الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
2 -
صَلَاح الدّين الأيوبي قَاهر الصَليبيينَ ومحرّر بيت المقدسْ
1 - أيامه الأولى:
كان صلاح الدين الأيوبي بطل معركة (حطِّين)، ومحرِّر بيت المقدس، وقاهر الصليبيين: حسنةً من حسنات نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي الشهيد، كما كان الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه حسنة من حسنات أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه؛ لأنَّ نور الدين الشهيد هو الذي جمع الشمل ورصَّ الصفوف، ووحَّد العرب، ووجَّه المسلمين إلى حرب الصليبيين، وهو الذي "طبَّق ذكره الأرض بحسن سيرته وعدله، وكان من الزُّهد والعبادة على قدم عظيم، وكان يصلي كثيراً من الليل، وكان عارفاً بالفقه على مذهب أبي حنيفة، وليس عنده تعصُّب، وهو الذي بنى أسوار مدن الشام مثل دمشق وحمص وحماه وسيزر وحلب وبعلبك وغيرها، وبنى المدارس الكثيرة الحنفية والشافعية"(1)، وانتصر على الصليبيين في معارك كثيرة، واستعاد منهم كثيراً من المدن والمناطق الإسلامية، وبذلك مهَّد السبيل لصلاح الدين الأيوبي، وفتح أمامه الطريق الذي سلكه بعده.
(1) أبو الفدا 3/ 55.
كما كان أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه هو الذي حارب المرتدّين وأعاد الوحدة العربية تحت لواء الإسلام في الجزيرة العربية، وبدأ معارك الفتح الإسلامي العظيم، وبذلك مهَّد السبيل لعمر بن الخطَّاب، فكان عمر حسنةً من حسنات أبي بكر، كما كان صلاح الدين حسنةً من حسنات نور الدين محمود الشهيد. وحسبنا أنَّ هؤلاء القادة كانوا يعملون لإعلاء كلمة الله لا لأمجاد شخصيَّة ومطامع ذاتية، وما أعظم دعاء نور الدين الشهيد في أعقاب كل صلاة:"اللهمَّ انصر المسلمين، ولا تنصر عبدك نور الدين"، ممَّا يدلُّ على أنَّه كان يعمل لله وحده لا لنفسه، وللمسلمين لا لذاته.
ولد صلاح الدين الأيوبيّ سنة اثنتين وثلاثين وخمسمئة الهجرية (1137م)، بقلعة (تكريت)(1)، وكان أبوه والياً عليها (2).
وانتقل أبوه أيوب بن شاذي يوم ولادة صلاح الدين إلى مدينة (الموصل) ومعه ولده، واستقرَّ هناك في رعاية عماد الدين زنكي صاحب (الموصل)، وعمل وأخوه أسد الدين شيركوه في جيش صاحب الموصل وحضرا عدَّة معارك وبرهنا على مقدرةٍ فائقةٍ في القتال (3).
ولمَّا استولى عماد الدين زنكي سنة أربع وثلاثين وخمسمئة
(1) تكريت: مدينة على دجلة، تقع جنوب بغداد بين بغداد والموصل، وهي إلى بغداد أقرب، وأبنيتها غرب دجلة على ضفة النهر، وأهم معالمها القلعة التي لا تزال آثارها باقية حتى اليوم.
(2)
النوادر السلطانية 6، وأبو الفدا 3/ 86.
(3)
حياة صلاح الدين 61.
الهجرية (1139م) على بعلبك (1)؛ عهد بها إلى أيوب وعيَّنه والياً عليها، ممَّا يدلُّ على ثقة زنكي بنجم الدين أيوب والد صلاح الدين.
وتوفي زنكي واقتسمت أولاده مُلكَهُ من بعده، فتوجَّه صاحب دمشق وحاصر (بعلبك). وشدَّد الحصار عليها، فصالح نجم الدين صاحب دمشق على مال، وانتقل هو وأخوه إلى دمشق وصارا من كبار أمرائها. ولا زال بها أسد الدين شيركوه، حتى اتصل بخدمة الملك العادل نور الدين محمود وصار من أكابر دولته، فرأى منه محمود نجابة وشجاعة، فأعطاه حمص والرحبة وجعله مقدَّم عساكره. فلمَّا صرف نور الدين همته لأخذ دمشق، أمر أسد الدين أن يكاتب أخاه نجم الدين أيوب على المساعدة على فتحها، فكتب أسد الدين إلى أخيه، وقال له:"هذا يجب عليك، فإنَّ مجير الدين (2)، قد أعطى الفرنج (بانياس) وربَّما سلَّم إليهم دمشق بعد ذلك"؛ فأجابه نجم الدين إلى ما طلب (3).
وملَكَ نور الدين دمشق سنة سبع وأربعين وخمسمئة الهجرية (1152م)، فصار نجم الدين أيوب وأخوه أسد الدين من أكابر أمراء نور الدين - خاصة نجم الدين، فإنَّ جميع الأمراء كانوا إذا دخلوا على
(1) بعلبك: مدينة قديمة فيها أبنية عجيبة وآثار عظيمة، انظر التفاصيل في معجم البلدان 2/ 226، والمسالك والممالك 46، وهي مدينة معروفة لا تزال آثارها قائمة، تقع في جمهورية لبنان.
(2)
هو صاحب دمشق يومئذ، اسمه آبق بن محمد بن بوري بن الأتابك ظهير الدين طغتكين؛ وطغتكين مولى تُتُش بن ألب أرسلان أخي ملكشاه السلجوقي؛ انظر النجوم الزاهرة 6/ 6.
(3)
النجوم الزاهرة 6/ 5.