المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌مقَدمَة المؤلفْ

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌العقيدة والقيَادة

- ‌مَع التراث العَرَبي الإسْلَامي

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌(4)

- ‌مَع المشير مونتكومري

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌(4)

- ‌(5)

- ‌(6)

- ‌(7)

- ‌(8)

- ‌(9)

- ‌مَع القَادة الآخرين

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌الإسلام والنّصر

- ‌أثر الإسلام في العَربْ

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌(4)

- ‌الإسْلَام في مجَال التربيَة العَسكريَة

- ‌1 - التدريب الفردي

- ‌2 - التدريب الإجمالي

- ‌3 - الحرب العادلة:

- ‌4 - الحرب النفسية:

- ‌5 - عزَّة الإسلام:

- ‌التطبيق العملي في عهد النبوّة

- ‌مستهل

- ‌(1)

- ‌مع الرسول القائد عَليهِ أفضَل الصَّلاة وَالسّلام

- ‌في مَكّة المكَرّمَة

- ‌(1)

- ‌1 - الأهوال:

- ‌2 - الهجرة:

- ‌في المَدينَة المنوَّرة

- ‌1 - الأعمال التمهيدية:

- ‌2 - الجهاد الحاسم:

- ‌أ- في بدر:

- ‌ب- بعد بدر:

- ‌3 - القدوة الحسنة:

- ‌4 - المثال الرائع:

- ‌في مَكّة

- ‌1 - التعذيب:

- ‌2 - في الحبشة:

- ‌في المَدينَة

- ‌1 - المجتمع الجديد:

- ‌2 - في بدر:

- ‌3 - في أُحُد:

- ‌4 - كارثة الرجيع:

- ‌5 - يوم الأحزاب:

- ‌6 - محاسبة الغادرين:

- ‌7 - إخلاص الأنصار:

- ‌8 - يوم الحديبية:

- ‌9 - في مؤتة:

- ‌10 - اختبار العقيدة:

- ‌11 - الجهاد بالمال:

- ‌12 - خير القرون:

- ‌مع الصَّحَابة وَالتَابعين

- ‌1 - المخطط الأول للفتح:

- ‌2 - بعث أسامة:

- ‌3 - حرب الردة:

- ‌4 - في اليرموك:

- ‌5 - في معركة الجسر:

- ‌6 - في القادسية:

- ‌7 - في فتح المدائن:

- ‌8 - نماذج بطولية:

- ‌9 - في إفريقية:

- ‌10 - في الأندلس:

- ‌11 - انتصار عقيدة:

- ‌12 - المثال الشخصي:

- ‌التطبيق العملي بَعدَ الفَتْحِ الإسْلامي العَظيمْ

- ‌مستهل

- ‌1 - العالِم:

- ‌2 - الفاتح:

- ‌3 - الإنسان:

- ‌4 - القائد:

- ‌5 - أسد في التاريخ:

- ‌ 2 -صَلَاح الدّين الأيوبي قَاهر الصَليبيينَ ومحرّر بيت المقدسْ

- ‌1 - أيامه الأولى:

- ‌2 - الوزير:

- ‌3 - السلطان:

- ‌4 - في دمشق:

- ‌5 - معركة حطين:

- ‌6 - معارك استثمار الفوز:

- ‌7 - استعادة القدس:

- ‌8 - مجمل الفتح:

- ‌9 - الإنسان:

- ‌10 - في المصادر الأجنبية:

- ‌ 3 -المَلك المظَفَّر قطز قَاهر التَّتَار

- ‌1 - السلطان:

- ‌2 - الموقف العام:

- ‌3 - موقف أوروبا:

- ‌4 - زحف التتار:

- ‌5 - الحشد:

- ‌6 - المعركة:

- ‌7 - أسباب النصر:

- ‌8 - الشهيد:

- ‌ 4 -السلطان محَمَّد الفَاتح فَاتح القسطنطينيَّة

- ‌1 - أيامه الأولى:

- ‌2 - محاولات الفتح الأولى:

- ‌3 - أهمية القسطنطينية:

- ‌4 - آخر الأباطرة:

- ‌5 - نقض العهد:

- ‌6 - التمهيد للفتح:

- ‌8 - إكمال الإعداد:

- ‌9 - الزحف:

- ‌10 - الحصار:

- ‌11 - المناوشات:

- ‌12 - سفن البر:

- ‌13 - القتال البحري:

- ‌14 - تضييق الخناق:

- ‌15 - الحرب النفسية:

- ‌16 - اليأس:

- ‌17 - قبيل الهجوم العام:

- ‌18 - الهجوم العام:

- ‌19 - الفاتح في القسطنطينية:

- ‌20 - صدى الفتح:

- ‌21 - الفتوح:

- ‌22 - وقع النعي:

- ‌23 - الإنسان:

- ‌الخاتمة

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌(4)

- ‌(5)

- ‌أ) الفرد:

- ‌ب) الدولة:

- ‌المصادر

- ‌المَرَاجع

- ‌1 - المراجع العربية:

- ‌2 - المراجع التركية:

- ‌3 - المراجع الإنكليزية:

- ‌الفهرَس

الفصل: ‌2 - الفاتح:

في (القيروان) يقضي بين أهلها بالكتاب والسنة، حتى خرج لغزو (صقلية)(1).

‌2 - الفاتح:

أ) قدم (إفريقية) أحد أعاظم قواد الجيش الصقلي وهو (أوفيموس Euphemios) ويسميه المؤرخون العرب (فيمي)، وكان مقدّماً من بطارقة (2) القيصر على ما يقوله مؤرخو العرب، أو (طومرخان Turmarch)) (3) ، أي قائد فرقة في جيش (صقلية) المحلى برتبة (عميد)(4) على ما تقوله المراجع الإيطالية والبيزنطية.

وكانت قد وقعت عداوة بينه وبين والي (صقلية) العام لأسباب شخصية، لأن الوالي العام قد خطف منه مخطوبته، على ما يذكره أحد المراجع الإيطالية، أو لأن (فيمي) كان قد خطف راهبة من ديرها

(1) أ) رياض النفوس 1/ 173، وانظر تاريخ قضاة الأندلس 45.

ب) انظر سيرة زيادة الله في ابن خلدون 4/ 197، والخلاصة النقية 26، وابن الأثير 6/ 111، والبيان المغرب 1/ 96، والحلة السيراء 1/ 163، وانظر الأعلام 3/ 93.

(2)

البطارقة: جمع بطريق. والبطريق رتبة عسكرية بيزنطية، انظر التمدّن الإسلامي 1/ 141 - 143، وهذه الرتبة تشابه رتبة قائد فرقة في الوقت الحاضر، انظر: قادة فتح الشام ومصر 22.

(3)

طومرخان: يتولى قيادة خمسة آلاف جندي. انظر التفاصيل في التمدُّن الإسلامي 1/ 141 - 143.

(4)

في الأصل رتبة الفريق وهي رتبة عسكرية تدعى ( Lieutenant General) ، والأصح أن رتبة (طومرخان) هي رتبة (عميد Brigadier) ، لأن الفريق لا يكون قائد فرقة ( Division) بل يكون قائد فيلق ( Corps) ، ومادام البطريق قائد فرقة وبإمرته ضابطان برتبة (طومرخان) فلا بدّ أن يكون (الطومرخان) أقل رتبة منه، والظاهر أن الخطأ في ذلك وقع في ترجمة النص إلى العربية، والفرقة في الروم مؤلفة من عشرة آلاف جندي بقيادة بطريق، والطومرخان يقود خمسة آلاف جندي.

ص: 288

فعاقبه الوالي بالعزل، على ما يذكره مرجع آخر (1).

أما المصادر العربية، فتذكر أن ملك الروم بالقسطنطينية، استعمل على جزيرة (صقلية) بطريقاً اسمه (قسطنطين) سنة إحدى عشرة ومئتين الهجرية (826م)، فلما وصل إليها استعمل على الأسطول (فيمي)، وكان حازماً شجاعاً، فغزا (إفريقية) وأخذ من سواحلها تجَّاراً ونهب، وبقي هناك مدة مديدة. ثم إن ملك الروم كتب إلى (قسطنطين) يأمره بالقبض على (فيمي) مقدم الأسطول وتعذيبه، فبلغ الخبر (فيمي) فأعلم أصحابه فغضبوا له وأعانوه على المخالفة، وسار (فيمي) في مراكبه إلى (صقلية) واستولى على مدينة (سرقوسة)(2)(سيراكوزة Siracusa) ، فسار إليه قسطنطين، ولكنه انهزم أمام (فيمي) الذي أصبح ملكاً على (صقلية). ولكن (فيمي) لم يستطع الاحتفاظ بـ (صقلية) طويلاً، إذ هاجمته قوات ملك الروم وهزمته، ففرَّ إلى (إفريقية)، واستغاث بأميرها وهو يومئذٍ زيادة الله بن الأغلب، ودعاه إلى فتح (صقلية)، ووصف له غناها وسهولة الاستيلاء عليها (3).

(1) المسلمون في صقلية 7. أما (أماري) فيرى أن قصة خطف الراهبة قد زورتها على (فيمي) السلطات البيزنطية العليا لأجل إبعاد قائد من أهل (صقلية) كثير المطامع لا تأتمنه؛ انظر: المسلمون في صقلية 8؛ وكان الإمبراطور البيزنطي في القسطنطينية حينذاك هو ميخائيل الثاني، انظر: تراجم إسلامية 131.

(2)

سرقوسة: أكبر مدن (صقلية)؛ انظر التفاصيل في معجم البلدان 5/ 74، وفي تراجم إسلامية 131: أن الإمبراطور ميخائيل الثاني قضى بجدع أنف (فيمي)؛ لأنه اختطف راهبة حسناء من ديرها، عقاباً له على جرمه، ففرَّ إلى مدينة (سرقوسة) وبسط حكمه عليها، ولكنه لم يستطع أن يحتفظ بها طويلاً، إذ هاجمته قوات الإمبراطور وهزمته واستردت المدينة منه، ففرَّ إلى (إفريقية) واستغاث بأميرها وهو يومئذٍ زيادة الله بن الأغلب.

(3)

ابن الأثير 6/ 113 - 114، وابن خلدون 4/ 198، والنويري في المكتبة 427.

ص: 289

وسواء أكان (فيمي) طامعاً من أولئك الطامعين ثار في (سرقوسة) وأخفق، فلجأ إلى المسلمين، أم اختطف فتاة جميلة كانت قد لجأت إلى دير، وشكاه أهلها إلى الإمبراطور، أم أحب (هومونيزا Omoniza) الجميلة واغتصبها منه صاحب (صقلية)، فذهب يستعين بالقيروان؛ سواء أكان هذا السبب أم ذاك، فالذي حدث حقاً، أن (فيمي) لجأ إلى بني الأغلب يطلب منهم المعونة (1)، وقدَّم نفسه لزيادة الله دليلاً وعوناً على فتح (صقلية).

ب) وجمع زيادة الله مجلسه (2) الحربي من وجوه أهل (القيروان) وفقهائها ومنهم أسد بن الفرات وأبو محرز القاضيان وسحنون بن سعيد الفقيه، واستشارهم في أمر فتح (صقلية).

وانقسم أهل الشورى فريقين: أقلية لا ترى الغزو ولا تشير به؛ فيها سحنون فإنه سأل المجتمعين: "كم بينها وبين الروم"؟ قالوا: "يروح الإنسان مرتين أو ثلاثة في النهار ويرجع"

قال: "ومن ناحية (إفريقية) "؟ قالوا: "يوم وليلة"، قال:"لو كنت طائراً ما طرت عليها".

ومنهم من قال: "نغزوها ولا نسكنها ولا نتخذها وطناً"(3). وقال فريق منهم بالإقدام على غزو (صقلية) جهاداً في سبيل الله وإعزازاً لدينه. وكانت بين (صقلية) و (إفريقية) هدنة لم تنقضِ مدتها،

(1) العرب في صقلية 32، والمسلمون في صقلية 8.

(2)

كان يسمى في اصطلاح البربر: (جماعة)، انظر: المسلمون في صقلية 8.

(3)

نهاية الأرب في المكتبة 427 - 428.

ص: 290

فعرض زيادة الله أمرها على أبي محرز وأسد.

أما أبو محرز، فآثر التريُّث. وأما أسد، فآثر أن يسأل رسل الصقليين ليعرف: هل لديهم في (صقلية) أسرى من المسلمين؟

قال أبو محرز: "وكيف نقبل قول الرسل عليهم أو دفعهم عنهم"؟

فقال أسد: "بالرسل هادناهم، وبالرسل نجعلهم ناقضين

قال عز وجل: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [سورة محمد 47: 35]، فكذلك لا نتماسك به ونحن الأعلون" (1).

وحلَّت العقدة، وتحلَّل زيادة الله من الهدنة، بعد أن أقرَّ الرسل بوجود الأسرى من المسلمين في (صقلية)، وكانت الهدنة تنص على: "أنه من دخل إليهم من المسلمين، وأراد أن يردوه إلى المسلمين، كان ذلك عليهم (2)، وقد ثبت باعتراف رسل (صقلية) أن أسرى مسلمين في (صقلية) خلافاً لشروط الهدنة.

ج) وقرر زيادة الله مهاجمة (صقلية)، وأمر بالاستعداد لهذا الهجوم. وسارع أسد إلى الخروج، فكان زيادة الله يتغافل عن ذلك.

فقال أسد: "وجدوني رخيصاً فلم يقبلوني، وقد أصابوا من يجري لهم مراكبهم من النواتية (3)، فما أحوجهم إلى مَن يجريها لهم بالكتاب والسنة"(4).

لقد كان أسد يريد أن يكون جندياً من عامة الجند بين المجاهدين،

(1) رياض النفوس في المكتبة 182 - 183.

(2)

رياض النفوس 1/ 186.

(3)

النواتي: جمع نوتي، وهو الملاح في البحر.

(4)

رياض النفوس 1/ 186 - 187.

ص: 291

فكان يريد أن يؤدي واجبه في الجهاد الأصغر محارباً، بعد أن أدى واجبه في الجهاد الأكبر متعلماً وعالماً وقاضياً ومفتياً.

وحين رأى زيادة الله إصرار أسد على الخروج مجاهداً في سبيل الله، أمَّره على تلك الغزوة، وعزم عليه في ذلك، فقال أسد: "أصلح الله الأمير

من بعد القضاء والنظر في حلال الله تعالى وحرامه، تعزلني وتوليني الإمارة؟

"، فقال زيادة الله: "إني لم أعزلك عن القضاء، بل ولّيتك الإمارة، وهي أشرف من القضاء، وأبقيت لك اسم القضاء، فأنت قاضٍ أمير"، فخرج أسد على ذلك، ولم تجتمع الإمارة والقضاء ببلد في (إفريقية) إلا لأسد وحده (1).

د) كان خروج أسد إلى (صقلية) من (سوسة)(2) يوم السبت النصف من شهر ربيع الأول، سنة اثنتي عشرة ومئتين الهجرية (3)(14 حزيران - يونيو - سنة 827 م)(4) وكان معه في جيشه عشرة آلاف رجل - منهم ألف فارس (5)، حملتهم مئة سفينة (6) وخرج لتوديع أسد وجيشه وجوه أهل العلم وجماعة الناس، وقد أمر زيادة الله ألا يبقى أحد من رجاله إلا شَيَّعَه (7)؛ وقد صهلت الخيل، وضربت الطبول،

(1) رياض النفوس 1/ 187.

(2)

سوسة: بلدة بالمغرب على البحر الأبيض المتوسط؛ انظر التفاصيل في معجم البلدان 5/ 173، وهي ميناء في تونس.

(3)

النويري في المكتبة 428؛ وانظر: الحلة السيراء 2/ 381.

(4)

المسلمون في صقلية 9.

(5)

تاريخ قضاة الأندلس 54؛ وفي النويري في المكتبة 428: "أن الفرسان كانوا سبعمئة فارس"؛ أما في الحلة السيراء 2/ 381 فقد جاء: "أن الفرسان كانوا تسعمئة".

(6)

النويري في المكتبة 428.

(7)

رياض النفوس 1/ 188؛ ومعالم الإيمان 2/ 15؛ وانظر تاريخ قضاة الأندلس 54.

ص: 292

وخفقت البنود، فقال أسد: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له

يا معشر الناس

ما بلغت ما ترون إلا بالأقلام، فأجهدوا أنفسكم فيها، وثابروا على تدوين العلم، تنالوا به الدنيا والآخرة" (1).

هـ) وتحرك أسد على رأس جيشه إلى هدفه (صقلية)، وفي طريقه فتح جزيرة (قوصرة)(2) الصغيرة (3) ويبدو أن فتحها كان صلحاً، لأن المسلمين وصلوا إلى ساحل (صقلية) يوم الثلاثاء الثامن عشر من شهر ربيع الأول سنة اثنتي عشرة ومئتين الهجرية (4)(17 حزيران سنة 827 م)(5)، أي بعد أربعة أيام من إقلاعهم من ميناء (سوسة)، بينما

(1) تاريخ قضاة الأندلس 54؛ ومعالم الإيمان 2/ 15؛ ورياض النفوس 1/ 188.

(2)

انظر: مقدمة ابن خلدون 253، وقد ذكر الأستاذ محمد عبد الله عنان في كتابه: تراجم إسلامية 132 ما يلي: "وهناك ما يدل على أنه - أي أسد بن الفرات - نُدِبَ لقيادة البحر قبل ذلك - أي قبل توجّهه لفتح (صقلية)، وأنه قام في هذه المياه بغزوات بحرية سابقة. فقد ذكر لنا ابن خلدون: أن أسداً شيخ الفتيا، فتح (قوصرة) أيام زيادة الله الأغلبي".

ومن الواضح أن أسد بن الفرات، لم يُندَب لقيادة الجيوش قبل هذه الغزوة، إذ لا يوجد نص يؤيد ما ذهب إليه الأستاذ عنان، كما أن (قوصرة) لا يمكن فتحها مع بقاء (صقلية) بيد العدو، لأن حاميتها من المسلمين يبقون مهدَّدين دوماً بالغزو من قواعد العدو القريبة -وعلى رأسها صقلية- التي هي في البحر الأبيض المتوسط.

ومن الواضح أيضاً، أن أسداً فتح (قوصرة) في طريقه إلى فتح (صقلية)، لأنها تقع في طريقه إليها، ولأنها الخط الدفاعي المتقدم عن (صقلية)، فلا بد من فتحها أولاً قبل فتح (صقلية)، والوثوب منها إلى (صقلية)، وبذلك يجعلها نقطة ارتكاز متقدمة، وهذا ما حدث حقاً.

(3)

في معجم البلدان 7/ 183: "أن المسلمين فتحوا (قوصرة) في أيام معاوية بن أبي سفيان"، والظاهر أن الروم استعادوها من المسلمين، لانقطاعها عن قواعد المسلمين في (إفريقية) أولاً، ولأنها تحيط بها قواعد الروم في البحر الأبيض ثانياً. وقد فتحها أسد ثانية. والمرجَّح أن فتحها أيام معاوية بن أبي سفيان، كان (غارة) لا (فتحاً).

(4)

النويري في المكتبة 428.

(5)

المسلمون في صقلية 9.

ص: 293

المسافة من (سوسة) إلى (صقلية) يوم وليلة (1)، مما يدلّ على أن المسلمين قضوا ثلاثة أيام في ترصين فتح (قوصرة) ووضع حامية مناسبة فيها، لحماية خط انسحابهم إلى (إفريقية) عند الحاجة (2).

و) ورست سفن أسد في ميناء (مازر (3) Mazara) على ساحل (صقلية) الغربي، وهو أقرب ثغور (صقلية) إلى (إفريقية)، وهناك جرى إنزال قوات المسلمين، فلم يجدوا مَن يدافع عن المدينة، لاختلاف أمور الروم، وزهد أهل البلاد في الدفاع عنها لفائدة الروم الغاصبين (4).

ونفذ أسد على رأس جنده إلى شرق الجزيرة لمقاتلة الروم الذين اجتمعوا حول صاحب (صقلية) بلاطة (بلاته)، واجتمع إلى أسد (فيمي) وأنصاره ليقاتلوا معه، فأبى أسد وطلب إليهم أن يعتزلوهم قائلاً لفيمي:"اعتزلونا، لا حاجة لنا بأن تعينونا"(5).

ودار القتال في ميدان بين بلرم (6)(بالرمو Palermo) و (مازر)

(1) النويري في المكتبة 428.

(2)

إن فتح جزيرة قوصرة مهما كانت صغيرة، ومهما كانت قواتها قليلة، لا يمكن أن يتم عنوة بهذه الفترة القصيرة من الزمن، إذ أن إجراءات الاستطلاع، وإعداد الخطة المناسبة، ثم تنفيذها، يحتاج إلى وقت أكثر بكثير من ثلاثة أيام كما هو معروف.

(3)

مازر: مدينة في الساحل الغربي من (صقلية)؛ انظر معجم البلدان 8/ 362، والمشترك وضعاً 381.

(4)

المسلمون في جزيرة صقلية وجنوب إيطالية 65.

(5)

رياض النفوس 1/ 188، وابن الأثير 6/ 137، والمكتبة 222، وقد أمرهم أسد أن يجعلوا على رؤوسهم سيماً يعرفون بها ليلاً؛ انظر المكتبة 185 عن رياض النفوس.

(6)

بلرم: أعظم مدينة في (صقلية) تقع على شاطئ البحر، ذات سور شاهق منيع مبني من حجر؛ انظر التفاصيل في معجم البلدان 2/ 268؛ وهي عاصمة (صقلية)؛ انظر: المسلمون في صقلية 1.

ص: 294

سمي باسم بلاطة فيما بعد، وكان الصقليون يفوقون المسلمين عدداً وعُدداً، فقد كان جيش الصقليين مئة ألف وخمسين ألفاً" (1).

وكان أسد في هذه المعركة يحمل اللواء بيد، والسيف بيده الأخرى، وهو يدعو الله؛ فحمل على الروم، وحمل الناس معه، فهزم (بلاطة) وجُرح في هذه المعركة (2) واستولى المسلمون على عدة حصون من الجزيرة (3).

وانتصر المسلمون على جيش الروم المحلِّي في (صقلية)، وفرَّ الروم نحو الجبهة الشرقية، وحشدوا جموعهم حول مدينة (سرقوسة)، فرأى أسد أن يستثمر الفوز (4) فسار بجيشه يقتفي أثر المنهزمين.

ز) ووقف أسد تحت أسوار (سرقوسة)، ونزل مقاطع الحجارة التي كانت حول المدينة منذ عهد اليونان (5)، قاطعاً إليها من (مازر) مسافة مئتي كيلو متر، وهي المسافة الفاصلة بين رأس الجسر (6) الذي نزل فيه المسلمون في مدينة (مازر) وبين (سرقوسة).

(1) المسلمون في جزيرة صقلية وجنوب إيطاليا 65، والمسلمون في صقلية 9. وكان نفوس صقلية (1600،000) في عهد الحكم الإسلامي؛ انظر المسلمون في صقلية 3.

(2)

رياض النفوس 1/ 188، ومعالم الايمان 2/ 15، وتاريخ قضاة الأندلس 54.

(3)

ابن خلدون 4/ 199؛ وابن الأثير 6/ 114، وقد هرب (بلاطة) إلى (فلورية) وهي جزيرة في شرق (صقلية) فقتل بها.

(4)

استثمار الفوز: مصطلح عسكري حديث، معناه: ترصين المواضع المحتلة ومطاردة العدو للقضاء عليه.

(5)

المسلمون في صقلية 9.

(6)

رأس الجسر: هي منطقة إنزال القوات العسكرية التي جرى إنزالها في تلك المنطقة ( Bridgehead) .

ص: 295

وكان هناك عدة من المدن والحصون في شمال (صقلية) لا تزال بيد الروم، وكان خط القتال الناشب بين المسلمين والروم ممتداً في الحقيقة من (سرقوسة) في شرقي الجزيرة إلى بلرم (بالرمو) في شمالها الغربي.

وكان (فيمي) قد بدأ يخشى مغبَّة انتصارات المسلمين، فأخذ يشجِّع الروم على المقاومة ويتجسَّس على المسلمين، ويبعث بأخبارهم إلى الروم، فكان ذلك مما شجَّع الروم على مضاعفة مقاومتهم.

ح) وحاصر أسد (سرقوسة) براً، وحاصرتها سفن المسلمين بحراً، ووصلت الأمداد من (إفريقية)، فبعث أسد إلى (بلرم) الجند والسفن لحصارها.

وفي ذلك الحين وصل إلى مياه (سرقوسة) أسطول بيزنطي بعثه الإمبراطور من (القسطنطينية) لإنجاد الجزيرة، فاشتدَّت مقاومة الروم للمسلمين، وارتفعت معنوياتهم، فنشبت بينهم وبين المسلمين معارك طاحنة في البر والبحر (1).

وتحرج موقف المسلمين، لتكاثر الروم عليهم من جهة، إذ أصبحوا يصاولون جيش الإمبراطورية لا جيش (صقلية) المحلِّي، ولانتشار الوباء في معسكرهم من جهة أخرى، وذلك سنة ثلاث عشرة ومئتين الهجرية (828 م)، فهلك منهم خلق كبير.

ولكن أسداً دأب على القتال، فتوفي وهو محاصر لسرقوسة من

(1) ابن الأثير 6/ 114؛ وانظر ابن خلدون 4/ 199؛ وتراجم إسلامية 133 - 134.

ص: 296

جراحات شديدة أصابته أو متأثراً بالوباء، وكانت وفاته في ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة ومئتين الهجرية (828م)، ودُفن بذلك الموضع (1).

ط) وتولى القيادة بعد أسد أحد رجاله وهو محمد بن أبي الجواري، فلما رأى تفاقم الأمر على المسلمين، حاول الانسحاب في السفن إلى (إفريقية)، ولكن السفن البيزنطية منعته من ذلك، فأمر عندئذٍ بحرق السفن.

وامتنع المسلمون بداخل الجزيرة، وتفرَّقوا فيها سرايا يغزون بسائطها ويحاصرون قلاعها، حتى جاءتهم الأمداد من (إفريقية)، ووصل لمعاونتهم في الوقت نفسه أسطول أندلسي سنة أربع عشرة ومئتين الهجرية (829م)، فاشتدَّ ساعدهم، ومضوا في فتح الجزيرة وثغورها تباعاً، حتى أتموا افتتاح معظمها. وفي سنة أربع وستين ومئتين الهجرية (878م) فتح المسلمون (سرقوسة) آخر معاقل (صقلية)، فتمَّ لهم بذلك افتتاح الجزيرة وأسَّسوا إمارة كانت تابعة في البداية لحكومة (إفريقية)، ثم استقلَّت بعد ذلك عنها حينما سقطت دولة الأغالبة،

(1) معالم الإيمان 2/ 16؛ وفي العيون والحدائق في أخبار الحقائق 372: "في سنة (213هـ) مات أبو عبد الله أسد بن الفرات في شهر ربيع الآخر وهو محاصِر لسرقوسة ودُفن بالقرب منها، وقَبْرُه معروف إلى الساعة فيما ذكر من وقف عليه".

أما ابن خلدون في 4/ 198، فيذكر أنه توفي بالوباء، وكانت وفاته في قصر يانة (كاسترو جيوفاني Castro Giovanni) ، ونرجح الرواية الأولى، لأن أكثر المصادر تؤيدها، ولأن المعركة الكبرى كانت تدور حول (سرقوسة)، فمن المعقول أن يكون أسد - وهو القائد العام - على رأس جنوده في تلك المعركة، لا أن يبقى بعيداً عن ميدان القتال.

وانظر أيضاً: تاريخ قضاة الأندلس 54، فقد ورد فيه: "توفي رحمه الله في حصار (سرقوسة) في غزو (صقلية) وهو أمير الجيش وقاضيه، وذلك سنة (213هـ)؛ وانظر: رياض النفوس 1/ 173 الذي يؤيد وفاة أسد تحت أسوار (سرقوسة).

ص: 297

فقامت في (صقلية) دولة إسلامية لبثت زهاء قرنين في الجزيرة، حتى استعادها منهم الدوق رجار (روجيرو Ruggero) سنة أربع وستين وأربعمئة الهجرية (1072م)، فانتهت بذلك دولة الإسلام في صقلية كما ينتهي الحلم السعيد (1).

(1) انظر التفاصيل في ابن خلدون 4/ 199 - 200؛ وابن الأثير 6/ 115 - 116؛ وانظر المسلمون في صقلية 9 - 18، والعرب في صقلية 35 - 57؛ وتراجم إسلامية 134. ولكن آثار حضارة المسلمين لا تزال باقية حتى اليوم في (صقلية): في أسماء مدنها، وفي لغتها، وفي آثارها

إلخ.

ومن أمثلة آثار الحضارة الإسلامية في صقلية:

1 -

في أسماء مدنها:

أ) علقمة Alcamo.

ب) قلعة الجنون Caltaginon.

ج) وادي الطين Dittaino.

د) علقة Alga.

هـ) قلعة أبو شامة Puscemi.

و) قلعة أبي ثور Caltavuturo.

ز) خان القطاع Canicatti.

ح) مرسى علي Marala.

ط) منزل الأمير Misilmeri.

ي) تربيع Tarbia.

ك) قلعة البلوطة Caltbellotta.

ل) قلعة الفانوس Caltalfano.

م) فوارة Favara.

ن) مرسى الحمام Marzameni.

2-

في اللغة:

أ) خزانة Gasena.

ب) فكرونة (سلحفاة عند المغاربة) Fucuruna.

ج) حرارة Carara.

د) خنجر Canciaru.

هـ) فلان Filano.

و) خسارة Cassarao.

ز) حريري Careri.

ح) ضيقة Dica.

ط) ترصيع Tarsia

إلخ.

3 -

وقد نبغ من العلماء المسلمين في صقلية كثيرون كالمؤرخ علي بن القطاع، والجغرافي السيد الإدريسي، والأديب ابن ظفر، والشاعر ابن حمديس الذي قال: ذكرت (صقلية) والأسى يجدد للنفس تذكارها ولولا ملوحة ماء البكاء حسبت دموعي أنهارها

4 -

كما ترك المسلمون آثاراً واضحة في فن البناء لا تزال شاهدة حتى اليوم.

ص: 298