الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - محاولات الفتح الأولى:
ركَّز محمد الفاتح بعد تولِّيه السلطنة كلّ اهتمامه على فتح القسطنطينية، فكان أمر فتحها يشغل كلّ تفكيره ويسيطر على عقله وقلبه، فكأنَّه تولَّى منصبه لتحقيق هذا الهدف الحيويّ.
ومن المعروف أنَّ المسلمين اهتمُّوا كثيراً بفتح القسطنطينية منذ أيام الدولة الإسلامية الأولى، وقد حاول قسم من الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين وسلاطين بني عثمان قبل محمد الفاتح أن يفتحوا القسطنطينية، ولكنَّ محاولاتهم لم يُكتَب لها النجاح.
كانت أول محاولة للمسلمين لفتح القسطنطينية في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وذلك في أواخر سنة اثنتين وثلاثين الهجرية (653 م)، إذ قصدها جيشٌ بقيادة معاوية بن أبي سفيان أمير الشام يومئذٍ، فاخترق آسيا الصغرى حتى ضفاف البسفور. كما قصدها أسطول إسلامي بقيادة بُسْر بن أبي أرطاة لدعم الجيش الإسلامي البرّي، فتحرَّك من (طرابلس الغرب) صوب القسطنطينية ولكن هذه المحاولة لم تنجح (1).
وفي سنة أربع وأربعين الهجرية (664م) كانت الحملة الثانية في عهد معاوية بن أبي سفيان، ولكن هذه المحاولة لم تنجح أيضاً.
وفي سنة تسع وأربعين الهجرية (669م) أعاد معاوية الكرَّة لفتح القسطنطينية، فبعث جيشاً ضخماً بقيادة سفيان بن عوف ومعه يزيد بن معاوية وجماعة من أكابر الصحابة من المهاجرين والأنصار منهم
(1) ابن الأثير 3/ 50.
عبد الله بن العباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وأبو أيوب الأنصاري. وسار الأسطول الإسلامي بقيادة بُسر بن أبي أرطاة، واخترق مضيق الدردنيل دون مقاومة.
واستمرَّ حصار المدينة برّاً وبحراً سبعة أعوام دون جدوى، فانسحب المسلمون سنة ثمان وخمسين الهجرية (678 م) إلى قواعده (1).
وفي سنة ست وتسعين الهجرية (715 م) تولى الخلافة سليمان بن عبد الملك، فأعاد الكرَّة وانتدب أخاه مَسْلَمَة بن عبد الملك وأمره ألَاّ يبرح القسطنطينية حتى يفتحها أو يأتيه أمره. وسار مسلمة في أوائل سنة ثمان وتسعين الهجرية (716 م) مخترقاً هضاب الأناضول، وفتح عدَّة مدن وحصون للروم، ثم بدأ حصار القسطنطينية، فحاصرها ثانية في اليوم الثاني من محرَّم سنة تسع وتسعين الهجرية (15 آب - أغسطس - 717م)، ولكن لم تمضِ أسابيع قلائل على حصارها حتى توفي سليمان بن عبد الملك في العاشر من صفر سنة تسع وتسعين الهجرية (717م)، ودخل فصل الشتاء وكان شديد البرد، فانسحب مسلمة إلى ثغور الشام (2).
ولم تحاول الخلافة بعد ذلك أن تعمل جادَّة لافتتاح القسطنطينية، وإن كانت جيوشها قد اقتربت بعد ذلك غير مرَّة من هذه العاصمة.
وقد وقعت أشهر هذه الغزوات أيام الخليفة المهدي من بني العباس، حيث سار ولده هارون الرشيد في صيف سنة خمس وستين ومئة الهجرية (783م) غازياً للدولة البيزنطية، فاخترق هضاب الأناضول
(1) الطبري 2/ 86؛ وابن الأثير 3/ 175 و 181 و 182 و 186.
(2)
ابن الأثير 5/ 10.
حتى أشرف على ضفاف البسفور الآسيوية، وعسكر فوق تلال خريسوبوليس (أسكوتاري) في مواجهة القسطنطينية. وكان على عرش القياصرة يومئذٍ طفل هو قسطنطين السادس، ومقاليد الحكم بيد أمه الإمبراطورة إيريني (ريني)، فهزم المسلمون البيزنطيين هزيمةً نكراء، واضْطرَّت إيريني أن تعقد الصلح وأن تتعهَّد بدفع جزية سنوية للمسلمين (1).
وكانت أول محاولة للعثمانيين لفتح القسطنطينية في سنة ثمان وتسعين وسبعمئة الهجرية (1395 م)، ولكن وصول تيمورلنك إلى حدود الدولة العثمانية الشرقية اضطر السلطان (بايزيد) على التخلِّي عن الحصار (2).
وقد كانت القسطنطينية محطَّ أنظار العثمانيين ومعقد آمالهم، منذ بداية حكمهم، فأوصى السلطان عثمان مؤسس الدولة العثمانية خلفاءه بفتحها، فلم توفق السلاطين بعد عثمان في تحقيق هدفهم، حتى جاء السلطان محمد الفاتح، فكتب الله له أن يكون فاتح هذه المدينة العظيمة، ومن يومها حمل لقب: الفاتح.
وكما تعرَّضت القسطنطينية لمحاولات فتحها من المسلمين، تعرَّضت أيضاً عبر تاريخها الطويل لمحاولات غزوها من غير المسلمين، ولم تَسلَم حتى من الصليبيين؛ فقد تحوَّلت الحملة الصليبية الرابعة عن هدفها الأصلي وهو غزو بلاد المسلمين، فاحتلَّت القسطنطينية سنة
(1) انظر التفاصيل في: مواقف حاسمة 34 - 45.
(2)
محمد الفاتح 10.