الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مشارق الأرض ومغاربها أخوة في الله، يتحابُّون بنور الله بينهم، وهم أمة واحدة، ذات عقيدة واحدة، تحيتها السلام ودينها الإسلام.
…
(3)
لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يؤم ألفين في عمرة القضاء، ومئة ألف في حجة الوداع، يسيرون كلهم في نظام أدق نظام: هرولة ومشياً، واستلاماً للركن والحجر الأسود - هذا النظام المتصل بروح الإسلام الذي يأمر بالنظام وينهى عن الفوضى - يؤمن أصحابه بصدقه وينفِّذون تعاليمه التي هي روح هذه القوة وقوامها.
وفُرضت الصلاة على المسلمين، ثم قامت صلاة الجماعة التي أدَّاها المسلمون وراء إمام واحد، قلوبهم خاشعة لذكر الله، وصفوفهم متراصة متراصفة
…
ومن يرى المسلمين وهم مجتمعون صفوفاً للصلاة تتساوى مناكبهم والأقدام، يؤدون ركعاتها وسجداتها في تناسق مدهش وفي نظام دقيق ووقار، لا يمكن أن يغفل ما لهذه الصلاة المنظمة من
قيمة تربوية في نفوس المسلمين.
إن العرب أُباة لا يخضعون لمشيئة خارجية، ولكنهم كانوا يفتقرون إلى الشعور التام بالطاعة والنظام، فكانت لهذه الصلاة أهمية بالغة في (إيقاظ) روح النظام والضبط في نفوس العرب المسلمين، لذلك غدا مكان الصلاة أول ميدان حقيقي للتدريب العسكري على الضبط والنظام عند المسلمين.
ثم إن انتظام المسلمين للصلاة، شجع روح الوحدة بينهم، وخلق بينهم شعوراً بالمساواة التي كانت أفكاراً جديدة على بلاد العرب، إذ كانت الوحدة الموجودة حتى ذلك الوقت هي رابطة الدم، فأصبحت الوحدة السائدة هي وحدة العقيدة.
لقد وَجَدَ الإسلام بتعاليمه التي تغرس الضبط والنظام في النفوس، وتدعو إلى توحيد الله وتوحيد الصفوف، وتأمر بالجهاد بالأموال والأنفس في سبيل الله، وتنهى عن التخلف والقعود والتولِّي يوم الزحف - أرضاً خصبة في العرب الذين كانت لهم خبرة طويلة في الحروب، والذين لا يهابون الموت ويتعشَّقون الحرية؛ فكان من فضل الإسلام على العرب أنه جمع شملهم ووحَّد قلوبهم وأشاع فيهم الضبط والنظام. وبذلك أصبحوا قوة وجدت لها (متنفَّساً) في توحيد شبه الجزيرة العربية أولاً وفي الفتح الإسلامي العظيم ثانياً.
والمعروف أن الجندي لا يمكن أن يقاتل في الحرب قتالاً مستميتاً، ويضحي بروحه مقبلاً غير مدبر، إلا إذا كان يؤمن إيماناً راسخاً بعقيدة تدفعه إلى التضحية والفداء، وتجعله صابراً في البأساء والضراء وحين البأس.
والجندي الذي يقاتل بغير إيمان راسخ بعقيدة، لا يمكن أن يَثْبُت في الميدان أبداً.
وما يقال عن الجندي، يقال عن الجيش، ويقال عن الأمة أيضاً، فليس الجيش إلا مجموعة من الجنود وضباط الصف والضباط، وليس الجيش إلا جزءاً من الأمة.
***