الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأمكنهم ما يريدون، فخرجوا إليه في مراكب كثيرة وقوة عظيمة (1) من القسطنطينية وجزيرة صقلية (2)، فأغاروا على (برقة) وأصابوا بها سبياً كثيراً وقتلوا ونهبوا. ووافق ذلك قدوم جيش زهير، فأمر عسكره بالمسير إلى الساحل طمعاً بأن يدرك سبي المسلمين فيستنقذهم. وأشرف على الروم، فإذا هم في خلق عظيم، فلم يقدر على الرجوع، وقد استغاث المسلمون به وصاحوا، والروم يدخلونهم المراكب، فنادى بأصحابه:"النزول"، فنزلوا، وكان أكثرهم من التابعين. ونزل الروم إليهم، وتلقَّوْهم بعدد عظيم، فالتحم القتال، وتكاثرت عليهم الروم، فقُتِل زهير وأشراف مَن كانوا معه من العرب (3)، ولم ينج منهم أحد، وعاد الروم بما غنموا إلى القسطنطينية (4).
10 - في الأندلس:
وفي رجب سنة اثنتين وتسعين الهجرية (نيسان - أبريل 711م) جهز موسى بن نصير (5) جيشاً من العرب والبربر تعداده سبعة آلاف مقاتل بقيادة طارق بن زياد (6)، فعبر البحر من مدينة (سبتة)، ونزل في المنطقة الصخرية التي لا تزال تحمل اسمه حتى اليوم، أعني: جبل طارق (7).
(1) البيان المغرب 1/ 21.
(2)
ابن الأثير 4/ 44.
(3)
البيان المغرب 1/ 21.
(4)
ابن الأثير 4/ 44.
(5)
انظر تفاصيل سيرته في: قادة فتح المغرب العربي 1/ 221 - 309.
(6)
سترد ترجمته في كتابنا: قادة فتح الأندلس والبحار.
(7)
نفح الطيب 2/ 216، والبيان المغرب 2/ 8، وهناك خلاف على الشهر الذي عبر فيه طارق.
فلما بلغ (لذريق (1) Rodrigo) ذلك - وكان قصد بعض الجهات البعيدة لغزوٍ له في بعض أعدائه - رجع عن مقصده في سبعين ألف فارس، ومعه العَجَلُ تحمل الأموال والمتاع، وهو على سريره بين دابتين، وعليه مظلة مكللة بالدر والياقوت والزبرجد. فلما بلغ طارقاً دنوّه قام في أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم حث المسلمين على الجهاد، ورغَّبهم فيه ثم قال: "أيها الناس! أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر. واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام. وقد استقبلكم عدوكم بجيشه وأسلحته، وأقواته موفورة، وأنتم لا وَزَرَ (2) لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات إلا ما تستخلصونه من أيدي عدوكم. وإن امتدت بكم الأيام على افتقاركم ولم تنجزوا لكم أمراً، ذهبت ريحكم، وتعوّضت القلوب من رُعبها منكم الجراءة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطاغية، فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة، وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت. وإني لم أُحذّركم أمراً أنا عنه بنجوةٍ، ولا حملتكم على خطة أرخص متاعٍ فيها النفوس إلا وأنا أبدأُ بنفسي. واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلاً، استمتعتم بالأرفه الألذ طويلاً، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي، فما حظكم فيه بأوفى من حظي. وقد بلغكم ما أنشأت هذه الجزيرة من الحور الحسان، من بنات
(1) ورد اسمه في الطبري 5/ 245: أدرينوق، وفي فتوح مصر والمغرب 279: لذريق، وفي ابن الأثير 4/ 213: رذريق، وفي ابن خلدون 4/ 117: لزريق، وفي اليعقوبي
3/ 29: أدلايق
…
إلخ.
(2)
الوزر: الملجأ والمعتصَم.