الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كالقضاء والكفارة والنذر المطلق ، واختلفوا فيما له زمان معين كصوم رمضان والنذر المطلق ، فشرطه الأكثرون فيه أخذا بعموم الحديث ، غير أن مالكا وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين عنه قالوا: لو نوى أول ليلة من رمضان صوم جميع الشهر أجزأه ، لأن صوم الكل كصوم يوم ، وهو قياس مردود في مقابلة النص ، ولم يشترط أصحاب الرأي ، وخصصوا الحديث بما روي أنه صلى الله عليه وسلم بعث إلى أهل العوالي يوم عاشوراء:" إن من أكل منكم فليمسك بقية نهاره ، ومن لم يأكل فليصم " وكان صوم عاشوراء حينئذ فرضا ، وبالقياس على النفل.
والجواب عن الحديث: أن صوم عاشوراء لم يكن فرضا ، وإلا لأمر الآكلين بالقضاء ، وعن القياس: أن المعنى في النفل التكثير والترغيب فيه بالترفيه والتسهيل ، وذلك مفقود في الفرض ، وأنه معارض بالقياس على سائر الفرائض.
…
3 -
باب
تنزيه الصوم
من الصحاح:
405 -
1420 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ".
(باب تنزيه الصوم)
(من الصحاح):
" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يدع قول الزور والعمل به ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " الحديث.
المقصود من إيجاب الصوم وشرعه: ليس نفس الجوع وعطشه ، بل ما يتبعه من كسر الشهوة وإطفاء ثائرة الغضب ، وتطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة ، فإذا لم يحصل له شيء من ذلك ، ولم تتأثر به نفسه ، ولم يكن له من من صيامه إلا الجوع والعطش لا يبالي الله تعالى بصومه ، ولا ينظر إليه نظر قبول ، إذ لم يقصد به مجرد جوعه وعطشه ، فيحتفل به ويقبل منه.
وقوله: " فليس لله حاجة " مجاز عن عدم الالتفات والقبول والميل إليه ، نفي السبب ، وأراد نفي المسبب.
…
406 -
1421 - وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل ويباشر وهو صائم ، وكان أملككم لإربه ".
" وفي حديث عائشة رضي الله عنها: وكان أملككم لإربه ".
أي: لحاجة نفسه ، تريد: الشهوة ، تعني: لا يستولي سلطان
شهوته ولا يغلب عليه بحيث يحمله على ما لا ينبغي أن يفعل.
…
407 -
1425 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت ، وأهلكت ، فقال:" ما شأنك؟ " قال: وقعت على امرأتي في نهار رمضان ، قال:" فأعتق رقبة " قال: ليس عندي ، قال:" فصم شهرين متتابعين "، قال: لا أستطيع ، قال:" فأطعم ستين مسكينا "، قال: لا أجد ، قال: اجلس ، فجلس ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر - والعرق: المكتل الضخم - قال: " خذ هذا فتصدق به " قال: على أفقر منا؟ ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ، قال:" أطعمه عيالك ".
" وعن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت ، قال: ما شأنك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان ، قال: فأعتق رقبة " الحديث.
دل الحديث على أن من واقع في نهار رمضان ، أي: أفطر بالوقاع فيه ، فعليه تحرير رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ، فإنه أمره بالأول ، ثم رتب الثاني بالفاء على فقده ، ثم رتب الثالث على العجز عن الثاني.
وحكي عن ابن جبير والنخعي وقتادة: أنهم قالوا: لا كفارة
عليه ، ولعل الحديث لم يصل إليهم ، وعن مالك: أن المجامع مخير بين الخصال الثلاث.
واختلف في قدر الطعام ، فقال الأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد: يطعم ستين مدا ستين مسكينا ، إذ صح عن أبي هريرة أنه قال:" فأتى بعرق قدر خمسة عشر صاعا " ، وقاسوا عليه سائر الكفارات ، إلا فدية الأذى لحديث ورد فيها.
وقال الثوري وأصحاب الرأي: يطعم كل مسكين نصف صاع ، وكذا في سائر الكفارات ، لما روي مرسلا في كفارة الظهار: أنه عليه السلام قال لسلمة بن صخر: " أطعم عنك ستين مسكينا وسقا من تمر " ، ولما روي عن محمد بن إسحاق بن يسار.
(العرق): مكتل يسع ثلاثين صاعا ، وهو مكتل ضخم ينسج من خوص النخل.
واختلف في قوله: " أطعمه عيالك "، فمنهم من قال: إنه مخصوص به ، ومنهم من جعله منسوخا ، ومنهم من جوز صرف الكفارة إلى من في نفقته.
والأحسن: ما قاله الشافعي وهو: أن الرجل لما أخبره أن لا أجوع منه في المدينة لم ير أن يتصدق على الأجانب ويدع عياله في الضر ، فأمره أن ينفق عليهم ويؤخر الكفارة إلى اليسار.
***
من الحسان:
408 -
1434 - عن شداد بن أوس قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يحتجم لثمان عشرة ليلة خلت من رمضان ، قال:" أفطر الحاجم والمحجوم ".
قال المصنف رحمه الله: وتأوله بعض من رخص في الحجامة ، أي: تعرضا للإفطار ، والمحجوم للضعف ، والحاجم لأنه لا يأمن من أن يصل شيء إلى جوفه بمص الملازم.
(من الحسان):
" عن شداد بن أوس قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يحتجم لثماني عشرة خلت من رمضان ، قال: أفطر الحاجم والمحجوم ".
ذهب إلى ظاهر الحديث جمع من الأئمة ، قالوا: يفطر الحاجم والمحجوم ، ومنهم أحمد وإسحاق ، وقال قوم منهم مسروق والحسن وابن سيرين: تكره الحجامة للصائم ، ولا يفسد الصوم بها ، وحملوا الحديث على التغليظ ، وأولوا قوله:" أفطر الحاجم والمحجوم " بأنهما نقصا أجر صيامهما ، وأبطلاه بارتكاب هذا المكروه.
وقال الأكثرون: لا بأس بها ، إذ صح عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم ، واحتجم وهو صائم ، وإليه ذهب مالك والشافعي وأصحاب الرأي ، وقالوا: معنى قوله: " أفطر ": تعرض