الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقط، مذكراً أن العرب لو لم ينتصروا في الحروب ولم ترفرف راياتهم شرقاً وغرباً ولم يصبحوا أقوياء عسكرياً، لما أصبحت لهم مكانة بين الأمم في النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ لذلك يمكن القول: إن أثر الإسلام عسكرياً على العرب هو الأساس الأول لمكانتهم السامية بين الأمم، لأن الدول لا تحترم غير الأقوياء، وأن القوي وحده هو الذي يستطيع أن يؤثر في سير الأحداث العالمية، سواء أكان هذا التأثير هدفه الخير للعالم، أم كان هدفه الشر والخراب والدمار.
…
(2)
كان للعرب في أيام الجاهلية مزايا متميزة: الذكاء الفطري، وحب الحرية والمساواة، والشجاعة والإقدام، والكرم والسخاء؛ فعمل الإسلام على تطوير هذه المزايا وصقلها، وأفاد منها في أيام السلم والحرب، ونجح في مسعاه أعظم النجاح.
وكان للعرب في أيام الجاهلية صفات رديئة: تفرُّق كلمتهم، وفقدان الضبط والنظام بينهم، وعبادة الأصنام والأوثان، وسيطرة روح القبيلة عليهم؛ فعمل الإسلام على محاربتها للقضاء عليها، وانتصر عليها انتصاراً باهراً.
وصدق الله العظيم: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا} [آل عمران 3: 103].
وكان العرب قبل الإسلام، ماهرين في حرب العصابات وفي الفروسية واستعمال السلاح. وكان لديهم قابلية فذة على سرعة الحركة من مكان إلى آخر بسهولة ويسر، وبأقل وقت ممكن، وأقل تكاليف إدارية وأبسطها نفقات وأخفها حملاً
…
ولكنهم كانوا متفرقين بأسهم بينهم شديد: وأحياناً على بَكْرٍ أخينا إذا ما لم نَجِدْ إلا أخانا لهذا كانت خبرتهم الحربية وشجاعتهم الفطرية، تذهب عبثاً في المناوشات التي لا تكاد تنتهي بين القبائل العربية وحتى بين الجماعات والأفراد.
فلما جاء الإسلام، وحَّد عقائدهم، ووحَّد أهدافهم، فجعل من العقائد المتفرقة المتناقضة المتخلفة عقيدة واحدة هي: الإسلام. وجعل من أهدافهم الكثيرة المتصارعة كالاقتتال من أجل النهب والسلب، والقتال من أجل أخذ الثأر، والحرب من أجل الأمجاد الشخصية، والتفاخر بالغلبة، هدفاً واحداً هو: إعلاء كلمة الله.
كما وحَّد الإسلام صفوف العرب، ونظَّمهم، وغرس فيهم روح الضبط والطاعة، وطهَّر نفوسهم، ونقَّى أرواحهم، وقضى على الأنانية وحب الذات، وجعل الفرد يعمل لمصلحة الأمة العليا لا لمصلحة قبيلته أو شخصه، وخلق فيهم انسجاماً مادياً ومعنوياً، فأصبحت - لذلك كله وبذلك كله - قواتهم الضاربة تعمل بنظام وضبط، بقيادة واحدة، لتحقيق هدف واحد، وأصبح المؤمنون في