الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عام (1967م)، انتظروا صدح البوق قبل دخول المدينة تنفيذاً لتعاليم التوراة.
وقد أطلقوا على خطة النفير التي طبقوها في حرب سنة (1967م): (خطة نفير سليمان)، وذكروا أنهم اقتبسوها من التوراة.
وحين هرّب الصهاينة ستة زوارق حربية من ميناء (شربورغ) يوم 26 كانون الأول (ديسمبر) سنة (1970م)، فلما وصلت سالمة إلى مدينة (حيفا) قال دايان: "إن الزوارق الستة التي أبحرت دون أسلحة ودون حراسة، واستطاعت التزود بالوقود في البحر
…
ذلك لأنها لم تكن مزودة بأربع محركات فحسب، بل وأيضاً بنعمة إلهية وبروح علوية
…
! وهذا ما أشار إليه الكتاب المقدس: (كانت الفوضى تعمُّ الأرض، وروح الله تشمل الماء) " (1).
تلك هي نبذة من أقوال زعماء إسرائيل، وذلك هو مبلغ تمسكهم
بالدين.
أما العرب!! أما المسلمون!!
(4)
ولست أستطيع أن أفهم، كيف يستسيغ عربي أو مسلم يتمتع بكامل عقله، ويدّعي الإخلاص لأمته، أن العقيدة الإسلامية تتناقض
(1) أهداف إسرائيل التوسعية في البلاد العربية، 91 - 92.
مع القيادة، وأنها لا تقود إلى النصر.
إن تعاليم الإسلام، تُعِدُّ المسلم ليكون جندياً متميزاً في جيش المسلمين، وتزوّده بإرادة القتال، وتكوّن جيشاً لا يُغلب من قلة أبداً.
وحين تمسّك المسلمون بهذه التعاليم، في حياة الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام وأيام الفتح الإسلامي العظيم، بهروا العالم بإنجازاتهم العسكرية الفذة، وثلُّوا عرش كسرى وزعزعوا عرش قيصر وحملوا رايات المسلمين شرقاً وغرباً من نصر حاسم إلى نصر حاسم.
وقد أثبت الباحثون المسلمون وغير المسلمين أيضاً، أن انتصارات المسلمين يومذاك كانت انتصارات عقيدة بدون أدنى شك.
وفي تاريخ المسلمين الطويل، بعد توقف الفتح الإسلامي العظيم، حدثت انتصارات محلية في دول معينة ومناطق معينة، بسبب عودة تلك الدول بشكل محدود ولمدة محدودة إلى التمسك بأهداب الدين الحنيف.
كما أن تاريخ الحرب العربي والإسلامي، أثبت بصورة قاطعة أن النصر والمجد كانا حليفين للقادة المتدينين، وأن الهزيمة والعار كانا حليفين للقادة غير المتدينين.
وحين ترك العرب والمسلمون روح تعاليم الإسلام واكتفوا بالمظاهر فقط، لم تنتصر لهم راية أبداً، وصدق الله العظيم:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد 13: 11]، وقال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الأنفال 8: 53].
ولم ينتصر جيش إلا وله (قضية) يدافع عنها ويؤمن أفراده بأنها تستحق أن يضحوا من أجلها بالروح، و (القضية) - كما يعبر عنها المحدثون - هي العقيدة الراسخة أو المصلحة العامة، أو هي العقيدة والمصلحة في آن واحد.
المسلمون الأولون مثلاً، كانت (القضية) التي حاربوا من أجلها، هي إعلاء كلمة الله، فكانت حروبهم من أجل العقيدة.
والحلفاء والمحور في الحرب العالمية الثانية، كانت (القضية) التي حاربوا من أجلها، هي مصالحهم القومية والوطنية.
وشتان بين حرب (العقيدة) وحرب (المصلحة): الأولى حرب عادلة، والثانية حرب غير عادلة.
وقد انتبه المؤرخ ابن خلدون إلى أهمية (العقيدة) بالنسبة للعرب، فقال في مقدمته:"إن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم"، وقد عقد في مقدمته فصلاً ضافياً لإثبات ذلك (1).
تلك حقائق معروفة، ولكنّ أعداء العرب والمسلمين يشوهون الحقائق، ليسهل عليهم السيطرة والاستغلال، لأنهم يعرفون أن الأمة بدون عقيدة لا تقوى على تحمل أعباء القتال، وتُؤْثِر الاستسلام مع الذل على الحرب مع العزة.
ولست ألوم أعداء العرب والمسلمين على حربهم الإسلام
(1) مقدمة ابن خلدون 1/ 226.
ومقاومتهم التمسك بتعاليمه ومعاداتهم المتقين الأخيار، لأنهم حريصون على مصالحهم في الوطن العربي والبلاد الإسلامية، حريصون على بقاء العرب والمسلمين ضعفاء لاحول لهم ولا قوة؛ وعودة العرب والمسلمين إلى الإسلام من جديد، يهدد مصالح أعدائهم ويقضي عليها قضاءً مبرماً.
ولكنني ألوم قسماً من العرب والمسلمين الذين يصدقون مزاعم أعداء أمتهم وعقيدتهم، ويعملون بسذاجة أو غباء أو خضوعاً للأيدي الخفية على إشاعة تلك المزاعم بين المواطنين.
بعد نكسة عام (1967م) تعالت أصوات عربية مريبة، تدَّعي بأن أسباب النكسة تمسك العرب بالدين، وبأن من أسباب النصر التخلي عن الدين.
وأصحاب هذه الأصوات المريبة، تسبغ على نفسها ألقاباً علمية تارة وشعارات براقة تارة أخرى!! وأتساءل: هل يجهل هؤلاء أن العرب تنكروا للدين منذ زمن بعيد؟ فكيف إذاً كان الدين من أسباب النكسة؟ وأتساءل: هل من الصدفة توقيت ترديد هذه المزاعم بعد النكسة مباشرة، أم هي الأيدي الخفية العميلة التي تدفع إلى ترديدها في مثل هذا الوقت بالذات؟ إن أمر هؤلاء المغرَّر بهم أو العملاء مكشوف، ولكن ياليت قومي يعلمون!