الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 - إكمال الإعداد:
في خلال ذلك كان محمد الفاتح في عاصمته (أدرنه) يضاعف أهبته بعزم لا يعرف الكلل، وكانت قواته المسلحة تحشد في العاصمة التي أصبحت معسكراً كبيراً، وقد تجمَّع فيها الجنود العثمانيون من آسيا وأوروبا من النظاميين والمجاهدين، وكانت حماسة الجيش العثماني للقتال عظيمة، وكان رجاله يعتقدون بأنهم يؤدُّون مهمة سامية في الحياة ويقومون بحرب مقدَّسة يبتغون من ورائها المثوبة من الله وينتظرون نصره، يشاركهم الشيوخ وعلماء الدين ويشدُّون أزرهم ويستثيرون روح الجهاد والتضحية في الجند.
وفي تلك الأثناء حضر إلى الفاتح المهندس المجري (أوربان) وهو أمهر صانع للمدافع في زمانه، وكان قد طاف ببعض بلدان أوروبا وعرض صناعته على بعض ملوكها، فلم يصغِ إليه أحد. وقصد هذا المهندس القسطنطينية ولبث هناك زمناً يعرض خدماته على قسطنطين، غير أن الإمبراطور ضنَّ عليه بالمال.
وفرَّ أوربان إلى محمد الفاتح الذي استقبله استقبالاً حسناً، وبالغ في الحفاوة به، وفتح له أبواب خزائنه وغمره بالمال والعطايا، وعرف كيف يستغله أحسن استغلال، وسهَّل له كل الوسائل لإتمام إنتاج المدافع، ووضع تحت تصرفه ما طلبه من آلات وعمَّال فنيين.
وسأله السلطان: "هل يمكنك أن تصنع مدافع أضخم من التي صنعتها حتى الآن"؟
وأجاب أوربان: "في استطاعتي أن أصنع لك مدفعاً يدكّ أسوار القسطنطينية ولو كانت في مناعة أسوار بابل، غير أني مهندس ولست جندياً فلا أعرف أين توضع المدافع".
وضحك محمد الفاتح وقال: "أنا الجنديّ ما عليك إلَاّ أن تصنع المدافع التي أريدها، أما أين توضع وكيف تصوَّب، فدع ذلك لي".
وشرع أوربان في صنع المدافع، يعاونه في ذلك المهندسان
التركيان صاربجة ومصلح الدين، ويشرف عليهم السلطان بنفسه.
وبعد ثلاثة أشهر صنع المدافع التي طلبها منه الفاتح، وكان من بينها مدفع ضخم عملاق لم يُرَ مثله قطّ في ضخامته وكبر حجمه، يزن سبعمئة طن وتزن القنبلة الواحدة التي يطلقها هذا المدفع اثني عشر ألف رطل، ويجرّه مئة ثور يساعدها مئة من الرجال الأشداء يزحفون به زحف السلحفاة. وعندما أُريد تجربته لأول مرة في أدرنه أنذر السلطان سكان المنطقة، فسمع دويّه على بعد ثلاثة عشر ميلاً، وسقطت قذيفته على بعد ميل، وغاصت في الأرض ستة أقدام. وقد قطع هذا المدفع الطريق من أدرنه إلى مربضه أمام أسوار القسطنطينية في شهرين، وهو طريق يقطع عادة في يومين!!.
وصنع أوربان إلى جانب هذا المدفع الضخم الذي دعوه بـ (المدفع السلطاني) لأنه سلطان المدافع، مدافع أخرى من عيارات مختلفة، فأصبحت بذلك قوة المدفعية العثمانية متفوّقة على قوى المدفعية كلها في العالم، وكان لهذا التفوُّق أثره الحاسم في فتح القسطنطينية وفي فتوح العثمانيين في أوروبا وغيرها في أيام محمد الفاتح وخلفائه من بعده.