الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأماتت معناه في نفوسهنّ بقصر الإرادة منهنّ على هذه الثلاثة: الله في أمره ونهيه، والرسول في شدائده ومكابدته، والدار الآخرة في تكاليفها ومكارهها؛ فليس هناك ظرف ولا رقة ولا عاطفة ولا سياسة لطبيعة المرأة، ولا اعتبار لمزاجها، ولا زلفى لأنوثتها، بل هو تخيير بين ضدين لا تتلوَّن بينهما حالة تكون منهما معاً" (1).
ج) وأخيراً مات النبي صلى الله عليه وسلم متأثراً بالسم ذي المفعول البطيء، فقد أهدت امرأة من يهود (خَيبر) شاة مسمومة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأكل منها وأكل بعض مَنْ كان معه من أصحابه، وفيهم بشر بن البراء بن معرور، فمات بشر. واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل ذلك الذي أكل، وأمر أصحابه فاحتجموا أوساط رؤوسهم. وعاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ثلاث سنين، حتى كان وجعه الذي قبض فيه، فجعل يقول في مرضه:"ما زلتُ أجد من الأكلة التي أكلتها يوم (خيبر) عِداداً، حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري"(2). فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيداً صلوات الله عليه ورحمته وبركاته ورضوانه (3).
4 - المثال الرائع:
لقد تحمَّل الأذى والتعذيب والتكذيب والمقاطعة والاضطهاد والمطاردة، وهو الشريف الصادق الأمين الذي كان بإمكانه أن يعيش عزيزاً مكرّماً.
(1) مصطفى صادق الرافعي - وحي القلم - مقال: درس من النبوة 2/ 64 - 65.
(2)
الأبهر: عرق في الظهر.
(3)
طبقات ابن سعد 2/ 202 - 203.
واستهان بالوعد والوعيد والمال والمجد، وصبر على شَظَف العيش والجوع والعري والمشقة، وهو القوي الأمين، السيد الثري، الذي كان بإمكانه أن يعيش مصاناً مترفاً.
وقاتل قومه وقبيلته، وعادى من عادى الإسلام وسالم من سالمه، وعرّض نفسه للموت في ساحات القتال مجاهداً (1)، وخارج ميدان الوغى داعياً، وضحى بالأقربين من أهله وبنفسه، وتحمَّل المسؤوليات الجسام التي تنوء بحملها العصبة أولو القوّة من أفذاذ الرجال، واستأثر لنفسه بالأخطار، وآثر رجاله بالأمن، وهو البَر الرحيم الذي كان بإمكانه أن يعيش مرفّهاً بعيداً عن الأخطار.
إنه كان تجسيداً حياً لتعاليم الإسلام عقيدة وعملاً، وتضحية وفداء، وجهاداً بالمال والنفس في سبيل الله، فهو الأسوة الحسنة الباقية أبداً للمسلمين في كل زمان ومكان:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [سورة الأحزاب 33: 21].
إنه كان مثالاً حياً للخلق الكريم: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ 4} [سورة ن 68: 4]، والإسلام في حقيقته وروحه عقيدة وعمل، وتضحية وفداء، وجهاد بالأموال والأنفس، وكلها في جملتها وتفصيلها معنى من معاني الخلق العظيم.
(1) قاد النبي صلى الله عليه وسلم ثمان وعشرين غزوة، وقد نشب القتال بين المسلمين الذين بقيادته وبين المشركين ويهود في تسع غزوات، بينما فرَّ المشركون في تسع عشرة غزوة من تلك الغزوات بدون قتال. انظر التفاصيل في:(الرسول القائد)، ص 423 - 424.
يالله
…
! أيبذل بشر من ذات نفسه ووقته وجهده مثل هذا البذل؟!.
أيضحي إنسان بماله ونفسه وأهله وقومه مثل هذه التضحية؟!.
أيجاهد رجل بما يملك من مال ونفس وغال ورخيص مثل هذا الجهاد؟!.
أيستطيع أحد أن يتحمل كل هذا البذل والتضحية والجهاد؟!.
إن المرء حين يستوعب هذه (الأمثلة) الرائعة المذهلة من بذله وتضحيته وجهاده، يكاد يصعق بروعتها وبهائها وجلالها، فكيف به لو استوعب كل تفاصيل ما بذله من تضحية وجهاد في سبيل الله؟؟.
لقد تأسى أصحابه عليهم رضوان الله به في حياته وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، فكيف كان ذلك؟؟
***
مع الصحابة