الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جاءني لاستغفرت له، فأما إذا فعل ما فعل، فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه". وتاب الله على أبي لبابة، فثار الناس إليه ليطلقوه، فقال: "لا والله، حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده"، فلما مر عليه صلى الله عليه وسلم خارجاً إلى صلاة الصبح أطلقه (1).
ونزل بنو (قريظة) على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتواثبت الأوس فقالوا:"يا رسول الله صلى الله عليك وسلم! إنهم كانوا مَوَالينا دون الخزرج، وقد فعلت في موالي إخواننا بالأمس ما قد علمت"، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حاصر بني (قينقاع) حلفاء الخزرج قبل بني (قريظة) فنزلوا على حكمه، فسأله إياهم عبد الله بن أُبيِّ بن سَلول فوهبهم له، فلما كلمته الأوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم"؟ قالوا: بلى، قال:"فذاك إلى سعد بن معاذ". وأقبل الأوس مع سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون لسعد: "يا أبا عمرو! أحسن في مواليك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم". فلما أكثروا عليه قال: "لقد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم". وانتهى سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إني أحكم فيهم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء"(2).
7 - إخلاص الأنصار:
أ- وكان مما صنع الله به لرسوله صلى الله عليه وسلم، أن هذين الحيين من الأنصار: الأوس والخزرج، كانا يتصاولان (3) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) سيرة ابن هشام 3/ 255 - 256.
(2)
سيرة ابن هشام 3/ 257 - 259.
(3)
تصاول: يقال تصاول الفحلان، إذا حمل هذا على هذا، وأراد: أن كل واحد من =
تصاول الفحلين، لا تصنع الأوس شيئاً فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غناء (1) إلَاّ وقالت الخزرج: والله لا تذهبون بها فضلاً علينا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام، فلا ينتهون حتى يوقعوا مثلها، وإذا فعلت الخزرج شيئاً قالت الأوس مثل ذلك! ولما أصابت الأوس كعب بن الأشرف في عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت الخزرج: والله لا تذهبون بها فضلاً علينا أبداً، فتذاكروا: مَن رَجُلٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العداوة كابن الأشرف؟ فذكروا ابن أبي الحقيق وهو بخيبر، فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله، فأذن لهم. وخرج إليه من الخزرج من بني سلمة خمسة نفر، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عتيك ونهاهم أن يقتلوا وليداً أو امرأة، فخرجوا حتى إذا قدموا (خيبر)، أتوا دار ابن أبي الحقيق، فلم يدعوا بيتاً في الدار إلا أغلقوه على أهله. وكان ابن أبي الحقيق في عليّة له إليها عجلة (2)، فأسندوا فيها (3) حتى قاموا على بابه، فاستأذنوا عليه، فخرجت امرأته إليهم، فقالت:"من أنتم؟ "، فقالوا: ناس من العرب نلتمس الميرة! فقالت: "ذاكم صاحبكم فادخلوا عليه". ودخلوا على ابن أبي الحقيق وأغلقوا عليه وعليهم الحجرة تخوفاً أن تكون دونه مجاولة (4)، وابتدروه وهو على فراشه وقتلوه (5).
= الحيين كان يدفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتفاخران بذلك، فإذا فعل أحدهما شيئاً فعل الآخر مثله.
(1)
غناء: منفعة ودفع مكروه عنه وجلب فائدة.
(2)
له إليها عجلة: المراد بالعجلة هنا: جذع النخلة، كانوا ينقرون في مواضع منه نقراً بعضها فوق بعض، ثم يجعلونه كالسلم يصعدون عليه إلى الغرف والأماكن العالية.
(3)
أسندوا فيها: علوا وارتفعوا. وتقول: أسند فلان في الجبل، إذا علا فيه وارتفع.
(4)
المجاولة: الحركة تكون بينه وبينهم.
(5)
سيرة ابن هشام 3/ 314 - 315.
ب- وفي غزوة (المُرَيْسيعِ) تزاحم أحد المهاجرين مع أحد الأنصار على الماء، فاقتتلا، فصرخ المهاجري: يا معشر المهاجرين! وصرخ الأنصاري: يا معشر الأنصار! فغضب عبد الله بن أبي بن سَلول وقال: "أوَقد فعلوها؟! قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما أعُدَّنا وجلابيب (1) قريش هذه إلا كما قال الأول: سَمِّن كلبك يأكلك (2)!!.
أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل" (3).
وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي الذي كان من أمر أبيه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"يا رسول الله! إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله ابن أُبيّ فيما بلغك عنه، فإن كنت لا بد فاعلاً فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه، فوالله لقد عَلِمَتْ الخزرج ما كان لها من رجل أَبَرَّ بوالده مني، وإني أخشى أن تأمر غيري به فيقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس، فأقتله فأقتل رجلاً مؤمناً بكافر، فأدخل النار!! ".
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل نترفّق به ونحسن صحبته ما بقي معنا"(4).
وفي رواية: أن عبد الله هذا، تقدم الناس حتى وقف لأبيه على الطريق، فلما رآه أناخ به وقال:"لا أفارقك حتى تزعم أنك الذليل ومحمد العزيز"، فمرَّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"دَعهُ، فلعمري لنحسننّ صحبته مادام بين أظهرنا"(5).
(1) جلابيب قريش: لقد كان المشركون يلقبون به أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل مكة.
(2)
سمِّن كلبك يأكلك: مَثَلٌ من أمثلة العرب، وفي ضده تقول: جوّع كلبك يتبعك.
(3)
سيرة ابن هشام 3/ 236 - 237.
(4)
سيرة ابن هشام 3/ 236 - 237.
(5)
طبقات ابن سعد 2/ 65.