الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على المسلمين، فرغَّبه جماعة من أتباعه في الهرب، ولكنه لم يستمع إليهم وقال:"لا مفرَّ من الموت هنا، فالموت مع العزة والشرف خيرٌ من الهرب مع الذلِّ والهوان".
ورغم أن جنوده تركوه، فقد ظلَّ يقاتل حتى قُتِل.
وفي رواية أخرى أن جواده كبا به، فأسره المسلمون. وكانت هناك مزرعة للقصب بالقرب من ساحة القتال، فاختفى فيها فوجٌ من التتار، فأمر قطز جنوده بأن يضرموا النار في تلك المزرعة وأحرقوا فوج التتار جميعاً.
وبدأ المسلمون فوراً بمطاردة التتار، كما طاردهم المسلمون
الذين لم يكونوا من جيش قطز، حتى دخل قطز (دمشق) في أواخر شهر رمضان المبارك، فاستقبله أهلها بالابتهاج.
وامتدَّت المطاردة السريعة إلى قرب مدينة (حلب)، فلما شعر التتار باقتراب المسلمين منهم تركوا ما كان بأيديهم من أسارى المسلمين، ورموا أولادهم فتخطَّفهم الناس وقاسوا من البلاء ما يستحقونه (1).
7 - أسباب النصر:
يجدر بنا أن نتوقَّف قليلاً لمعرفة أسباب انتصار قطز على التتار.
(1) انظر التفاصيل في: النجوم الزاهرة 7/ 78 - 82؛ وجوامع التواريخ (تاريخ المغول) - المجلَّد الثاني - الجزء الأول من الترجمة العربية 312 - 314؛ ومواقف حاسمة 166 - 167؛ والجيش المصري في العصر الإسلامي 2/ 74 - 77؛ ومقال في مجلة
العربي - العدد (151) عن المغول والإسلام للدكتور حسين مؤنس.
إنَّ كل الحسابات العسكرية تجعل النصر إلى جانب التتار بدون أدنى شك.
أولاً: كان لقادة التتار تجارب طويلة في الحروب، ولم تكن لقطز وقادته مثل تجارب قادة التتار ولا ما يقاربها.
والقائد المجرِّب أفضل من القائد غير المجرِّب قطعاً.
ثانياً: كانت معنويات التتار قادةً وجنوداً عالية جداً، لأنهم تقدَّموا من نصر إلى نصر، ولم تُهزم لهم راية من قبل أبداً.
وكانت معنويات قادة قطز وجنوده منهارة، وقد خرج أكثر القادة كُرهاً.
وقد استغلَّ التتار حرب الأعصاب، فكانوا ينتصرون بالرعب، مما يؤثر في معنويات أعدائهم.
والجيش الذي يتحلَّى بالمعنويات العالية، ينتصر على الجيش الذي تكون معنوياته منهارة.
ثالثاً: كانت كفاية جيش التتار متفوقة فواقاً كاسحاً على كفاية جيش قطز، لأن جيش التتار خاض معارك كثيرة، لذلك كانت تجربته العملية على فنون القتال باهرة إلى أبعد الحدود.
أما جيش قطز؛ فقليل التجربة العملية، قليل التدريب.
والجيش الذي يتحلَّى بالكفاية - خاصة في ميدان التدريب العملي ينتصر على الجيش الذي لا كفاية عملية لديه.
رابعاً: كان جيش التتار متفوقاً على جيش قطز عدداً وعُدَداً، وقد ازداد تعداد جيش التتار بالذين التحقوا بهم من المواليد والمرتزقة والصليبيين بعد احتلال أرض الشام.
والتفوُّق بالعدد والعُدد من عوامل إحراز النصر.
خامساً: كان جيش التتار يتميَّز بفرسانه المدرَّبين، وكان تعداد فرسانه كبيراً، مما ييسِّر له سرعة الحركة، ويؤدي إلى تطبيق حرب الصاعقة التي كانت من سمات حرب التتار.
والجيش الذي يتحلَّى بسرعة الحركة يتغلَّب على الجيش الذي لا يتحلَّى بهذه المزية.
سادساً: كانت مواضع جيش التتار في (عين جالوت) أفضل من مواضع الجيش المصري، لأنَّ تلك المواضع كانت محتَلَّة من التتار قبل وصول الجيش المصري إلى المنطقة حيث كانت تحت سيطرتهم. وللأرض أثرٌ عظيمٌ في إحراز النصر.
سابعاً: كان جيش التتار متفوِّقاً على جيش قطز في قضاياه الإدارية، إذ كان يستند على قواعده القريبة في أرض الشام، وهي التي استولى عليها واستثمر خيراتها. بينما كانت قواعد الجيش المصري الإدارية بعيدة عنه، لأنه كان يعتمد على مصر وحدها في إعاشته، والمسافة بين مصر و (عين جالوت) طويلة، خاصة في تلك الأيام التي كانت القضايا الإدارية تُنقل على الدواب والجمال مخترقة الصحارى والقفار.
هذا التفوُّق الساحق الذي كان بجانب التتار، له نتيجة متوقَّعة واحدة، هي إحراز النصر على الجيش المصري أسوة بانتصاراتهم الباهرة على الروم والفرس والعرب والأمم الأخرى في زحفهم المظفر الطويل.
ولكن الجيش المصري انتصر على جيش التتار، فكيف حدث ذلك؟ أولاً: قدَّم شيوخ مصر وعلى رأسهم العز بن عبد السلام إرشاداتهم الدينية لقطز، فنفذها بكل أمانة وإخلاص، وأمر رجاله بالمعروف ونهاهم عن المنكر، فخرج الجيش من مصر تائباً منيباً طاهراً من الذنوب.
وكان على رأس المجاهدين: القادرون من شيوخ مصر على السفر وحمل السلاح وتحمُّل أعباء الجهاد.
ثانياً: قيادة قطز الذي كان يتحلَّى بإرادة القتال بأجلى مظاهرها، فكان مصمِّماً على قتال التتار مهما تحمَّل من مشاق وتضحيات وصعاب.
ولعل إصراره على مهاجمة التتار خارج مصر، وعدم بقائه في مصر، واختياره الهجوم دون الدفاع، واستبعاده خطة الدفاع، هو الذي جعل رجاله قادةً وجنوداً في موقف لا يؤدِّي إلَاّ إلى الموت أو النصر، ممَّا جعلهم يستقتلون في الحرب، لأنه لم يكن أمامهم في حالة الهزيمة غير الفناء.
ثالثاً: إيمان قطز بالله واعتماده عليه، وإيمان المتطوِّعين من