الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورأى السلطان الفاتح أنَّ الطريق إلى القسطنطينية من ناحية الدردنيل لا تزال مفتوحة، تدخل منها السفن المعادية وتخرج في حرية تامة، فأمر بالإسراع في بناء سفن جديدة وإصلاح السفن القديمة وحشدها في بحر مرمرة لمنع أي سفينة معادية من تموين القسطنطينية، وقد بلغ عدد هذه السفن على اختلاف أنواعها وأحجامها أربعمئة سفينة (1)، كان المسلَّح منها تسليحاً تاماً اثنتي عشرة سفينة فقط.
وفي يوم الجمعة العشرين من شهر ربيع الأول سنة سبع وخمسين وثمانمئة الهجرية (30 من آذار - مارس - 1453م) كان الفاتح قد أتمَّ استعداداته العسكرية: طهَّر المنطقة المحيطة بالقسطنطينية من العدوّ وسيطر عليها وضمن عدم معاونة الدول المسيحية القريبة من القسطنطينية لها عند نشوب القتال، وكدَّس الأسلحة والعتاد والذخيرة والقضايا الإدارية وسيطر على المنافذ المائية للقسطنطينية، وحشد القوات المسلَّحة النظامية وغير النظامية، وحرَّض قوَّاته على القتال، وبثَّ فيهم روح الجهاد، ورفع معنوياتهم بالعقيدة الراسخة المستمدَّة من تعاليم الدين الحنيف.
9 - الزحف:
زحف محمد الفاتح بجيشه إلى القسطنطينية، وما إن وصل إلى مشارف المدينة حتى خطبهم خطبة بليغة حثَّهم فيها على الجهاد وصدق القتال، وقرأ عليهم في ذلك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المبشّرة بفتح القسطنطينية، وأبان لهم أي أجر يحوزون بفتحها الذي سيعزّ
(1) هناك تقديرات أخرى تذكر أن عدد السفن بين 350 إلى 300 إلى 250.
الإسلام ويرفع قدره بين الأمم. وكان في طليعة الجيش: الشيوخ والعلماء والدراويش يتقدَّمهم الشيخ العالم العامل آق (1) شمس الدين والمولى أحمد الكوراني والمولى خسرو والأشراف من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الجميع يدعون الله أن ينصر جيش المسلمين ويبيّض وجوه المقاتلين.
وفي يوم الخميس السادس والعشرين من شهر ربيع الأول سنة سبع وخمسين وثمانمئة الهجرية (5 من نيسان - أبريل - 1453 م) بلغ الجيش الإسلامي أمام أسوار القسطنطينية، وكان منظراً من أروع ما روى التاريخ: جموع زاخرة من الجند بين مشاة وخيّالة ومدفعية وهندسة
…
إلخ
…
بأعلامهم الخفَّاقة المزهوة، وقوافل النقلية مثقلة بمواد التموين والعتاد والذخيرة. واختلطت صيحات الرجال بصهيل الخيل، وامتزج التكبير بالموسيقى العسكرية (2)، وكانت تعلو رؤوس الناس عمائم بيض هي عمائم العلماء العاملين. ولما آن وقت صلاة الظهر نشر السلطان سجادته واستقبل القبلة وكبّر للصلاة وكبّر الجيش اللجب في صوت جهير رهيب وراء إمامه وقائده.
وشرع السلطان بعد ذلك يتأهَّب لحصار القسطنطينية، فعبَّأ جنده ونظَّمه ووزَّع العدد والآلات، ووضع كل شيء في موضعه ونسَّقه تنسيقاً يدلّ على براعته الفائقة في الفنون العسكرية.
(1) آق: الأبيض، الأبرش، وآق شمس الدين: شمس الدين الأبرش أو الأبيض.
(2)
كان العثمانيون أول من عرف الموسيقى العسكرية في العالم، وعنهم أخذت جميع أمم أوروبا.
Sir Elward Greasy. History Of The Ottoman Turks.