الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3)
لست بصدد سرد ما عانيته من عنت شديد في حياتي العسكرية لتمسكي بتعاليم الدين الحنيف.
ولكنني بصدد إبراز أمثلة حيّة ملموسة، تكشف عن واقع مرير.
والذي عانيته عاناه غيري في الجيوش العربية والإسلامية، فثبت قسم على مبادئه، وانهار قسم آخر أمام التيار الجارف العتيد.
إن الضابط المتدين لا يجد الطريق أمامه ممهَّداً للنجاح في حياته العسكرية، أما الضابط غير المتدين فالطريق أمامه ممهد مفتوح.
والضابط المتدين عليه أن يبهر الآخرين بعلمه وجهده، ويحاسب نفسه حساباً عسيراً عن كل عمل يعمله، حتى لا تؤخذ عليه (هفوة) عابرة صغيرة، فتضخم عليه وتصبح وصمة في سجله.
والضابط غير المتدين يحاسب غيره على هفوات مزعومة، لأن المجتمع العسكري يتغاضى عن سيئاته وقد يعتبرها حسنات.
والهدف من هذا البحث، تصحيح خطأ شائع بين العسكريين العرب والمسلمين: هو أن العسكرية تتناقض مع التدين، وأن العسكري المتميز لا يكون متديناً.
فالقاعدة عند هؤلاء أن يكون الضابط سكيراً عربيداً زير نساء، يرتاد الملاهي ويغشى نوادي الميسر؛ والاستثناء عندهم أن يكون الضابط تقياً نقياً، حمامة المسجد، يعف عن الحرمات، ويبتعد عن
الشبهات. وذلك هو الخطأ الشائع بين العسكريين العرب والمسلمين؛ وما أجسمه من خطأ، وما أخطر نتائجه على العرب والمسلمين!!.
والواقع أن التخلي عن العقيدة والتنكر للقيم الدينية، لم يقتصر على الضباط وحدهم، بل شمل أكثر الموظفين ومعظم الناس، وصدق الله العظيم:{وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ 34: 13]، وقال تعالى:{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف 12: 103].
ولكنّ نسبة المقبلين على المحرمات المدبرين عن الوازع الديني من الضباط، أكثر من نسبتهم في الموظفين المدنيين وأصناف الناس الآخرين.
كما أن أهمية الضباط باعتبارهم قادة الحاضر والمستقبل، خاصة في الأيام الحاسمة المصيرية وهي أيام الحروب، أكثر من أهمية غيرهم من
الناس.
فما علاقة العقيدة بالقيادة؟ وهل العقيدة من صفات القائد المنتصر؟.
ذلك ما سأعالجه بهذا البحث، لعله يعيد الأمور إلى نصابها، ويبدل بالخطأ الشائع الصواب النافع، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
أما بعد؛
فأعمق الشكر وأعظم التقدير لفضيلة أستاذنا الجليل الشيخ محمد أبو زهرة شيخ العلماء وعالم الشيوخ على مقدمته الضافية، وقد حرصت على إثباتها في الكتاب تقديراً لفضله وعلمه وشجاعته في الدفاع عن الإسلام، ثم هي رأي الدين الحنيف باعتباره من أكبر علماء
المسلمين في العصر الحديث في تقرير العلاقة الوثيقة بين العقيدة والقيادة.
والله كبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
وصلى الله على سيدي ومولاي رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين.
محمود شيت خطاب
العقيدة