المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

(8)   ‌ ‌كتاب فضائل القرآن 1 - ‌ ‌ باب من الصحاح: 422 - 1510 - وقال: - تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة - جـ ١

[ناصر الدين البيضاوي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة الأولىفي بيان طريق روايتي لهذا الكتاب

- ‌المقدمة الثانيةفي بيان فضل الفن من العلم على سائر الفنون

- ‌المقدمة الثالثةفي بيان تناسب الكتاب والسنة

- ‌المقدمة الرابعةفي بيان أنواع الحديث

- ‌كتاب الإيمان

- ‌ باب

- ‌ بابالكبائر وعلامات النفاق

- ‌فصلفي الوسوسة

- ‌ بابالإيمان بالقدر

- ‌ بابإثبات عذاب القبر

- ‌ بابالاعتصام بالكتاب والسنة

- ‌كتاب العلم

- ‌كتاب الطهارة

- ‌ بابما يوجب الوضوء

- ‌ بابأدب الخلاء

- ‌ بابالسواك

- ‌ بابسنن الوضوء

- ‌ بابالغسل

- ‌ بابمخالطة الجنب وما يباح له

- ‌ بابأحكام المياه

- ‌ بابتطهير النجاسات

- ‌ بابالمسح على الخفين

- ‌ بابالتيمم

- ‌ بابالغسل المسنون

- ‌ بابالحيض

- ‌ بابالمستحاضة

- ‌كتاب الصلاة

- ‌ باب

- ‌ بابالمواقيت

- ‌ بابتعجيل الصلاة

- ‌فصل

- ‌ بابالأذان

- ‌ بابفضل الأذان وإجابة المؤذن

- ‌ بابالمساجد ومواضع الصلاة

- ‌ بابالستر

- ‌ بابالسترة

- ‌ بابصفة الصلاة

- ‌ بابما يقرأ بعد التكبير

- ‌ بابالقراءة في الصلاة

- ‌(باب الركوع)

- ‌ بابالسجود وفضله

- ‌ بابالتشهد

- ‌ بابالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفضلها

- ‌ بابالدعاء في التشهد

- ‌ بابالذكر بعد الصلاة

- ‌ بابما لا يجوز من العمل في الصلاةوما يباح منه

- ‌ بابسجود السهو

- ‌ بابسجود القرآن

- ‌ بابأوقات النهي عن الصلاة

- ‌ بابالجماعة وفضلها

- ‌ بابتسوية الصف

- ‌ بابالموقف

- ‌ بابالإمامة

- ‌ بابما على الإمام

- ‌ بابما على المأموم من المتابعةوحكم المسبوق

- ‌ بابمن صلى صلاة مرتين

- ‌ بابالسنن وفضلها

- ‌ بابصلاة الليل

- ‌ بابما يقوله إذا قام من الليل

- ‌ بابالتحريض على قيام الليل

- ‌ بابالقصد في العمل

- ‌ بابالوتر

- ‌ بابالقنوت

- ‌ بابقيام شهر رمضان

- ‌ بابصلاة الضحى

- ‌ بابالتطوع

- ‌ بابصلاة التسبيح

- ‌ بابصلاة السفر

- ‌ بابالجمعة

- ‌ بابوجوبها

- ‌ بابالخطبة والصلاة

- ‌ بابصلاة العيد

- ‌فصلفي الأضحية

- ‌ بابصلاة الخسوف

- ‌فصلفي سجود الشكر

- ‌ بابالاستسقاء

- ‌فصلفي صفة المطر والريح

- ‌كتاب الجنائز

- ‌ بابعيادة المريض وثواب المرض

- ‌ بابتمني الموت وذكره

- ‌ بابما يقال لمن حضره الموت

- ‌ بابغسل الميت وتكفينه

- ‌ بابالمشي بالجنازة والصلاة عليها

- ‌ بابدفن الميت

- ‌ بابالبكاء على الميت

- ‌كتاب الزكاة

- ‌ باب

- ‌ بابما تجب فيه الزكاة

- ‌ بابصدقة الفطر

- ‌ بابمن لا يحل له الصدقة

- ‌ بابمن لا تحل له المسألةومن تحل له

- ‌كتاب الصوم

- ‌ باب

- ‌ بابرؤية الهلال

- ‌فصل

- ‌ بابتنزيه الصوم

- ‌ بابصوم المسافر

- ‌ بابصيام التطوع

- ‌فصل

- ‌ بابليلة القدر

- ‌ بابالاعتكاف

- ‌كتاب فضائل القرآن

- ‌ باب

- ‌فصل

الفصل: (8)   ‌ ‌كتاب فضائل القرآن 1 - ‌ ‌ باب من الصحاح: 422 - 1510 - وقال:

(8)

‌كتاب فضائل القرآن

1 -

‌ باب

من الصحاح:

422 -

1510 - وقال: " أيكم يحب أن يغدوا كل يوم إلى بطحان أو العقيق ، فيأتي بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطع رحم؟ " قالوا: يا رسول الله! كلنا يحب ذلك ، قال:" فلأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله تعالى خير له من ناقتين ، وثلاث خير له من ثلاث ، وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل ".

(كتاب فضائل القرآن)

(من الصحاح):

" عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى يطحان " الحديث.

" بطحان " بضم الباء وسكون الطاء: اسم واد بالمدينة ، سمي بذلك لسمعته وانبساطه ، من: البطح ، وهو البسط

ص: 517

و" العقيق" يريد به: العقيق الأصفر ، وهو واد على ثلاثة أميال ، وقيل: على ميلين من المدينة ، عليه أموال أهلها ، وإنما خصهما بالذكر لأنهما أقرب المواضع التي تقام فيها أسواق الإبل إلى المدينة.

(والكوماء): الناقة العظيمة السنام المشرفة ، والكوم: الموضع المشرف ، ويقال لصبرة الطعام: الكومة ، لارتفاعها ، والتكويم: الرفع ، وإنما ضرب المثل بها لأنها من خيار مال العرب وأحبها إليهم.

"في غير إثم" أي: في غير ما يوجب إثما كغصب وسرقة ، سمي موجب الإثم: إثما مجازا ، و " خير له من ناقتين ": خبر مبتدأ محذوف ، أي: هما خير من ناقتين ، و" من أعدادهن من الإبل ": متعلق بمحذوف ، تقديره: وأكثر من أربع خير من أعدادهن من الإبل على هذا القياس.

423 – 1511 – وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيحب أحدكم إذا رجع إلى أهله أن يجد فيه ثلاث خلفات عظام سمان؟ " قلنا: نعم ، قال:" فثلاث آيات يقرأ بهم أحدكم في صلاته خير له من ثلاث خلفات عظام سمان ".

ويقرب منه الحديث الذي يليه ، وفيه:" ثلاث خلفات " أي: نوق

ص: 518

حوامل ، واحدها: خلفة ، من خلفت الناقة بالكسر: إذا حملت.

424 – 1512 – وقال: " الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران ".

" وعن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة " الحديث.

"الماهر": الحاذق ، من المهارة ، وهي الحذق ، و" السفرة ": الكتبة ، جمع: سافر ، من السفر وأصله: الكشف ، فإن الكاتب يتبين ما يكتبه ويوضحه ، ومنه قيل: للكتاب: سفر بكسر السين ، لأنه يكشف الحقائق ، ويسفر عنها ، والمراد بها: الملائكة ، الذين هم حملة اللوح المحفوظ ، كما قال تعالى:{بأيدي سفرة * كرام بررة} [عبس: 15 – 16] سموا بذلك لأنهم ينقلون الكتب الإلهية المنزلة إلى الأنبياء منه ، فكأنهم يستنسخونها.

و"الماهربالقرآن" من حيث إنه حامل للقرآن حافظ له أمين عليه ، ويؤديه إلى المؤمنين ، ويكشف لهم ما يلتبس عليهم = مع السفرة ومعدود من عدادهم ، فإنهم الحاملون لأصله الحافظون له ، ينزلون به على أنبياء الله ورسله ، ويؤدون إليهم ألفاظه ، ويكشفون عليهم معاتبه.

ص: 519

" ويتتعتع فيه " أي: يقف في قراءته ، والتعتعة في الكلام: التردد فيه من حصر أوعي ، " له أجران " أي: أجر القراءة وأجر ما يتجشمه من الكلفة والمشقة.

425 – 1517 – عن البراء رضي الله عنه قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين ، فتغشته سحابة ، فجعلت تدنو وتدنو ، وجعل فرسه تنفر ، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له فقال:" تلك السكينة تنزلت بالقرآن ".

" عن البراء قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف ، وإلى جانبه حصان " الحديث.

(الحصان): الكريم من فحول الخيل ، سمي به لأنه يحصن ويضن به.

" مربوط بشطنين " أي: حبلين ، والشطن: الحبل الطويل الشديد الفتل.

و" السكينة " في الأصل: السكون والطمأنينة ، والمراد بها هاهنا: الملائكة وملك معين ينزل على القاريء ، ويبين له ما يشكل عليه.

426 – 1518 – عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال: كنت

ص: 520

أصلي ، فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم أجبه حتى صليت ، ثم أتيت ، فقال:" ما منعك أن تأتيني؟ " فقلت: كنت أصلي ، فقال:" ألم يقل الله: {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم} "،ثم قال:" ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد؟ " فأخذ بيدي ، فلما أردنا أن نخرج قلت: يا رسول الله! إنك قلت: " ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن " قال: {الحمد لله رب العالمين} هي السبع المثاني ، والقرآن العظيم الذي أوتيته ".

" وفي حديث أبي سعيد بن المعلى الزرقي الأنصاري: قلت: يا رسول الله! إنك قلت: ألا أعلمك أعظم سورة من القرآن " الحديث.

" قال: الحمد لله " أي: السورة التي مستهلها: {الحمد لله} والام في " السبع ": للعهد ، والمعهود قوله تعالى:{ولقد آتيناك سبعا من المثاني} [الحجر: 87] وسميت: (السبع المثاني) لأنها سبع آيات باتفاق ، غير أن منهم من عد التسمية دون {أنعمت عليهم} [الفاتحة:7] ، ومنهم من عكس ، ومثناة في الصلاة أو الإنزال ، فإنها نزلت بمكة حينما فرضت الصلاة ، وبالمدينة لما حولت القبلة ، و" القرآن العظيم ": معطوف عليه عطف إحدى صفتي الشيء على الأخرى ،

ص: 521

أي: هي الجامعة بين كونها سبعا من المثاني والقرآن العظيم.

427 – 1519 – وقال: " لا تجعلوا بيوتكم مقابر ، إن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة ".

" وعن أبي هريرة: أنه – عليه السلام – قال: لا تجعلوا بيوتكم مقابر " الحديث.

أي: لا تجعلوا بيوتكم كالمقابر خالية عن الذكر والطاعة ، واجعلوا لها نصيبا من القراءة والصلاة.

" فإن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه البقرة " أي: ييئس من إغواء أهله وتسويلهم ، لما يرى من جدهم في الدين ورسوخهم في الإسلام.

" قال عليه السلام: من قرأ البقرة وآل عمران جد فينا ".

ذلك لما في حفظها والمواظبة على تلاوتهما من الكلفة والمشقة ، واشتمالهما على الحكم والشرائع والقصص والمواعظ والوقائع الغريبة والمعجزات العجيبة ، وذكر خالصة أوليائه والمصطفين من عباده ، وتفضيح الشيطان ولعنه ، وكشف ما يتوسل به إلى تسويل آدم وذريته ، ولذلك سماهما:(الزهراوين) في الحديث الذي يليه.

***

ص: 522

428 – 1520 – وقال: " اقرأوا القرآن ، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه ، اقرأوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران ، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما ، اقرأوا سورة البقرة ، فإن أخذها بركة ، وتركها حسرة ، ولا يستطيعها البطلة ".

" وقال: اقرأوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران ، فإنهما تأتيان " الحديث.

الزهراء تأنيث: الأزهر ، وهو المضيء ، ويقال للنيرين: الأزهران ، مثل حراسة السورة إياه ، وخلاصه ببركتها من عذاب يوم القيامة بإطلال أحد هذه الأشياء الثلاثة ، ولعلها تمثل له حتى يشاهدها كأنه ظله أظلته من غمامة أو سحابة أو غياية ، وهي كل متظلل من عال إذا ظل ، ولعله يريد به: ما يكون له صفاء وضوء ، إذ الغياية: ضوء شعاع الشمس.

" أو فرقان من طير " أي: قطيع منه ، " صواف " ك باسطات أجنحتها متصلا بعضها ببعض ، جمع: صافة ، ولفظة (أو) فيه: للتقسيم والتنويع لا لشك الراوي وتردده ، إذ الروايات كلها متسقة على هذا المنهاج ، ولعل الأول: لمن يقرأهما ولا يعرف معناهما ، والثاني: لمن

ص: 523

وفق للجمع بين تلاوة اللفظ ودراية المعنى ، والثالث: لمن ضم إليها تعليم المستعدين وإرشاد الطالبين ، وبيان حقائقها ، وكشف ما فيهما من الرموز واللطائف عليهم ، وإحياء قلوبهم الجامدة ، وهيج نفوسهم الخامدة حتى طاروا من حضيض الجهالة والبطالة إلى أوج العرفان واليقين ، لا جرم ، تمثل له يوم القيامة مساعيه طيورا صواف يحرسونه ، ويحاجون عن بالدلالة على سعيه في الدين ورسوخه في اليقين ، والإشعار بفضله وعلو شأنه.

والضمير في " تحاجان " للسورتين.

وفيه:" لا يستطعهما البطلة " أي: السحرة ، عبر عن السحرة بالبطلة لأن ما يأتون به باطل ، سماهم باسم فعلهم ، وإنما لم يقدروا على حففظهما ، ولم يستطيعوا قراءتهما لزيغهم عن الحق ، واتباعهم للوساوس ، وانهماكهم في الباطل.

429 – 1522 – وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أبا المنذر! أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ "، قلت: الله ورسوله أعلم ، قال:" يا أبا المنذر ، أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ "، قلت:{الله لا إله إلا هو الحي القيوم} ، قال: فضرب بيده في صدري وقال: " ليهنك العلم يا أبا المنذر! ".

ص: 524

ثم قال: " والذي نفس محمد بيده ، إن لهذه الآية لسانا وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش "

" وعن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا المنذر! أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ " الحديث.

(أي) في الاستفهام إذا أضيف إلى نكرة يكون سؤالا عن تعين ما أضيف إليه بما يميزه عن أخواته الملتبس هو بها ، فيحسن السؤال به إذا كان السائل معتقدا استحضار المخاطب له ولأخواته ، حتى يقدر على التمييز والتعيين ، فلذلك وصف الآية بقوله:" معك " لئلا يتشوش ذهنه ، ويتوهم أن المسؤول عنه لعله آية لم يلقنها الرسول بعد ، ولم يعلمها إياه ، ويويد بذلك تعليمه ، ولاحتمال إرادة التعليم والإرشاد إلى تعليم المتصف بهذه الصفة لم يعين في الكرة الأولى ، وقال:" الله ورسوله أعلم " مع ما فيه من تعظيم السائل ومراعاة الأدب.

ثم لما لم يعين الرسول – عليه السلام – وكرر السؤال ، علم أنه يريد بذلك استنطاقه بما استنبطه ، واستدل على فضله بما يدل عليه ، فعين وقال:{الله لا إله إلا هو} [البقرة: 255] أي: الآية التي مستهلها ومبدؤها ، لأن شرف الآيات بشرف مدلولاتها ورفعه قدرها ، واشتمالها على الفوائد العظيمة والعوائد الخطيرة ، ثم بحسن النظم ومزيد البيان والفصاحة ، ولا شك أن أعظم المدلولات ذات الله تعالى وصفاته ، وأشرف العلوم وأعلاها قدرا وأبقاها ذخرا: هو العلم

ص: 525

الإلهي الباحث عن ذاته تعالى وصفاته السلبية والثبوتية ، وما يدل عليها من صنائعها وأفعاله ، وأن رجوع الخلق إليه وحسابهم عنده ، لا مرد لحكمه ، ولا مانع من عذابه.

وهذه الآية باعتبار معناها وما يستفاد من مفهومها وفحواها: تشتمل على جملة ذلك مفصلا أو مجملا ، على طريقة التقرير والتحقيق لا على سبيل الدعوى ومحض التقليد.

ومن حيث [إن] اللفظ وقع في مجاز البلاغة وحسن النظم والترتيب موقعا تنمحق دونه بلاغة كل بليغ ، وتتعتع في معارضته فصاحة كل فصيح ، والاشتغال بتفصيل ذلك خروج عن المقصود ، فمن شاء فليطالع تفسيرها من كتابنا المسمى بـ:" أنوار التنزيل "، ولذلك دعا برسوخه في لعلم وتيسيره له فقال:" ليهنك العلم "، أي: ليكن العلم هنيئا لك.

430 – 1524 – عن ابن عباس رضي الله عنه قال: بينما جبريل عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع نقيضا من فوقه ، فرفع رأسه ، فقال: هذا باب من السماء فتح لم يفتح قط إلا اليوم ، فنزل منه ملك إلى الأرض لم يزل قط إلا اليوم ، فسلم فقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة ، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته.

ص: 526

" وعن ابن عباس قال: بينا جبريل عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع نقيضا من فوقه ، فرفع رأسه " الحديث.

" بينا جبريل عند النبي صلى الله عليه وسلم "، أي: بين أوقات وحالات كان هو عنده ، والعامل فيه:" سمع نقيضا " أي: صوتا ، ويكثر استعماله في صوت الرحال والمحامل ، والإنقاض: التصويت ، والضمائر الثلاثة التي في (سمع) و (رفع) و (قال): راجعة إلى جبريل ، لأنه أكثر اطلاعا على أحوال السماء ، وأحق بالإخبار عنها ، ولما اتفق له – عليه السلام – في ذلك اليوم [من] معارفة واتصال بملك لم يكن له معه سابقة عرفان ، ولا لمن قبله من الأنبياء عليهم السلام ، وأوحي إليه بالبشرى العظيمة التي احتص بها ، كان ذلك فتح باب سماوي لم يفتح قبله ، لا عليه ولا على غيره.

وإنما سماهما:" نورين " لأن كلا منهما يكون لصاحبه في القيامة نورا يسعى أمامه ، أو لأنه يرشده ويهديه بالتأمل فيه والتفكر في معانيه إلى الطريق القويم والمنهج المستقيم ، وذلك لاشتمالهما على جملة ما تحويه الكتب السماوية من الحكم النظرية والأحكام العلمية والتصفية الروحانية ، وبيان أحوال السعداء والأشقياء والترغيب على الطاعة والترهيب عن المعاصي بالوعد والوعيد إجمالا ، مع السؤال بشرطه لما فيه صلاح الدارين والفوز بالحسنين ، فلذلك بشر

ص: 527

بالإجابة وقال: " لن تقرأ بحرف منهما " أي: بكلام فيه سؤال ، مثل:{اهدنا} {غفرانك ربنا} و {ربنا ولا تحملنا} ،" إلا أعطيته " ، فإن الحرف يطلق ويراد به الكلام ، كما يطلق ويراد به اللغة ، وقوله " إلا أعطيته " يخصه ويقيده بما فيه دعاء ، ولعل ابن عباس سمع ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وترك الإسناد لوضوحه.

ولا يبعد أن يقال: قد اتفق له وقت ، فانكشفت له الحال ، وتمثل له جبريل والملك النازل ، كما تمثلا للرسول صلوات الله عليه ، فشاهدهما وسمع مقالتهما مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم بحقائق ذلك.

431 – 1525 – عن عبد الله رضي الله عنه قال: لما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهي به إلى سدرة المنتهى ، فأعطي ثلاثا الصلوات الخمس ، وخواتيم سورة البقرة ، وغفر لمن لا يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات.

" وفي حديث عبد الله بن مسعود: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهي به إلى سدرة المنتهى ".

أي: إلى حيث تنتهي إليه أعمال العباد ، أو نفوس السائحين في

ص: 528

الملأ الأعلى ، فيجتمعون فيه اجتماع الناس في أنديتهم ، أو إليه ينتهي علم الخلائق من الملائكة والرسل وأرباب النظر والاعتبار ، كما جاء في الحديث:" وما وراءه غيب لا يطلع عليه غيره تعالى ".

وفيه: " وغفر لمن لا يشرك بالله – من أمته – شيئا المقحمات "،

أي: الذنوب العظام التي تقحم صاحبها ، أي: تلقيه في النار ، والقحوم: الوقوع في الشيء ، و (شيئا): نصب على المصدر ، أي: شيئا من الشرك.

432 – 1528 – وقال: " أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟ " قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ ، قال: {قل هو الله أحد] تعدل ثلث القرآن ".

" وفي حديث أبي الدرداء: أنه – عليه الصلاة والسلام – قال: {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن ".

أي: تساويه ، لأن معاني القرآن آيلة إلى تعليم ثلاثة علوم: علم التوحيد ، وعلم الشرائع ، وعلم تهذيب الأخلاق وتزكية النفس ، و (سورة الأخلاص) تشمل على القسم الأشرف منها ، الذي هو

ص: 529

كالأصل والأساس للقسمين الآخرين ، وهو علم التوحيد على أبين وجه وآكده.

من الحسان:

433 – 1533 – عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ثلاث تحت العرش يوم القيامة: القرآن يحاج العباد له ظهر وبطن ، والأمانة ، والرحم تنادي: ألا من وصلني وصله الله ، ومن قطعني قطعه الله ".

(من الحسان):

" عن عبد الرحمن بن عوف ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ثلاث تحت العرش يوم القيامة " الحديث.

كونها " تحت العرش ": عبارة عن اختصاصها بمكان من الله تعالى وقربة واعتبار ، لا يضيع أجر من حافظ عليها ، ولا يهمل مجازاة من ضيعها وأعرض عنها وكما هو حال المقربين عند السلطان الواقفين تحت عرشه الملازمين لحضرته ، فإن التواصل بهم ، والإعراض عنهم ، وشكرهم ، وشكايتهم يكون لها تأثير عظيم لديه.

واختصاص هذه الثلاثة بهذه المنزلة من حيث إن من حافظ عليها حق رعايتها فقد أكمل الدين وأحرز الحق وأقام العدل ، ومن أضاعها

ص: 530

ولم يبال بها فعلى خلاف ذلك ، لأن كل ما يحاوله الإنسان إما أن يكون أمرا بينه وبين الله تعالى لا يتعلق بغيره ، وإما أن يكون أمرا دائرا بينه وبين سائر الناس عامة ، أو بينه وبين خاصته من أقاربه وأهل منزله ، والقرآن وصلة بينه وبين ربه ، فمن راعى أحكامه ، واتبع ظواهره وبواطنه فقد أدى حقوق الربوبية ، وأتى بما هو وظائف العبودية.

و" الأمانة": تعم الناس كلهم ، فإن دماءهم وأعراضهم وأموالهم وسائر حقوقهم أمانات فيما بينهم ، فمن قام بحقها فقد أقام العدل ، وجانب المظالم رأسا ، ومن وصل الرحم ، وراقب الأقارب ، ودفع عنهم المخاوف ، وأحسن إليهم بما أنعم الله عليه ، وأعانهم فيما يهم لهم من أمري الدين والدنيا ما أمكنه واستطاع = فقد أدى حقه وخرج عن عهدته ، ولما كان القرآن منها أعظم قدرا وأرفع منارا ، وكان العمل به والقيام بحقه والامتثال لحكمه يشتمل على القيام بالأمرين الآخرين ، والمحافظة عليهما قدم ذكره ، وأخبر عنه بأنه " يحاج العباد " أي: يخاصمهم فيما ضيعوه وأعرضوا عن حدوده وأحكامه ، ولم يلتفتوا إلى مواعظه وأمثاله ، سواء ما ظهر منها معناها واستغنى عن التأويل ، أو خفي واحتاج إلى مزيد كلفة في إبراز ما هو المقصود منه ، وأخر الرحم لأنه أخصها ، وأفرد بالذكر – وإن اشتمل على محافظته

ص: 531

محافظة الأمرين المذكورين قبل – لأنه أحق حقوق العباد بأن يحفظ ولأنه أراد أن يبين أن صلة الرحم وقطيعتها بهذه المثابة العظيمة من الوعد والوعيد.

434 – 1534 – وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقال لصاحب القرآن: اقرأ ، وارتق ، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها ".

" عن ابن عمر: أنه – عليه الصلاة والسلام – قال: يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها ".

" صاحب القرآن ": حافظه والمواظب على قراءته ، وقيل: العالم بمعانيه والمعتني بالتدبر فيه ، والمراد من الحديث: المعنى الأول ، لقوله:" اقرأ وارتق " أي: اقرأ ما كنت تحسنه من القرآن ، وارتق بقدره في درجات الحنان.

قيل: درج الجنة بعدد أي القرآن ، والقراء يتصاعدون بقدرها ، فمن قرأ مئة آية مثلا كان منزله عند آخر آية يقرؤها ، وهي المئة من الدرجات ، ومن حفظ جميع القرآن كان منزله الدرجة الأقصى من درجات الجنان ، وهذا للقاريء الذي يقرؤه حق قراءته ، وهو أن يتدبر

ص: 532

معناه ، ويأتي بما هو مقتضاه ، لا الذي يقرأ ، والقرآن يلعنه.

435 – 1538 – عن الحارث ، عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ألا إنها ستكون فتنة "، فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟ ، قال:" كتاب الله ، فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، وهو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ، هو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، ولا تشبع منه العلماء ، ولا يخلق عن كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه ، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: {إنا سمعنا قراءنا عجبا * يهدي إلى الرشد فأمنا به} ، من قال به صدق ، ومن عمل به أجر ، ومن حكم به عدل ، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم "، إسناده مجهول.

" عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ألا إنها ستكون قتنة ، فقلت: ما المخرج منها؟ "الحديث.

" المخرج "" مفعل بمعنى الموضع ، " فما المخرج منها؟ " أي: فما الطريق الذي يخرج به منها وينقضي عنها؟

وقوله: " كتاب الله " على حذف المضاف ، أي: التمسك بالكتاب ، ليطابق السؤال ، " هو الفصل " أي: الفاصل بين الحق والباطل ، وصف

ص: 533

بالمصدر للتأكيد والمبالغة ، " ليس بالهزل " أي: جد كله ، ليس فيه ما يخلو عن إتقان وتحقيق ، أو يعرى عن أمر خطير وفائدة عظيمة ، فيتساهل فيه.

" من جبار " بيان لـ (من) بينه بذلك ، ليدل على أن الحامل له على الترك والإعراض عنه هو التجبر والحماقة ، والجبار لا يطلق صفة للعبد إلا في معرض الذم ، لأنه لا يليق به.

والقصم: الكسر ، و" قصمه الله ": يحتمل الخبر والدعاء ، وكذلك قوله:" أضله الله " فإن طلب الشيء في غير محله ضلال.

" وهو حبل الله المتين " أي: الوصلة التي يوثق عليها ، فيتمسك بها من أراد الترقي والعروج إلى معارج القدس وجوار الحق ، " والذكر " أي: المذكور ، " الحكيم " أي: المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، أو المشتمل على الحقائق والحكم ، بمعنى: ذو الحكمة.

" لا تزيغ به الأهواء " أي: لا تميل عن الحق باتباعه ما دامت تتبعه ، " ولا تلتبس به الألسنة " أي: لا يختلط به غيره بحيث يشتبه الأمر ويلتبس الحق بالبطل ، وإنه تعالى تكفل حفظه ، وقال:{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9]" ولا يشبع منه العلماء " أي: لا يحيط علمهم بكنهه ، فيقفوا عن طلبه وقوف من شبع من

ص: 534

مطعوم ، فإن الناظر فيه لا ينتهي إلى حد إلا وهو يعد طالب لحقائقه باحث عن دقائقه.

" ولا يخلق على كثرة الرد " أي: لا يزول رونقه ولذة قراءته واستماعه عن كثرة ترداده على ألسنة التالين ، وتكراره على آذان المستمعين ، على خلاف ما هو عليه كلام المخلوقين ، يقال: خلق الثوب – بالضم – وأخلق: إذا بلي ، وباقي الحديث واضح.

436 – 1540 – وقال: " لو كان القرآن في إهاب ما مسته النار ".

" عن عقبة بن عامر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لو كان القرآن في إهاب ما مسته النار ".

أي: لو صور القرآن ، وجعل في إهاب ، وألقي في النار ، ما مسته ولا أحرقته بركة القرآن ، فكيف بالمؤمن الحامل له المواظب على تلاوته؟!

واللام في "النار" قيل: للجنس ، والأولى أن تجعل للعهد ، والمراد بها: نار جهنم ، أو النار التي تطلع على الأفئدة ، أو النار التي وقودها الناس والحجارة.

***

ص: 535

437 – 1543 – وقال: " تعلموا القرآن واقرؤوه ، فإن مثل القرآن لمن تعلم فقرأ وقام به كمثل جراب محشو مسكا تفوح ريحه بكل مكان ، ومثل من تعلمه فرقد وهو في جوفه كمثل جراب أوكيء على مسك ".

" وفي حديث أبي هريرة: مثل من تعلمه فرقد وهو في جوفه ، كمثل جراب أوكيء على مسك "

تمثيل لمن تعلم القرآن فرقد عليه ، بجراب مسك أوكيء عليه ، أي: شد بالوكاء ، من حيث إنه ضيعه على نفسه ، وأبطل فائدته في حقه بترك قراءته والتدبر في معانيه ، وبخل به على غيره ، ومنع عنه بالكف عن الاستماع والتعليم.

438 – 1555 – عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا زلزلت} تعدل نصف القرآن ، و {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن ، و {قل يا أيها الكافرون} تعدل ربع القرآن ".

" وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا زلزلت} تعدل نصف القرآن ، و {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن ، و {قل ياأيها الكافرون} تعدل ربع القرآن ".

يحتمل أن يقال: المقصود الأعظم بالذات من القرآن: بيان

ص: 536

المبدأ والمعاد ، و {إذا زلزلت} مقصورة على ذكر المعاد ، مستقلة ببيان أحواله ، فتعادل نصفه.

وجاء في حديث آخر: أنها ربع القرآن ، وتقريره أن يقال: القرآن يشتمل على تقرير: التوحيد ، والنبوات ، بيان أحكام المعاش ، وأحوال المعاد ، وهذه السورة مشتملة على القسم الأخير من الأربعة. و {قل يا أيها الكافرون} محتوية على القسم الأول منها ، فتكون كل واحد منها كأنه ربع القرآن.

439 – 1561 – وقال عقبة بن عامر رضي الله عنه: " بينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الجحفة والأبواء إذ غشينا ريح وظلمة شديدة ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ بـ: {قل أعوذ برب الفلق} ، {قل أعوذ برب الناس} ، ويقول: " يا عقبة! تعوذ بهما ، فما تعوذ معوذ بمثلهما ".

" وفي حديث عقبة ين عامر: بينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الجحفة والأبواء ".

" الجحفة ": ميقات أهل الشام ، و"الأبواء " – بفتح الهمزة -: قرية من أعمال الفرع من المدينة ، بينها وبين الجحفة خمسة فراسخ

ص: 537