الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكانت الشمس قد بدأت تغيب، وفجأة هبَّت الريح من الجنوب قوية فنشرت السفن الخمس أشرعتها ومرقت من بين السفن العثمانية بخفّة واندفاع وانفلتت إلى (القرن الذهبي)، حيث أنزلت السلسلة الضخمة، ثم شدَّها الروم مرة أخرى ووصلت السفن الخمس سالمة.
وهكذا انتهت معركة (غلطه) البحرية بخسارة فادحة في السفن والبحارة العثمانيين، فخرج السلطان من الماء وقد ابتلَّت أطراف ثيابه وعلاها ماء البحر الممزوج بالدم، وعاد إلى معسكره وهو مُطرق في صمت رهيب.
أما سكان القسطنطينية فقد غمرتهم موجة من الفرح والاغتباط بما أحرزوه من نصر، وزاد أملهم وثقتهم في المستقبل، ولاح لهم أنهم سيهزِمون العثمانيين ويردُّونهم على أعقابهم عن أسوار القسطنطينية.
أما السلطان فقد أنَّب (بالطه أوغلي) وعزله من منصبه وعيَّن مكانه حمزة باشا.
كما استفاد الفاتح من مدفعيته، فضاعف قصفها للأسوار، في محاولة لرفع معنويات رجاله والتأثير في معنويات المدافعين عن القسطنطينية.
12 - سفن البر:
أخذ السلطان يفكِّر في خطة تؤدي إلى إدخال سفنه في القرن الذهبي للسيطرة على هذا الميناء وحصار القسطنطينية من أضعف جوانبها وإضعاف الدفاع عن السور البري وتشديد المراقبة على سكان
مدينة (غلطه) من الجنويين الذين يعملون بوجهين: وجهٌ معه ووجهٌ مع أعدائه، ثم تسهيل المواصلات مع قاعدته في (رومللي حصار).
وقد حاولت السفن العثمانية مرات عديدة تحطيم السلسلة الضخمة القائمة عند مدخل الميناء فلم توفَّق، وكان أحد طرفي السلسلة يقع في شاطئ (غلطه) مدينة الجنويين، وكانت العلاقة بينهم وبين السلطان علاقة سلام وإن كانوا يميلون بعواطفهم إلى الروم ويتمنَّون لهم النصر.
ولاحت للسلطان فكرة بارعة هي نقل السفن العثمانية من مرساها في (بشكطاش) إلى (القرن الذهبي)، وذلك بجرِّها على الطريق البرّي الواقع بين الميناءين مبتعداً عن حيّ (غلطه) خوفاً على سفنه من الجنويين.
كانت المسافة بين الميناءين نحو ثلاثة أميال، ولم تكن أرضاً مبسوطة سهلة، بل كانت وهاداً وتلالاً.
وأمر الفاتح فعبّدت الأرض وسوِّيت، وأتى بألواح خشبية دُهنت بالزيت والشحم ورصفت على الطريق الممهَّد لها بطريقة تسهل انزلاق السفن عليها وجرّها، واختار السفن الخفيفة وأمر بتزليقها على هذه الألواح المدهونة فنشرت أشرعتها وجرّها العمّال فسارت وكأنَّها تجري على البحر.
وكان أصعب جزء من الطريق هو نقل السفن على انحدار التلال المرتفعة، إلَاّ أنَّه بصفة عامة كانت السفن العثمانية صغيرة الحجم خفيفة الوزن نسبياً.
وقد تمَّ للسلطان نقل السفن في ليلة واحدة هي ليلة 21 - 22 نيسان (أبريل سنة 1453 م)، وكان مجموع ما نُقل في تلك الليلة سبعين سفينة نقلت من البسفور إلى القرن الذهبي عبر الطريق البرّي.
وقد صرف الفاتح أنظار الروم في القسطنطينية والجنويين في (غلطه) وهم أقرب الناس إلى اكتشاف نقل السفن، فقد نصب على الهضاب الواقعة خلف أسوار (غلطه) كثيراً من المدافع فقصفت ميناء (القرن الذهبي) بخاصة قصفاً مركّزاً طيلة يوم 11 نيسان - أبريل -، وقد أصيبت إحدى سفن الروم فغرقت، كما احتمت بقية السفن بأسوار (غلطه). وفي نفس الوقت حاولت السفن العثمانية عدَّة مرَّات اقتحام السلسلة القائمة عند مدخل القرن الذهبي دون جدوى.
كما ضاعفت المدفعية القائمة تجاه السور البرّي للقسطنطينية قصفها الشديد ليلاً ونهاراً.
وقد نجحت هذه الخطة في صرف انتباه الروم والجنويين عما كان يجري من نقل السفن برّاً، لذلك لم يحاول أحد عرقلة نقلها بهجوم مضاد أو قصف بالمدفعية.
كانت هذه الخطة الجريئة الحصيفة مباغتة كاملة للروم، مع أن فكرة نقل السفن برّاً فكرة قديمة استخدمت في الماضي، ولكن تطبيقها وتنفيذها بهذه السرعة وبهذه الدقة وبهذا الكتمان جعلها مباغتة للروم أثَّرت في معنوياتهم أسوأ تأثير.
فقد استيقظ أهل القسطنطينية في صباح يوم 22 نيسان - أبريل - على صيحات المسلمين: "الله أكبر
…
الله أكبر"، تمتزج بأنغام