المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الانحراف، وحتى يربي عناصر مفيدة قوية مؤمنة تفيد الأمة في - بين العقيدة والقيادة

[محمود شيت خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌مقَدمَة المؤلفْ

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌العقيدة والقيَادة

- ‌مَع التراث العَرَبي الإسْلَامي

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌(4)

- ‌مَع المشير مونتكومري

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌(4)

- ‌(5)

- ‌(6)

- ‌(7)

- ‌(8)

- ‌(9)

- ‌مَع القَادة الآخرين

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌الإسلام والنّصر

- ‌أثر الإسلام في العَربْ

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌(4)

- ‌الإسْلَام في مجَال التربيَة العَسكريَة

- ‌1 - التدريب الفردي

- ‌2 - التدريب الإجمالي

- ‌3 - الحرب العادلة:

- ‌4 - الحرب النفسية:

- ‌5 - عزَّة الإسلام:

- ‌التطبيق العملي في عهد النبوّة

- ‌مستهل

- ‌(1)

- ‌مع الرسول القائد عَليهِ أفضَل الصَّلاة وَالسّلام

- ‌في مَكّة المكَرّمَة

- ‌(1)

- ‌1 - الأهوال:

- ‌2 - الهجرة:

- ‌في المَدينَة المنوَّرة

- ‌1 - الأعمال التمهيدية:

- ‌2 - الجهاد الحاسم:

- ‌أ- في بدر:

- ‌ب- بعد بدر:

- ‌3 - القدوة الحسنة:

- ‌4 - المثال الرائع:

- ‌في مَكّة

- ‌1 - التعذيب:

- ‌2 - في الحبشة:

- ‌في المَدينَة

- ‌1 - المجتمع الجديد:

- ‌2 - في بدر:

- ‌3 - في أُحُد:

- ‌4 - كارثة الرجيع:

- ‌5 - يوم الأحزاب:

- ‌6 - محاسبة الغادرين:

- ‌7 - إخلاص الأنصار:

- ‌8 - يوم الحديبية:

- ‌9 - في مؤتة:

- ‌10 - اختبار العقيدة:

- ‌11 - الجهاد بالمال:

- ‌12 - خير القرون:

- ‌مع الصَّحَابة وَالتَابعين

- ‌1 - المخطط الأول للفتح:

- ‌2 - بعث أسامة:

- ‌3 - حرب الردة:

- ‌4 - في اليرموك:

- ‌5 - في معركة الجسر:

- ‌6 - في القادسية:

- ‌7 - في فتح المدائن:

- ‌8 - نماذج بطولية:

- ‌9 - في إفريقية:

- ‌10 - في الأندلس:

- ‌11 - انتصار عقيدة:

- ‌12 - المثال الشخصي:

- ‌التطبيق العملي بَعدَ الفَتْحِ الإسْلامي العَظيمْ

- ‌مستهل

- ‌1 - العالِم:

- ‌2 - الفاتح:

- ‌3 - الإنسان:

- ‌4 - القائد:

- ‌5 - أسد في التاريخ:

- ‌ 2 -صَلَاح الدّين الأيوبي قَاهر الصَليبيينَ ومحرّر بيت المقدسْ

- ‌1 - أيامه الأولى:

- ‌2 - الوزير:

- ‌3 - السلطان:

- ‌4 - في دمشق:

- ‌5 - معركة حطين:

- ‌6 - معارك استثمار الفوز:

- ‌7 - استعادة القدس:

- ‌8 - مجمل الفتح:

- ‌9 - الإنسان:

- ‌10 - في المصادر الأجنبية:

- ‌ 3 -المَلك المظَفَّر قطز قَاهر التَّتَار

- ‌1 - السلطان:

- ‌2 - الموقف العام:

- ‌3 - موقف أوروبا:

- ‌4 - زحف التتار:

- ‌5 - الحشد:

- ‌6 - المعركة:

- ‌7 - أسباب النصر:

- ‌8 - الشهيد:

- ‌ 4 -السلطان محَمَّد الفَاتح فَاتح القسطنطينيَّة

- ‌1 - أيامه الأولى:

- ‌2 - محاولات الفتح الأولى:

- ‌3 - أهمية القسطنطينية:

- ‌4 - آخر الأباطرة:

- ‌5 - نقض العهد:

- ‌6 - التمهيد للفتح:

- ‌8 - إكمال الإعداد:

- ‌9 - الزحف:

- ‌10 - الحصار:

- ‌11 - المناوشات:

- ‌12 - سفن البر:

- ‌13 - القتال البحري:

- ‌14 - تضييق الخناق:

- ‌15 - الحرب النفسية:

- ‌16 - اليأس:

- ‌17 - قبيل الهجوم العام:

- ‌18 - الهجوم العام:

- ‌19 - الفاتح في القسطنطينية:

- ‌20 - صدى الفتح:

- ‌21 - الفتوح:

- ‌22 - وقع النعي:

- ‌23 - الإنسان:

- ‌الخاتمة

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌(4)

- ‌(5)

- ‌أ) الفرد:

- ‌ب) الدولة:

- ‌المصادر

- ‌المَرَاجع

- ‌1 - المراجع العربية:

- ‌2 - المراجع التركية:

- ‌3 - المراجع الإنكليزية:

- ‌الفهرَس

الفصل: الانحراف، وحتى يربي عناصر مفيدة قوية مؤمنة تفيد الأمة في

الانحراف، وحتى يربي عناصر مفيدة قوية مؤمنة تفيد الأمة في حاضرها ومستقبلها - هذان الوالدان مقصران في حق نفسيهما، ومقصران في حق أولادهما، وخائنان لأمانتهما وجبانان.

والذي يدع عرضه نهباً لأعين الفسقة من الناس، ثم لا يأمر أولاده بسلك طريق الحشمة والعفاف، خائن وجبان وديوث.

ودعنا من حججهم الواهية ومعاذيرهم التافهة، فهم لا يستحقون غير التقريع والاحتقار.

‌ب) الدولة:

أولاً: إعادة النظر في إعداد مناهج تربية النشء العربي والإسلامي، وتطهيرها من المواد التي دسها المستعمرون والعملاء والمخربون فيها، ووضع مناهج تربوية جديدة على أسس مستمدة من تعاليم الدين الحنيف.

إن تفشي التردي الخلقي نتيجة للمناهج التربوية الملغومة، لا يخدم أحداً غير إسرائيل وأعداء العرب والمسلمين.

فلماذا نخرب بيوتنا بأيدينا؟.

إن إعداد (المعلم) إعداداً سليماً هو مفتاح الإصلاح التربوي، فلا بد من إعارة هذه الناحية الحيوية أعظم درجات الاهتمام.

يجب أن ندخل التعليم الديني في روضات أطفالنا ومدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا، وأن نعدّ مناهج هذا التعليم باستشارة علماء الدين الحنيف، فأهل مكة أدرى بشعابها.

ص: 538

لقد رأيت في سجون قاسم العراق ضباطاً من ذوي الرتب العالية ووزراء سابقين وموظفين كباراً لا يصلُّون.

وسألت أحدهم في يوم من الأيام، وكان محكوماً عليه بالإعدام شنقاً حتى الموت:"لماذا لا تصلي"؟! وأطرق الرجل ولم يُجب! وأعدت عليه الكرة مرات، وأخيراً قال لي بالحرف الواحد:"لا أعرف أصلي".

وعلمته الوضوء والصلاة خلال دقائق معدودات، ومن يومها أقبل على الصلاة بلهفة وشوق، وأصبح عابداً متبتلاً.

يجب أن يتعلم التلميذ والطالب كيف يؤدي فرائض الله في البيت، ويجب أن يتلقى تفاصيل تعاليم الدين في روضته ومدرسته ومعهده وجامعته، حتى يصبح متفقهاً في الدين يفيد نفسه ويفيد الآخرين.

ويجب أن ندخل في مناهجنا التعليمية حفظ أجزاء من القرآن الكريم، حتى نقوّم ألسنة التلاميذ والطلاب بالنطق العربي السليم، وحتى ننور قلوبهم بكلمات الله، وحتى يفيدهم ما حفظوه من الكتاب العزيز في الصلاة.

إن القرآن الكريم ليس كتاب المسلمين الأول فحسب، بل هو كتاب العربية الأول أيضاً، وحفظ القرآن الكريم أو أجزاء منه ينمّي ملكة ضبط الألفاظ العربية الفصحى والنطق بها.

ص: 539

وقد سئل الأب أنستانس ماري الكرملي عن سر إتقانه العربية الفصحى فقال: "لأنني أحفظ القرآن".

وما ذكره الكرملي، اعترف به بلغاء المسيحية.

ومن المؤسف حقاً، أن التعليم الديني حورب في البلاد العربية والإسلامية محاربة لا هوادة فيها من المستعمرين وأذنابهم، حتى تلاشى هذا التعليم أو كاد.

ومن المذهل حقاً أن قسماً من رجال التربية والتعليم العرب والمسلمين، بعد رحيل الاستعمار عن البلاد العربية والإسلامية، هم الذين ذبحوا التعليم الديني في المدارس والمعاهد والجامعات بغير سكين.

فهل يمكن أن نصدق أن ذلك جرى عفواً، أم أن الأيدي الخفية كانت وراء الأكمة، فسخَّرت التافهين والإمَّعات وأشباه الرجال والعملاء من رجال التعليم العرب والمسلمين لوضع مخططاتها التخريبية موضع التنفيذ في مناهج تربية النشء الجديد.

ثانياً: يجب إقامة المساجد في كل مدرسة ومعهد وكلية، وحث التلاميذ والطلاب على أداء فريضة الصلاة.

إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهل ذلك يضر بالمصلحة العامة؟ وقد دأب التلاميذ والطلاب على القيام بسفرات داخلية وخارجية، وهذا حسن جداً لفوائد الأسفار في تنمية المعلومات

ص: 540

والتجارب الشخصية، ولكن لماذا لا نقوم بسفرات إلى الديار المقدسة لأداء فريضة الحج والعمرة، ولو مرة واحدة في القطر كله في كل عام؟؟ أليس من الغريب أن يشرّق التلاميذ والطلاب ويغرّبوا في سفراتهم المتعددة الكثيرة، ولا يزوروا الديار المقدسة للحج والعمرة؟! لقد سافرت إلى الحج حين كنت في السنة الثالثة من المدرسة المتوسطة (1) وكنت يومها في الخامسة عشرة من عمري، مع جماعة من التلاميذ والمدرسين والأساتذة ورجال التعليم في العراق، بمناسبة افتتاح الطريق البري (طريق بغداد - النجف - حائل - المدينة المنورة - مكة الكرمة) عام (1935م)، وهو الطريق البري القديم الذي يسمى بطريق: السيدة زبيدة زوج الخليفة هارون الرشيد والذي هجر بعد سقوط مدينة بغداد بيد التتار بقيادة هولاكو، فأثَّر سفري إلى الديار المقدسة في نفسي تأثيراً لا تمحوه الأيام، ووجّهني إلى طريق الخير والسداد والنور، وكان تأثيره ولا يزال في نفسي عظيماً.

فلماذا لا نكرر هذه التجربة على أكبر عدد ممكن من التلاميذ والطلاب والأساتذة والمدرسين ورجال التعليم وغيرهم؟؟!!.

ثالثاً: إن مناهج التربية والتعليم في البلاد العربية والإسلامية قد وضعت من خبراء الاستعمار المختصين في التربية القائمة على أساس علم النفس من أجل تحقيق المصالح المادية للمستعمرين، فكوَّنوا الأجهزة التربوية التي تنهض بهذا الهدف التخريبي، بحيث ينشأ الطفل

(1) هي المدرسة الإعدادية كما يطلق عليها في مصر.

ص: 541

والشاب العربي المسلم مسلوباً من كل المقومات الثقافية التي تتعارض مع مصالح الاستعمار.

وحين رحل المستدمر إلى غير رجعة بإذن الله، ورثت البلاد العربية والإسلامية هذه المناهج التربوية المريبة وهذه الأجهزة التي وضعها الاستعمار لتنفيذها، من دون أي تصفية أو مراجعة جوهرية، فبقي التعليم الموروث من عهد الاستعمار يؤدي وظيفته كما كان يؤديها في عهد المستعمرين، أي أنه لا يزال يُكوِّن جيلاً مسلوباً من قيمه الأصلية الضرورية لتكوين الشخصية العربية والإسلامية المتميزة.

هل يصدق عاقل أن مناهجنا التربوية لا تزال حتى اليوم تحتوي على مواد تشوِّه تاريخنا وتشكِّك في عقيدتنا؟ ولمصلحة مَنْ يبقى هذا التشويه والتشكيك حتى اليوم؟ لا بد من عقد مؤتمرات لرجال التربية والتعليم (المخلصين) في كل بلد عربي وإسلامي، لتطهير مناهج التعليم من الفساد، وعقد مؤتمر شامل في نطاق الدول العربية والإسلامية على أساس تلك الدراسات المحلية أو القطرية، لتوحيد الثقافة العربية الإسلامية من جهة، ولتكون هذه المناهج التعليمية قادرة على بناء الشخصية العربية الإسلامية المتميزة الصالحة للقيام برسالتها المنشئة البنَّاءة في القرن العشرين.

وبهذا نكون قد أنقذنا الشخصية العربية الإسلامية من التميع والضياع.

كتب المرحوم الفريق الأول الركن طه الهاشمي الذي كان رئيساً

ص: 542

لأركان الجيش العراقي، ثم تقلد منصب رئيس وزراء العراق - كتب في مذكراته يقول: "بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها بسقوط الدولة العثمانية، عاد الضباط العراقيون الذين كانوا يعملون في جيش العثمانيين إلى العراق.

وحين تأسس الجيش العراقي في أول العشرينات من هذا القرن، طالب أولئك الضباط بتعيينهم في ذلك الجيش الجديد.

وكان الإنكليز قد استعمروا العراق، وكانو مسيطرين سيطرة كاملة على كل مرافقه ومؤسساته، ومنها الجيش.

وعارض الموظف المسؤول في السفارة البريطانية ببغداد أمر تعيين أولئك الضباط في الجيش العراقي الجديد، وكان سبب معارضته أن أولئك الضباط العراقيين على جانب عظيم من الإخلاص، فهو يخشى أن يربوا الضباط والجنود الجدد تربية صالحة تجعلهم في النهاية يتنكرون للاستعمار.

ولكن المس (بيل) التي كانت من أركان السفارة البريطانية حين ذاك قالت للموظف البريطاني المعارض: لا تخش من هؤلاء الضباط، لأن خبراءنا في التربية والتعليم قد وضعوا المناهج التربوية التي تذيب الشخصية العربية الإسلامية، وتجعل من المتعلمين موظفي مكاتب لا مجاهدين".

فإذا كان هناك مسوِّغ لوضع هذه المناهج لتحقيق هذا الهدف للاستعمار، فما المسوغ للحرص على بقائها في عهد الاستقلال؟! إني أطالب المسؤولين في وزارات التربية والتعليم العربية

ص: 543

والإسلامية بموازنة المناهج التربوية التي وضعها المستعمرون، بالمناهج التربوية التي لا تزال سائدة في وزاراتهم إلى اليوم، ليروا أن الفروق بين المناهج الأولى والثانية لا تكاد تذكر، أو أنها باقية على شكلها القديم نصاً وروحاً، أو أنها تغيرت تغيرات طفيفة لا تُسمن ولا تغني من جوع، أو أنها تبدلت إلى الأسوأ - وهنا تسكب العَبَرات

!

هذا هو الواقع الذي هو أغرب من الخيال.

رابعاً: يقتضي مراقبة تصرفات الأطفال في روضة الأطفال والتلاميذ في المدارس والطلاب في المعاهد والجامعات، كما يقتضي مراقبة تصرفات المدرسين والأساتذة والموظفين والضباط والجنود، لوضع حد بكل حزم للانحراف والمنحرفين أخلاقياً.

إن الحرية التي بدون قيود هي (الفوضى)، والحرية الحقة هي التصرف في إطار الفضيلة والنزاهة والخلق الكريم.

أما التصرف في إطار الرذيلة والانحلال باسم الحرية والتحرر، فذلك من مصلحة إسرائيل ومَنْ وراء إسرائيل من أعداء العرب والمسلمين.

إن عقلاء الأجانب ومفكريهم يبدون أعمق الأسف والأسى لانحلال شبابهم خُلُقياً نتيجة لحرية الرذيلة، مما أدى إلى تفسخ الأسر وزيادة نسبة الطلاق وإحجام الشباب عن الزواج.

فلماذا نستورد الانحلال من وراء الحدود باسم التمدن والحرية

إلى آخره من النعوت والمسميات والشعارات؟!

ص: 544

إن الصهيونية العالمية وراء إشاعة الفحشاء بين الناس، وهي تركز على إشاعتها بين العرب والمسلمين بخاصة لكي يسهل عليها تحقيق أطماعها التوسعية في البلاد العربية: من النيل إلى الفرات.

ومتى شاعت الفاحشة في أمة فاقرأ على حاضرها ومستقبلها السلام.

لابدَّ من رسم الخطط الكفيلة لوضع حد حاسم للانهيار الخلقي إذا أردنا حقاً خدمة أمتنا وبلادنا، فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت، وإلا فالأمة بدون أخلاق غثاء كغثاء السيل لا قيمة لها ولا وزن، ولا تنجح في سِلْم ولا تنتصر في حرب.

خامساً: على الدولة أن تشجع الفضيلة وتحارب الرذيلة، ولعل من أنجع وسائل الدولة للقضاء على المنكر والحث على المعروف، تولية الملتزمين بالفضيلة والدين مقاليد الأمور حتى يكونوا أسوة حسنة لغيرهم.

وهناك آراء متعددة في رذائل الاستعمار والمستعمرين، ولكنني أرى أنَّ أقبح تلك الرذائل هو أن المستعمرين ولّوا مقاليد الأمور أراذل القوم المستعبَدين وأغدقوا عليهم المناصب والجاه والمال والترف، فقلد هؤلاء الأراذل غيرهم من ضعفاء النفوس، فشاعت الرذيلة وانحسرت الفضيلة وقلَّ الإحسان.

لقد أتى على العرب والمسلمين حينٌ من الدهر في عهد الاستعمار، اعتقدوا فيه أنَّ السبيل الوحيد للتقدم في معارج المناصب الحكومية هو الانحلال والفساد، وهذا هو في نظري أفدح كوارث الاستعمار.

ص: 545

ولست أخشى على أمة تتمسك بالفضيلة من أن تهون أو تضعف، ولكن الخشية على أمة لا أخلاق لها.

على الدولة أن تمنع الخمور في حفلاتها الرسمية تمهيداً لمنعها نهائياً، وشكراً للثورة الليبية التي منعت الخمور في بلادها وحرَّمت البغاء العلني، فقد سلكت طريق الحق والصواب، وأدت واجبها للشعب والبلاد. وشكراً لكل بلد عربي وإسلامي لا خمور فيه ولا بغاء، لأن البلد العربي الذي يحمي هذه الفاسد ليس عربياً ولا مسلماً.

وعسى أن تكون الثورة الليبية رائدة للدول العربية والإسلامية في إحقاق الحق وإزهاق الباطل.

وعلى الدول أن تمنع استيراد الأفلام الخليعة، وأن تمنع عرض التمثيليات اللا أخلاقية في الإذاعة المرئية ونقلها في الإذاعة المسموعة، وأن تمنع مجلات الجنس وقصص المخدع.

لقد نقلنا المراقص الخليعة بالإذاعة المرئية في كل منزل، فالله

الله

في أخلاق أولادنا وشبابنا.

سادساً: على الدولة اختيار أبرز العلماء العاملين للنهوض بواجب التوعية الدينية في الإذاعة والصحافة وأجهزة الإعلام الأخرى، وفي المساجد والنوادي والمدارس والمعاهد والجامعات وقاعات المحاضرات والجمعيات والنقابات.

كما يجب إعداد جدول محاضرات متسلسلة يلقيها هؤلاء العلماء العاملون في المدارس والكليات والوحدات والتشكيلات العسكرية.

وعلى الدولة أن تعرف للعلماء العاملين حقهم ومكانتهم، وأن

ص: 546

تفسح لهم المجال للنهوض بواجباتهم الدينية بين مختلف قطاعات الشعب وبمختلف الوسائل الإعلامية وفي شتى الظروف والمناسبات.

لقد كان للعلماء العاملين تاريخ مجيد في إذكاء الروح المعنوية وتطهير النفوس والتحريض على الجهاد، ومن المعروف أن ثورة عام (1919 م) في مصر تفجرت من الأزهر الشريف، وثورة عام (1921 م) في العراق قادها العلماء الأعلام، وثورة ليبيا ضد الطليان قادها المجاهدون الصادقون، وثورة تونس تفجرت من (الزيتونة)، وثورة المغرب تفجرت من (القرويين)، وثورة الجزائر فجرتها جمعية العلماء الجزائرية.

فمتى تعود للعلماء العاملين مكانتهم، ومتى يعودون لقيادة المجاهدين؟؟

ولكي يفرض العلماء العاملون أنفسهم على الأحداث العربية والإسلامية، لا بد لهم من جانبهم أن يضاعفوا نشاطهم العلمي والعملي كما فعل أسلافهم من قبل.

وكمثال على نشاطهم العلمي المرتقب، أن يعالجوا قضايا العصر - وما أكثرها - ووضع الحلول الدينية المناسبة لها، لإبراز أثر الدين في الحياة.

وكمثال على نشاطهم العملي المرتقب، أن يتقدموا الصفوف جهاداً بالأموال والأنفس في سبيل الله، وأن يتكلموا بالدم لإعلاء كلمة الله، وألا يقتصروا على الكلام بالكلمات.

مرة ثانية!

ص: 547

ما أحوجنا اليوم إلى علماء عاملين كأسد بن الفرات والعز بن عبد السلام وابن تيمية وآق شمس الدين

سابعاً: على المسؤولين عن اختيار طلاب الكليات العسكرية وتلاميذ المدارس العسكرية، التدقيق الشديد على اختيار العناصر المؤمنة القوية الأمينة، وعدم اختيار غير الملتزمين بالخلق المتين وتعاليم الدين الحنيف.

ومن المعروف أن هناك شروطاً عقلية وبدنية لاختيار التلاميذ والطلاب العسكريين.

فهل نتوقع من المسؤولين أن يضيفوا إلى تلك الشروط العقلية والبدنية شروطاً أخلاقية ودينية؟

لئن فعلوا لَيَتَكوَّننّ لدينا نواة لجيش لا يغلب أبداً.

كما يجب اختيار الضباط المتدينين من ذوي الكفايات العسكرية العالية، ليكونوا ضباطاً مدربين ومعلمين في المدارس العسكرية، لأن هؤلاء الضباط سيطبعون التلاميذ والطلاب العسكريين بطابعهم ويكونون قدوة حسنة لهم.

كما يجب إقامة الشعائر الدينية في المدارس والكليات العسكرية، وإدخال محاضرات دينية لها مساس بالقضايا العسكرية (الشهيد في الإسلام - عقاب المتخلفين في الإسلام - الحرب الإجماعية في الإسلام - الجهاد - إرادة القتال في الإسلام - الكتمان في الإسلام - الإسلام والحرب النفسية - أثر الإسلام في إحراز النصر - تاريخ الرسول القائد

ص: 548

عليه أفضل الصلاة والسلام - معارك الفتح الإسلامي - قادة الفتح الإسلامي

إلخ).

ومن المهم تشييد مسجد في كل مدرسة وكلية عسكرية، وتعيين إمام من العلماء العاملين لهذا المسجد، ينهض بإقامة الشعائر الدينية وإلقاء المحاضرات الدينية، ويرشد التلاميذ والطلاب إلى أمور دينهم.

ثامناً: يجب حث العسكريين كافة على إقامة الصلاة وأداء الفرائض الدينية الأخرى.

كما يجب إقامة المساجد في الثكنات والمعسكرات والوحدات والتشكيلات.

ومن الضروري منع الخمر والميسر منعاً صارماً في المعسكرات والثكنات ونوادي الضباط.

ولابد من (إمام) في كل وحدة عسكرية وفي كل ثكنة ومعسكر دائمي، لقيادة العسكريين من الناحية الدينية.

وألفت الأنظار إلى أهمية اختيار أئمة الجيش من بين العلماء العاملين، لا من بين العلماء المتعطلين.

إن (الإمام) يستطيع أن يفعل الكثير في ميدان الإرشاد الديني إذا أراد أن يفعل وكانت له قابلية علمية رصينة وهِمَّة للعمل ورغبة في الخدمة.

تاسعاً: من الضروري إجراء المسابقات الدينية بين العسكريين، كإتقان تلاوة القرآن الكريم وإتقان حفظه أو حفظ أجزاء منه،

ص: 549

والتفسير، وحفظ مختارات من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي لها صلة بالأخلاق والجهاد؛ وإعداد المحاضرات الدينية وإلقائها، وإلقاء محاضرات عن سيرة الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام ومعارك الفتح وقادته

إلخ.

وأقترح أن يوفد المتفوقون سنوياً لأداء فريضة الحج على نفقة الجيش مكافأةً لهم على تفوقهم.

إن مثل هذه المسابقات وتقديم المكافآت التشجيعية، تدفع العسكريين على إتقان العلوم الدينية والتاريخية، وترفع المعنويات إلى عنان السماء.

تلك مقترحات على النطاقين الفردي والحكومي، آمل أن تصل إلى أسماع العرب والمسلمين في كل مكان أفراداً وحكومات، وآمل أن يعملوا جميعاً على وضعها في حيز التنفيذ العملي.

(6)

ما أعظم قولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لجيوشه: "أَخْوَفُ ما أخاف عليكم ذُنُوبَكم".

لقد كان لا يخشى على الجيوش الإسلامية الزاحفة المنتصرة جيوش الإمبراطوريتين الساسانية والبيزنطية، ولكنه كان يخشى عليها من ذنوب المقاتلين، لأنه كان يعلم حق العلم أن المسلمين لم ينتصروا بعَدد ولا عُدد، فأعداؤهم متفوقون عليهم عدداً وعُدداً، ولكنهم انتصروا بمُثُلِهم العليا النابعة من صميم تعاليم الإسلام.

ص: 550

ومن أقواله - عمر بن الخطاب - رضي الله عنه: "اخشوشنوا، فإن الترف يزيل النعم".

إن الانغماس في الترف هو الذي أدى إلى انهيار اليونان والرومان والبيزنطيين والفرس وأدى إلى انهيار العرب والمسلمين.

والترف يؤدي دائماً إلى انهيار الدول والأمم، كما يؤدي إلى انهيار الأفراد والجماعات.

فكيف إذا كان مع الترف الانحلال الخُلُقي والتفسخ والابتعاد عن المُثُل العليا والدين؟!

لا بد من عودة العرب والمسلمين إلى أخلاقهم المحاربة ومثلهم العليا وإلى الدين، ليستعيدوا مكانتهم بين الأمم ويستردوا حقوقهم المغتصبة في الأرض المقدسة.

إني لأعلم علم اليقين، أن القائد الملوّث جنسياً أو الملوّث جيبياً، لا يمكن أن يقود إلى النصر.

وأعلم علم اليقين، أن الجندي الملوّث جنسياً أو الملوّث جيبياً، لا يمكن أن يقاتل كما تقاتل الرجال.

وأعلم علم اليقين، أن الموظف الملوّث جنسياً أو الملوّث جيبياً، لا يأتي بخير ولا يرجى منه خير.

وما يقال عن الضابط والجندي والموظف، يقال عن صنوف الناس كافة بدون استثناء.

وواقعنا المرير، خير دليل على ما أقول.

ص: 551

أما بعد:

فقد كنت أشعر شعوراً عميقاً بأن إظهار هذه الحقائق بصراحة ما بعدها صراحة (أمانة) في عنقي، عليّ واجب إبرازها لشعبي العربي وأمتي الإسلامية.

إن نفوس العرب مئة مليون أو يزيدون، ونفوس المسلمين سبعمئة مليون أو يزيدون.

ولكن العرب والمسلمين تخلوا عن روح الإسلام، وتمسكوا بمظاهره، فتداعت عليهم الأمم، وأصبحوا منهباً لكل طامع وغنيمة لكل مستعمر.

وليست قوة الأمم بكثرة نفوسها، ولكن بمتانة مثلها العليا. ولم يكن العرب المسلمون أكثر من الروم والفرس في الصدر الأول للإسلام، ولكنهم غلبوا الروم والفرس بمبادئهم لا بكثرتهم.

وصدق الله العظيم: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللََّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ 40 الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحجر 22: 40 - 41].

ذلك هو طريق النصر وأسلوب تحقيقه، فهل نسلك الطريق ونطبِّق الأسلوب لنحقق النصر، أو لا نزال بحاجة إلى كثير من النكسات والنكبات؟!

والله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً. وصلى الله على سيدي ومولاي رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

***

ص: 552

المصادر والمراجع

ص: 553