الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجاهدين الصادقين الذين خرجوا طلباً للشهادة.
إنَّ أثر المجاهدين في معركة (عين جالوت) كان عظيماً جداً في إحراز النصر؛ والمتعمِّق في دراسة هذه المعركة عسكرياً، يستنتج بكلِّ وضوح هذا الاستنتاج.
حين اطمأنَّ قطز إلى نصر الله، ترجَّل عن فرسه، ومرَّغ وجهه في التراب وقبَّلها، وسجد لله شكراً على ما أولاه من نصر باهر، وحمد الله وأثنى عليه ثناءً عاطراً.
لقد كان انتصار المسلمين في (عين جالوت) على التتار انتصار عقيدة لا مراء.
8 - الشهيد:
لم تمضِ أسابيع قلائل، حتى طُهِّرَتْ بلاد الشام كلها من بقايا التتار؛ فرتَّب أمور البلاد، واستناب على دمشق أحد رجاله، ثم خرج من دمشق عائداً إلى مصر إلى أن وصل إلى (القُصَير)(1)، وبقي بينه وبين (الصالحية) المعسكر الذي حشد فيه قواته قبل الحركة لقتال التتار مرحلةً واحدة، ورحلت قوَّاته إلى جهة (الصالحية)، انقضَّ عليه الأمير بيبرس وعدد من رجاله وقتلوه على مقربة من خيمته، وذلك في يوم السبت السادس عشر من ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وستمئة الهجرية (تشرين الأول - أكتوبر - 1260م)، ولم يمضِ يومان حتى
(1) القصير: قرية تُعرف اليوم باسم الجعافرة إحدى قرى مدينة فاقوس بمحافظة الشرقية إحدى محافظات مصر.
حلَّ مكانه في المُلك قاتِلُهُ باسم الملك الظاهر.
وقد دُفِن قطز موضع قتله، وكثر أسف الناس وحزنهم عليه.
وكان قبره يُقصَد دائماً للزيارة، فلما بلغ ذلك بيبرس أمر بنبشه ونقله إلى غير ذلك المكان وعُفِّي أثره.
وكانت سلطة قطز سنة إلا يوماً واحداً.
وكان قطز بطلاً شجاعاً مقداماً حسن التدبير، يرجع إلى دين وإسلام وخير، كما قال فيه الذهبي:"وله اليد البيضاء في جهاد التتار، فعوَّض الله شبابه بالجنة ورضي عنه"(1).
وكان صادقاً عزيز النفس، كريم الأخلاق، مجاهداً من الطراز الأول، ولم يكن يوصف بكرم ولا شُحٍّ بل كان متوسِّطاً في ذلك (2).
قُتل قاهر التتار مظلوماً، فخسر روحه وربح الدنيا والآخرة، وسجَّله التاريخ في أنصع صفحاته. رضي الله عنه وأرضاه، وجعله قدوة صالحة لقادة العرب والمسلمين، فما أشبه غزو التتار بغزو الصهاينة، وما أحوجنا اليوم إلى مثله قائداً يتَّخذ الهجوم مبدأً ولا يكتفي بالدفاع، ويقاتل الصهاينة في الأرض المحتلَّة، ولا ينتظر أن يقاتلوه في أرضه.
…
(1) النجوم الزاهرة 7/ 84.
(2)
انظر التفاصيل في النجوم الزاهرة 7/ 84 - 89.