المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

(2)   ‌ ‌كتاب العلم من الصحاح: 83 - 147 - قال رسول الله صلى - تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة - جـ ١

[ناصر الدين البيضاوي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة الأولىفي بيان طريق روايتي لهذا الكتاب

- ‌المقدمة الثانيةفي بيان فضل الفن من العلم على سائر الفنون

- ‌المقدمة الثالثةفي بيان تناسب الكتاب والسنة

- ‌المقدمة الرابعةفي بيان أنواع الحديث

- ‌كتاب الإيمان

- ‌ باب

- ‌ بابالكبائر وعلامات النفاق

- ‌فصلفي الوسوسة

- ‌ بابالإيمان بالقدر

- ‌ بابإثبات عذاب القبر

- ‌ بابالاعتصام بالكتاب والسنة

- ‌كتاب العلم

- ‌كتاب الطهارة

- ‌ بابما يوجب الوضوء

- ‌ بابأدب الخلاء

- ‌ بابالسواك

- ‌ بابسنن الوضوء

- ‌ بابالغسل

- ‌ بابمخالطة الجنب وما يباح له

- ‌ بابأحكام المياه

- ‌ بابتطهير النجاسات

- ‌ بابالمسح على الخفين

- ‌ بابالتيمم

- ‌ بابالغسل المسنون

- ‌ بابالحيض

- ‌ بابالمستحاضة

- ‌كتاب الصلاة

- ‌ باب

- ‌ بابالمواقيت

- ‌ بابتعجيل الصلاة

- ‌فصل

- ‌ بابالأذان

- ‌ بابفضل الأذان وإجابة المؤذن

- ‌ بابالمساجد ومواضع الصلاة

- ‌ بابالستر

- ‌ بابالسترة

- ‌ بابصفة الصلاة

- ‌ بابما يقرأ بعد التكبير

- ‌ بابالقراءة في الصلاة

- ‌(باب الركوع)

- ‌ بابالسجود وفضله

- ‌ بابالتشهد

- ‌ بابالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفضلها

- ‌ بابالدعاء في التشهد

- ‌ بابالذكر بعد الصلاة

- ‌ بابما لا يجوز من العمل في الصلاةوما يباح منه

- ‌ بابسجود السهو

- ‌ بابسجود القرآن

- ‌ بابأوقات النهي عن الصلاة

- ‌ بابالجماعة وفضلها

- ‌ بابتسوية الصف

- ‌ بابالموقف

- ‌ بابالإمامة

- ‌ بابما على الإمام

- ‌ بابما على المأموم من المتابعةوحكم المسبوق

- ‌ بابمن صلى صلاة مرتين

- ‌ بابالسنن وفضلها

- ‌ بابصلاة الليل

- ‌ بابما يقوله إذا قام من الليل

- ‌ بابالتحريض على قيام الليل

- ‌ بابالقصد في العمل

- ‌ بابالوتر

- ‌ بابالقنوت

- ‌ بابقيام شهر رمضان

- ‌ بابصلاة الضحى

- ‌ بابالتطوع

- ‌ بابصلاة التسبيح

- ‌ بابصلاة السفر

- ‌ بابالجمعة

- ‌ بابوجوبها

- ‌ بابالخطبة والصلاة

- ‌ بابصلاة العيد

- ‌فصلفي الأضحية

- ‌ بابصلاة الخسوف

- ‌فصلفي سجود الشكر

- ‌ بابالاستسقاء

- ‌فصلفي صفة المطر والريح

- ‌كتاب الجنائز

- ‌ بابعيادة المريض وثواب المرض

- ‌ بابتمني الموت وذكره

- ‌ بابما يقال لمن حضره الموت

- ‌ بابغسل الميت وتكفينه

- ‌ بابالمشي بالجنازة والصلاة عليها

- ‌ بابدفن الميت

- ‌ بابالبكاء على الميت

- ‌كتاب الزكاة

- ‌ باب

- ‌ بابما تجب فيه الزكاة

- ‌ بابصدقة الفطر

- ‌ بابمن لا يحل له الصدقة

- ‌ بابمن لا تحل له المسألةومن تحل له

- ‌كتاب الصوم

- ‌ باب

- ‌ بابرؤية الهلال

- ‌فصل

- ‌ بابتنزيه الصوم

- ‌ بابصوم المسافر

- ‌ بابصيام التطوع

- ‌فصل

- ‌ بابليلة القدر

- ‌ بابالاعتكاف

- ‌كتاب فضائل القرآن

- ‌ باب

- ‌فصل

الفصل: (2)   ‌ ‌كتاب العلم من الصحاح: 83 - 147 - قال رسول الله صلى

(2)

‌كتاب العلم

من الصحاح:

83 -

147 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " رواه عبد الله بن عمرو.

(كتاب العلم)

(من الصحاح):

" عن عبد الله بن عمر [و] رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بلغوا عني ولو آية " الحديث.

إنما قال:"ولو آية" ولم يقل: حديثا ، إما لشدة اهتمامه بنقل الآيات ، لأنها هي الباقية من بين سائر المعجزات ، ولأن حاجتها إلى الضبط والنقل أمس ، إذ لا مندوحة لها عن تواتر ألفاظها.

وإما للدلالة على تأكد الأمر بتبليغ الحديث ، فإن الآيات - مع اشتهارها وكثرة حملتها ، وتكفل الله سبحانه وتعالى بحفظها عن

ص: 145

الضياع والتحريف – واجبة التبليغ مأمورة النقل ، فكيف بالأحاديث ، فإنها قليلة الرواة قابلة للإخفاء والتغيير؟!

وقوله " حدثوا عن بني إسرائيل " تجويز وإباحة للتحدث عنهم ، ولا حرج بفرقة بين الأمرين ،فإن قول القائل: افعل هذا ولا حرج = يفيد الإباحة عرفا ورفع الحرج المفهوم من قوله: (أمتهوكون أنتم؟) ونحوه.

وإنما يجوز التحث عنهم إذا لم ير كذب ما قاله علما أو ظنا ، لقوله عليه السلام:" من حدث بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين " روي بضم الياء بمعنى: يظن ووبفتحها من قولهم: فلان يرى ،من الرأي كذا ، وإنما سماه كاذبا ، لأنه يعين المفتري ، ويشاركه بسبب نشره وإشاعته.

84 -

149 – وقال صلى الله عليه وسلم:" من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ، وإنما أنا قاسم والله يعطي ، ولا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ". رواه معاوية رضي الله عنه.

" في حديث معاوية: إنما أنا قاسم ، والله يعطي ".

معناه: أنا قاسم أقسم العلم بينكم ، فالقي إلى كل واحد ما يليق به ووالله سبحانه وتعالى يوفق من يشاء منكم لفهمه والتفكر في

ص: 146

معناه ، والعمل بمقتضاه.

85 – 150 – وقال صلى الله عليه وسلم:" الناس معدن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الإسلام خيارهم في الجاهلية إذا فقهوا "، رواه أبو هريرة رضي الله عنه.

" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الناس معادن كمعادن الذهب والفضة " الحديث.

(المعدن): المستقر والمستوطن ، من (عدنت البلد) إذا توطنته ، فكما أن المعدن منها ما لا يحصل منه شيء يعبأ به ،ومنها ما يحصل بكد وتعب كثير شيء يسير ، ومنها ما هو بعكس ذلك ، ومنها ما يظفر فيه بمغارات مملوءة من الذهب الإبريز ، فمن الناس من لا يعي ولا يفقه ولا تغني عنه الآيات والنذر ، ومنهم من يحصل له علم قليل بسعي واجتهاد طويل ، ومنهم من أمره بالعكس ،ومنهم من يفيض عليه من حيث لا يحتسب بلا شوق وطلب معالم كثيرة ، وتنكشف له المغيبات ، ولم يبق بينه وبين القدس حجاب ز

86 – 151 – وقال صلى الله عليه وسلم:" لا حسد إلا في اثنتين ك رجل أعطاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي

ص: 147

بها ويعلمها "، رواه ابن مسعود رضي الله عنه ز

" عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا حسد إلا في اثنتين "الحديث.

(الحسد) في الأصل: عبارة عن أن يتمنى الرجل زوال نعمة غيره وانتقالهـ[ا] إليه ، وهو بهذا المعنى مذموم كله ، وقد يطلق ويراد به الغبطة: وهو أن يتمنى حصول مثلها له ، وهو بهذا المعنى حسن مرضي إذا كان المتمنى ما يتقرب به إلى الله ، كطلب المال للإنفاق في الخير والعلم للعمل به وإرشاد الخلق.

87 – 152 – وقال صلى الله عليه وسلم:" إذا مات ابن الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له "،رواه ابو هريرة رضي الله عنه.

" عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة "الحديث.

لما ثبت أنه سبحانه يثيب المكلف بكل فعل يتوقف وجوده توقفا بوجه ما على كسبه ، سواء فيه المباشرة والتسبب ووكان ما يتجدد حالا فحالا من منافع الوقف وويصل إلى المستحقين من نتائج فعل الواقف ، واستفادة المتعلم من مآثر المتقدمين وتصانيفهم بتوسط

ص: 148

إرشادهم ، وصالحات أعمال الولد تبعا لوجوده الذي هو مسبب عن فعل الوالد = كان ثواب ذلك لاحقا بهم ، غير منقطع عنهم.

فإن قلت: قوله صلى الله عليه وسلم:" من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة وومن سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة "، وقوله عليه السلام:"كل ميت يختم على عمله ، إلا المرابط في سبيل الله ، فإنه بنمو له عمله إلى يوم القيامة "يكاد يخل بهذا الحصر ، سيما الحديث الأخير ، فإنه ينافي قطريه؟

قلت: أما قوله: " من سن سنة حسنة " فغير خارج عن هذه الأقسام ، فإن وضع السنن وتأسيسها من باب التعليم.

وأما قوله:" من سن سنة سيئة " فالمراد به المعاصي ، والمراد بالعمل هاهنا: الطاعة ، لغلبته فيه ، فلا تعارض.

وأما قوله:" كل ميت يختم على عمله " فمعناه: أن الرجل إذا مات لا يزاد في ثواب ما عمل ، ولا ينقص منه شيء وإلا الغازي ، فإن ثواب مرابطته ينمو ويضاعف ، وليس فيه ما يدل على أن عمله يزاد بضم غيره أو لا يزاد.

88 – 153 – وقال:" من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة

ص: 149

والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه وومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ، وما اجتمع قوم في مسجد من مساجد الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة ووغشيتهم الرحمة ، وحفت بهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده ، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ط، رواه أبو هريرة رضي الله عنه.

" وعنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ك من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة "الحديث.

" نفس " بمعنى: فرج ، والنفس: السعة يقال: فلان في نفس من أمره ،أي: سعة.

و"الكربة ": الغم ،وجمعها: الكرب ، والكربية: الشدة ز

وقوله:"غشيتهم " أي غطتهم وأحاطت بهم ، و" السكينة ": الوقار والطمأنينة ، مأخوذة من: السكون ، و" حفت بهم ": أحدقتهم وأحاطت بهم ، من: الحفيف وهو الجانب.

والمراد بـ (من عنده): الملأ الأعلى والطبقة الأولى من الملائكة.

وقوله:" من بطأ به [عمله] لم يسرع به نسبه " أي: من أخره عمله لسوئه أو قصوره ، لم يقدمه شرف نسبه.

ص: 150

89 – 156 – وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا.

" عن ابن مسعود رضي الله عنه كأنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة كراهة السآمة علينا".

" يتخولنا ": يتعهدنا ، من: خال يخول خولا ، وروي:" يتخوننا "، والمعنى واحد.

و" السآمة ": الملال ، يقال: سئم – بالكسر – يسأم سآمة.

قال زهير:

سئمت تكاليف الحياة ومن يعش

ثمانين حولا لا محالة يسأم

والمعنى: أنه يراقبنا ويحافظ على أريحيتنا ، زلا يكثرنا الوعظ ، حذرا عن الملال.

90 – 160 – وقال:" لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ، لأنه أول من سن القتل "، رواه ابن مسعود رضي الله عنه.

" وعنه أنه – عليه السلام – قال: لا تقتل نفس ظلما إلا كان على

ص: 151

ابن آدم الأول كفل من دمها ".

معناه: قابيل أول ولد ولد لآدم ، بسبب أنه سن القتل في بني آدم بقتله أخاه هابيل ظلما ز

" كفل " أي: نصيب من دم كل امريء يقتل ظلما.

من الحسان:

91 – 161 – عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة ،وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض ، والحيتان في جوف الماء ، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ووإنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر".

" عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة " الحديث.

نكر العلم ، ليتناول أنواع العلوم الدينية ، ويندرج فيه القليل والكثير.

و (وضع الملائكة أجنحتها لطالب العلم): مجاز عن الانقياد له

ص: 152

والانعطاف عليه ، كقوله تعالى:{واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} [الإسراء:24] أو عن تسهيل مسلكه والإسراع به إلى متوجهه ومقصوده.

وإنما يستغفر له أهل السماوات ، لأنهم عرفوا بتعريفه وعظموا بقوله ، وأهل الأرض لأن بقاءهم وصلاحهم مربوط برأيه وفتواه ووالعبادة كمال ونور يلازم ذات العابد ولا يتخطاه ، فشابه نور الكواكب ، والعلم كمال يوجب للعالم في نفسه شرفا وفضلا ، ويتعدى منه إلى غيره فيستضيء بنوره ويكمل بواسطته ، لكنه كمال ليس للعالم من ذاته ، بل نور يتلقاه من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذلك شبهه بالقمر.

92 -

163 – وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الناس لكم تبع ، وإن رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين ، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا ".

" وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه: استوصوا بهم خيرا ".

أي: وصوا ، وتحقيقه: اطلبوا الوصية والنصيحة لهم عن أنفسكم.

93 – 164 – وقال:" الكلمة الحكمة ضالة الحكيم ، فحيث وجدها فهو أحق بها "،رواه أبو هريرة رضي الله عنه ، غريب.

" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: الكلمة الحكيمة ضالة الحكيم ،

ص: 153

فحيث وجدها فهو أحق بها ".

" الكلمة " هاهنا بمعنى: الكلام ، و" الحكمة ": المحكمة ، وهي التي تدل على معنى فيه دقة الحكيم الفطن المتقن ، الذي له غور في المعاني و (ضالته): مطلوبه.

والمعنى: أن الناس متفاوتة الإقدام في فهم المعاني واستنباط الحقائق المحتجبة واستكشاف الأسرار المرموزة ، فمن قصر فهمه عن إدراك حقائق الآيات ودقائق الأحاديث ينبغي أن لا ينكر على من رزق فهمها ، وألهم تحقيقها ، ولا ينازع فيها ، كما لا ينازع صاحب الضالة في ضالته إذا وجدها ، وأن من سمع كلاما ولم يفهم معناه ،أو لم يبلغ كنهه فعليه أن لا يضيعه ، ويحمله إلى من هو أفقه منه ، فلعله يفهم منه ما لا يفهمه ، ويستنبط ما لا يتأتى له أن يستنبط ، كما أن الرجل إذا وجد ضالة في مضيعة فسبيله أن لا يضيعـ[ها] ، بل يأخذها ويتفحص عن صاحبها حتى يجده ، فيرد [ها] عليه ، وأن العالم إذا سئل عن معنى ،ورأى في السائل دراية وفطانة يستعد بها فهمه ، فعليه أنه يعلمه ولا يمنع منه.

94 – 165 – وقال:" طلب العلم فريضة على كل مسلم "،رواه أنس رضي الله عنه.

" عن أنس رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: طلب العلم فريضة على كل مسلم ".

ص: 154

المراد من (العلم): ما لا مندوحة للعبد من تعلمه ، كمعرفة الصانع ، والعلم بوحدانيته ، ونبوة رسوله ، وكيفية الصلاة ، فإن تعلمه فرض عين.

95 – 167 – وقال:" خصلتان لا تجتمعان في منافق: حسن سمت ، ولا فقه في الدين " رواه أبو هريرة رضي الله عنه.

" وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: خصلتان لا تجتمعان في منافق: حسن سمت ، ولا فقه في الدين ".

(السمت) في الأصل: الطريق ، ثم استعير لهدي أهل الخير، يقال: ما أحسن سمته! أي ك هديه.

96 – 172 – وقال:" من طلب العلم ليجاري به العلماء ، أو ليماري به السفهاء ، أو يصرف وجوه الناس إليه أدخله الله النار "، رواه كعب بن مالك رضي الله عنه.

" وعن كعب بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من طلب العلم ليجاري به العلماء "الحديث.

(المجاراة): المفاخرة ،مأخوذ من (الجري) لأن كل واحد

ص: 155

من المتفاخرين يجري مجرى الآخر.

و (المماراة): المحاجة والمجادلة ،من (المرية) وهو الشك ، فإن كل واحد من المحاجين يشك فيما يقوله صاحبه ، أو يشككه بما يورد على حجته ،أو من (المري) ، وهو مسح الحالب الضرع ليستنزل اللبن ، فإن كلا من المتناظرين يستخرج ما عند صاحبه.

و (السفهاء): الجهال ، فإن عقولهم ناقصة مرجوحة بالإضافة إلى عقول العلماء.

97 – 173 – وقال:" من تعلم علما مما ينبغي به وجه الله ، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة " يعني: ريحها ، رواه أبو هريرة رضي الله عنه.

" وعنه: أنه – عليه السلام – قال: من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة "أي: ريحها.

98 – 174 – وقال:" نضر الله عبدا سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها فرب حامل فقه غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ".

ص: 156

وقال:" ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله ، والنصيحة للمسلمين ، ولزوم جماعتهم ، فإن دعونهم تحيط من ورائهم ".رواه ابن مسعود رضي الله عنه.

" عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نضر الله امرأ سمع مقالتي فحفظها " الحديث.

(النضرة): الطراوة والبهاء ، والنضر والنضار والنضير: الذهب الخالص وكل جوهر خالص صافي اللون ، و (نضر) يجيء لازما ومتعديا ، يقال: نضر وجهه ، ونضر الله وجهه ، وبمعناه: نضر – بالضم – نضارة ، ونضر ، بالكسر ، وروي:(نضر الله) – بالتشديد – بمعنى: نعمه ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل عمله ، فإنه جدد بحفظه ونقله طراوة الدين وجلبابه.

" فرب حامل فقه ": إشارة إلى فائدة النقل والداعي إليه.

وقوله:" ثلاث لا يغل عليهن " إلى آخره: استئناف فيه تأكيد لما قبله فإنه – عليه السلام – لما ذكر ما يحرض على تعلم السنن ونشرها ، قفاه برد ما عسى يعرض مانعا – وهو الغل – من ثلاثة أوجه:

أحدها: أن تعلم الشرائع ونقلها ينبغي أن يكون خالصا لوجه الله ، مبرأ عن شوائب المطامع والأغراض الدنيوية ، وما كان كذلك لا يتأثر عن الحقد والحسد ، وغيرهما مما يتعلق بأمور الدنيا ،ولا يليق بأمر الآخرة.

وثانيها: أن أداء السنن إلى المسلمين نصيحة لهم ، وهي من

ص: 157

وظائف الأنبياء ، فمن تعرض لذلك وقام به ، كان خليفة لمن يبلغ عنه ، وكما لا يليق بالأنبياء أن يهملوا أعاديهم ويعرضوا عنهم ، ولا ينصحوا لهم ، لا يحسن من حامل الأخبار وناقل السنن أن يمنحها صديقه ، ويمنع عدوه.

وثالثها: أن التناقل والتحاور ونشر الأحاديث إنما يكون في أغلب الأمر بين الجماعات ، فحث على لزومها ، ومنع عن التأبي عنها لحقد وضغينة تكون بينه وبين حاضريها = تبيان ما فيها من الفائدة العظمى ، وهو إحاطة دعائهم من ورائهم ، فيحرسهم عن مكائد الشيطان وتسويله.

وروي: (لا يغل) على بناء المفعول و (لا يغل)،من (الإغلال) بمعنى: الخيانة ، أي: لا يخون قلب مسلم في هذه الأشياء الثلاثة ، وعلى هذا: المقصود من ذلك هو الحث على الإخلاص.

99 -

177 - وقال:" من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ " رواه جندب رضي الله عنه.

" وعن جندب أنه عليه السلام قال: من قال في القرآن برأيه ، فأصاب فقد أخطأ ".

المفسر للقرآن برأيه: من شرع في التفسير من غير أن يكون له وقوف على لغة العرب ووجوه استعمالها ، من الحقيقة والمجاز

ص: 158

والمجمل والمفصل والعام والخاص ، وعلم بأسباب نزول الآيات والناسخ والمنسوخ منها ، وتعرف لأقوال الأئمة وتأويلاتهم ، وهو - وإن اتفق له أن يوافق ما قاله المراد بالآية والمعنى بها - فهو مخطيء من حيث إنه ضل السبيل ، وقال ما قاله من غير سند ودليل.

100 -

178 - وقال:" المراء في القرآن كفر " رواه أبو هريرة رضي الله عنه.

" وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه عليه السلام قال: المراء في القرآن كفر ".

المراد بـ (المراء فيه): التدارؤ ، وهو أن يروم تكذيب القرآن بالقرآن ، ليدفع بعضه ببعض ، فيطرق إليه قدحا وطعنا ، ومن حق الناظر في القرآن أن يجتهد في التوفيق بين الآيات والجمع بين المختلفات ما أمكنه ، فإن القرآن يصدق بعضه بعضا ، فإن أشكل عليه شيء من ذلك ، ولم يتيسر له التوفيق ، فليعتقد أنه من سوء فهمه ، وليكله إلى عامله ، وهو الله تعالى ورسوله عليه السلام ، كما قال تعالى:{فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء: 59].

101 -

181 - وقال:" أنزل القرآن على سبعة أحرف ، لكل آية

ص: 159

منها ظهر وبطن ، ولكل حد مطلع "، رواه ابن مسعود رضي الله عنه.

" عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف ، لكل آية منها ظهر وبطن ، ولكل حد مطلع ".

قيل: أراد بها: اللغات السبع المشهود لها بالفصاحة من لغات العرب ، وهي: لغة قريش ، وهذيل ، وهوازن ، واليمن ، وبني تميم ، ودوس ، وبني الحارث.

وقيل: أراد بها: القراءات السبع المعروفة التي اختارها الأئمة السبعة ، وهم: عاصم ، وحمزة ، والكسائي من أهل الكوفة ، وابن كثير من مكة ، ونافع من المدينة ، وأبو عمرو من البصرة ، وابن عامر من الشام.

وقيل: أراد به: أجناس الاختلافات التي تؤول إليها اختلافات القراءات ، فإن اختلافها إما أن يكون في المفردات أو المركبات ، والثاني كالتقديم والتأخير ، مثل:{وجاءت سكرة الموت بالحق} [ق: 19].

و (جاءت سكرة الحق بالموت)، والأول إما أن يكون بوجود الكلمة وعدمها مثل:{فإن الله هو الغني الحميد} [الحديد: 24] ، قريء بالضمير وعدمه ، أو بتبديل الكلمة بغيرها مع اتفاق المعنى ،مثل:{كالعهن المنفوش} [القارعة: 5] ، و (كالصوف المنفوش)، أو اختلافه مثل:{وطلح منضود} [الواقعة:29] و (طلع منضود)، وبتغييرها إما بتغيير هيئة كإعراب مثل:{هن أطهر لكم} [هود: 78] بالرفع والنصب ، أو صورة مثل:{وانظر إلى العظام كيف ننشزها} [البقرة:259] و (ننشرها)

ص: 160

أو حرف ، مثل:{باعد} و {بعد} {بين أسفارنا} [سبأ:19].

وقيل: أراد [أن] في القرآن ما هو مقروء على سبعة أحرف أو أوجه ، كقوله تعالى {فلا تقل لهما أف} [الإسراء] ، فإنه قريء بالضم ، والفتح والكسر منونا ، وغير منون والسكون.

وقيل: معناه: أنه أنزل مشتملا على سبعة معان: الأمر ، والنهي ، والقصص ، والأمثال ، والوعد ، والوعيد ، والموعظة.

وأقول: المعاني السبعة هي: العقائد ، والأحكام ، والأخلاق ، والقصص ، والأمثال ووالوعد والوعيد.

وقوله (ولكل آية ظهر وبطن) قيل: ظهر الآية: لفظها المتلو ، وبطنها: معناها الذي يفهم منه ، وقيل: ظهرها: ما ظهر منها من المعنى الجلي المكشوف ، وبطنها: ما خفي من معناها ، ويكون سرا بين الله تعالى وبين المصطفين من أوليائه.

" ولكل حد مطلع " أي: لكل حد وطرف من الظهر والبطن مطلع ، أي: مصعد ، أو موضع يطلع عليه بالترقي إليه ، فمطلع الظاهر: تعلم العربية والتمرن فيها ، ويتبع ما يتوقف عليه معرفة الظاهر من أسباب النزول والناسخ والمنسوخ وغيرذلك ، ومطلع الباطن: تصفية النفس ، والرياضة بآداب الجوارح في اتباع مقتضى الظاهر والعمل بمقتضاه ، كما قال عليه السلام:" من عمل بما علم ، ورثه الله علم ما لم يعلم ".

ص: 161

102 – 182 - وقال:" العلم ثلاثة: آية محكمة ، أو سنة قائمة ، أو فريضة عادلة ، وما كان سوى ذلك فهو فضل "، رواه عبد الله ابن عمرو رضي الله عنه.

" وقال عليه السلام: [العلم] ثلاثة: آية محكمة ، أو سنة قائمة ، أو فريضة عادلة ، وما كان سوى ذلك فهو أفضل ".

قيل: المراد بـ (الآية المحكمة): الثابتة الباقي حكمها من القرآن وبـ (السنة القائمة): الحديث الصحيح المستقيم سنده وبـ (الفريضة العادلة):الأحكام.

103 – 185 – وقال معاوية رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأغلوطات.

" وعن معاوية: أنه عليه السلام: نهى عن الأغلوطات ".

" الأغلوطات " جمع: أغلوطة ، وهي أفعولة ، من (الغلط) كالأحدوثة ، يريد بها: المسائل التي يغالط بها المفتي ، ليشوش فكره ، ويسقط رأيه.

ص: 162

(3)

كتاب الطهارة

ص: 163