه. وقد كان نابليون في أشد الحاجة إلى صداقة روسيا لمواجهة عدوَّته اللدود إنكلترا، ولكنَّه برغم ذلك لم يستطع أن يضحّيَ بالقسطنطينية (1).
ومن المعروف أن الإمبراطورية العثمانية عندما شاخت، أصبح الغربيون يطلقون عليها اسم:(الرجل المريض)، وقد استطاع هذا المريض أن يبقى حيّاً بفضل مدينة القسطنطينية، لأنَّ الروس والبريطانيين والفرنسيين والألمان وغيرهم من دول الاستعمار، كانوا
(1) محمد الفاتح 26 - 27.