الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
برجله، فألقاه على الأرض، ووقف فوقه فمات شهيداً. ورأى الناس قائدهم صريعاً، فاستقتلوا وأعملوا سيوفهم في الفيل حتى قتلوه، ثم تتابع سبعة رجال من ثقيف قوم أبي عبيد بن مسعود الثقفي، كلهم يأخذ الراية ويقاتل حتى يموت؛ حتى أخذ الراية المثنى بن حارثة الشيباني (1)، فوقف واللواء بيده ينادي:"يا أيها الناس! دونكم فاعبروا"، ولكنّ عبد الله بن مرثد الثقفي قطع الجسر قائلاً: "يا أيها الناس! موتوا على ما مات عليه أُمراؤكم
…
أو نظفر" (2).
وأخيراً استطاع المثنى ترتيب انسحاب المسلمين بعد تكبدهم خسائر فادحة بالأرواح، وتعتبر خطة انسحاب المثنى مثالاً رائعاً لخطط الانسحاب في تاريخ الحرب كله.
6 - في القادسية:
أ) وفي معركة (القادسية) قالت امرأة من (النخع) لبنيها الأربعة الذين شهدوا المعركة: "إنكم أسلمتم فلم تبدّلوا، وهاجرتم فلم تُثْرِبوا، ولم تَنْبُ بكم البلاد، ولم تقحمكم ألسنة؛ ثم جئتم بأمكم عجوز كبيرة فوضعتموها بين يدي أهل فارس
…
والله إنكم لبنو رجل واحد، كما إنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت حالكم
…
انطلقوا فاشهدوا أول القتال وآخره"، فأقبلوا يشتدُّون (3).
(1) انظر تفاصيل سيرته في: قادة فتح العراق والجزيرة، ص 25 - 44.
(2)
انظر التفاصيل في الطبرى 2/ 639 - 643، وابن الأثير 2/ 167، والبلاذري
ص 252 - 253، والبدء والتاريخ 5/ 170، وفي المعارف ص 401: أن أبا عبيد
ضرب الفيل فوقع عليه الفيل فقتله.
(3)
الطبري 3/ 53.
وشهدت الخنساء الشاعرة المشهورة معركة (القادسية)، ومعها بنوها أربعة رجال، فحرَّضتهم على القتال، وأمرتهم بالصبر، وحثتهم على الإقدام.
وباشر أولاد الخنساء القتال، وقُتِلوا واحداً بعد واحد، فلما علمت الخنساء باستشهادهم قالت:"الحمد لله الذي أكرمني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته"(1).
ب) وفي هذه المعركة أيضاً، كان أبو مِحْجَن الثقفي (2) في السجن قد قيِّد وحبس في مقر سعد بن أبي وقاص، فصعد إلى سعد حين أمسى يستعفيه فردَّه سعد، فأتى سلمى بنت خصَفة زوج سعد، فقال:"يا سلمى! يا بنت آل خصفة! هل لك إلى خير"؟؟ فقالت: "وما ذاك"؟! فقال: "تخلّين عني وتعيرينني (البلقاء) (3)، فالله عليّ إن سلّمني الله أن أرجع إليك حتى أضع رجليّ في قيدي"! فقالت: "وما أنا وذاك"! فرجع يرسف في قيوده ويقول: كفى حزناً أن تردّى (4) الخيل بالقنا (5) وأُترك مشدوداً في وثاقيا إذ قمتُ عَنَّاني الحديد وأُغلقت مصاريع دوني قد تصمّ المناديا ولله عهد لا أخيس (6) بعهده لئن فرجت ألا أزور الحوانيا" (7) فلما سمعت سلمى ذلك رقّت له، فخلّت سبيله وأعطته
(1) إرادة القتال في الجهاد الإسلامي، ص 14.
(2)
اسمه عمرو بن حبيب بن عمرو الثقفي.
(3)
البلقاء: اسم فرس سعد بن أبي وقاص.
(4)
تردى: تهلك.
(5)
القنا: اسم الجنس الجمعي لقناة. والقناة: الرمح الأجوف.
(6)
خاس العهد: نقضه وخانه. ويقال: خاس بالعهد، وخاس فيه.
(7)
الطبري 2/ 642.
الفرس، فقاتل قتالاً عظيماً. وكان يكبّر ويحمل فلا يقف بين يديه أحد، وكان يقصف الناس قصفاً منكراً، فعجب الناس منه وهم لا يعرفونه (1). ورآه سعد وهو فوق القصر ينظر إلى القتال، فقال:"لولا أن أبا محجن محبوس لقلت: هذا أبو محجن وهذه (البلقاء) تحته".
فلما تراجع الناس عن القتال، عاد إلى القصر، وأدخل رجليه في القيد، فأعلمت سلمى سعداً خبر أبي محجن، فأطلقه وقال: "اذهب
…
لا أحدُّك أبداً"، فتاب أبو محجن حينئذ وقال: "كنت آنف أن أتركها - يعني الخمرة - من أجل الحد (2)، فوالله لا أشربها أبداً" (3).
ج) وفي (القادسية) أيضاً، تكبَّد المسلمون خسائر فادحة بالأرواح من جراء هجوم الفيلة عليهم، فأرسل سعد إلى المسلمين من الفرس (4)، وسألهم عن الفيلة:"هل لها مَقَاتِل"؟ فقالوا: "نعم، المشافر والعيون، لا يُنتفع بها بعدها". وأرسل سعد إلى القعقاع بن عمرو التميمي وأخيه عاصم بن عمرو التميمي وقال لهما: "اكفياني الفيل الأبيض"، وكانت الفيلة كلها آلفة له، وكان بإزائهما. وأخذ القعقاع وعاصم رمحين أصمّين (5) ليّنين، ودبا في خيل ورَجِل فقالا:"اكتنفوه لتحيّروه"، ثم وضعا رمحيهما معاً في عيني الفيل الأبيض، فنفض الفيل رأسه وطرح سائسه ودلىّ مشفره، فنفحه القعقاع فرمى به
(1) لم يكن مجهول المكان طبعاً، فالناس يعرفونه حق المعرفة، ولكنهم كانوا يعلمون أنه في السجن، لذلك أشبه عليهم أمره، أو كان متلثماً يخفي وجهه.
(2)
أسد الغابة 5/ 291.
(3)
الإصابة 7/ 170، والاستيعاب 4/ 1748.
(4)
من أمثال سلمان الفارسي رضي الله عنه.
(5)
الأصم: الصلب المصمَت.