الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على أنني سأقوم بما أوجبه علي من العدل والنصح لهم ولولايتهم ظاهرًا وباطنًا، وأقيمت الحفلات في مدن المملكة العربية السعودية إعلانًا للبيعة، وأطاروا برقيات بذلك إلى الملك وإلى ولي عهده، وابتهجت البلاد ابتهاجًا بهذا الحدث الجيد الذي أثبت الأمن في الحاضر والمستقبل، وقطع كل ما كان يخشى وقوعه في المستقبل.
مواعظ جلالة الملك لأبنه سعود ولي عهده
لما تمت البيعة لسعود أرسل جلالة الملك إليه هذه البرقية الآتية:
الرياض -الابن سعود: لقد احطت علمًا بما ذكرت، أما من قبل ولاية العهد فأرجو من الله أن يوفقك للخير؛ تفهم أننا نحن والناس جميعًا ما نعز أحدًا ولا نذل أحدًا، وإنما المعز والمذل هو الله سبحانه وتعالى؛ ومن التجأ إليه نجا، ومن اعتز بغيره عياذًا بالله وقع وهلك، موقفك اليوم غير موقفك بالأمس، ينبغي أن تعقد نيتك على ثلاثة أمور:
أولًا: نية صالحة، وعزم على أن تكون حياتك وأن يكون دينك إعلاء كلمة التوحيد ونصر دين الله، وينبغي أن تتخذ لنفسك أوقاتًا خاصة لعبادة الله والتضرع بين يديه في أوقات فراغك؛ تعبد إلى الله في الرخاء تجده في الشدة، وعليك بالحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يكون ذلك كله على برهان وبصيرة في الأمر، وصدق في العزيمة، ولا يصلح مع الله سبحانه وتعالى إلى الصدق والعمل الخفي الذي بين المرء وربه.
ثانيًا: عليك أن تجدّ وتجتهد في النظر في شؤون الذين سيوليك الله أمرهم بالنصح سرًا وعلانية، والعدل في المحب والمبغض، وتحكيم الشريعة في الدقيق والجليل والقيام بخدمتها باطنًا وظاهرًا، وينبغي أن لا تأخذك في الله لومة لائم.
ثالثًا: عليك أن تنظر في أمور المسلمين عامة، وفي أمر أسرتك خاصة، اجعل كبيرهم والدًا ومتوسطهم أخًا وصغيرهم ولدًا، وهن نفسك لرضاهم، وامح زلتهم، وأقل عثرته، وانصح لهم، واقض لوازمهم بقدر إمكانك، فإذا فهمت وصيتي هذه ولازمت الصدق والإخلاص في العمل فابشر بالخير.
أوصيك بعلماء المسلمين خيرًا، احرص على توقيرهم ومجالستهم وأخذ نصائحهم، واحرص على تعلم العلم لأن الناس ليسو بشيء إلا بالله ثم بالعلم ومعرفة العقيدة، احفظ الله يحفظك، هذه مقدمة نصيحتي إليك والباقي يصلك إن شاء الله في غير هذا، سيبايعك الناس في الحجاز يوم الاثنين، وسيقبل البيعة عنك أخوك فيصل، وسيصل إليك هو وأفراد الأسرة لتبليغك بيعة أهل الحجاز، وليبايعوك عن أنفسهم، وأرجو من الله أن يوفقك للخير.
الإمضاء عبد العزيز
فأجابه سعود بهذه البرقية:
جلالة مولاي الملك المعظم أيده الله: جوابًا على برقية مولاي عدد 275 المؤرخة 18 منه، فإن جميع ما ذكره مولاي لخادمه هو عين الصواب، وإنه لا قوام لديننا ودنيانا إلا بالله ثم به، من اتبعه نجا بنفسه ونجا من ولاه الله عليه، وإنني إن شاء الله سأجتهد وأعتمد ما ذكره مولاي من النصائح الدينية والدنيوية، وأرجو إن كان الله يعلم مني ذلك أن يوفقني لرضاه ثم لرضا جلالتكم، وأن يوفقني لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين وولايتهم، وإن كان يعلم مني ضد ذلك فأسأله تعالى أن يكفي المسلمين شرّي، وأن يرد كيدي وكيد كل كائد على المسلمين إلى نحره، وسأبذل الاجتهاد إن شاء الله في سبيل كلمة التوحيد وتقويم الشريعة المحمدية، والنصح للإسلام والمسلمين ظاهرًا وباطنًا، والنصح لولايتهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة ذلك على كائن من كان، أرجو من الله أن يعيننا على ذلك ويمنحنا التوفيق والسداد، إن النية التي ينطوي عليها خادمكم إن شاء الله هي: أولًا: إعلاء شأن كلمة التوحيد، وتأييد الشريعة الإسلامية، والنصح لولاية المسلمين، وإنزال الناس منازلهم خصوصًا أسرتنا كبيرهم وصغيرهم، كما تفضل به مولاي، كبيرهم أب وأوسطهم أخ وصغيرهم ولد، والعدل بين الرعية، وإني أعاهد الله على ذلك، وإني ما ألبس ثوب عافية دونها، وسأكون إن شاء
الله مقيلًا لعثرتهم، حليمًا على جاهلهم، وهذا إن شاء الله هو العمدة في الدين والدنيا.
ثانيًا: سأتخذ الصدق إن شاء الله والإخلاص والجدّ في العمل، وسأوقّر علماء المسلمين وأجالسهم وآخذ نصائحهم وأحضهم على تعلم العلم والتعليم، هذه العقيدة والتوفيق بيد الله تعالى.
ثالثًا: إن ما ذكره مولاي عن موقفي أمس وموقفي اليوم وإن الأمر لا يصلح إلا بالعمل الصالح والخالص لوجه الله، وعبادة الله وحده، والتضرع إليه في الخلوات، والالتجاء إليه وحده فهذا الذي فيه النجاة، إلى أن قال: وإني لا علم بأن الله لم يظهركم إلّا بسبب كلمة التوحيد والعقيدة الصالحة التي بين الإنسان وربه، وأرجو من الله أن يوفقنا لذلك، وإن شاء الله إن صلاحك سيصلحنا، وإن نيتك الطيبة إن شاء الله تعمنا، والأمور التي أوصيتني بها أضعها نصب عيني، وسأبذل جهدي إن شاء الله بما يعود منه المصلحة لديننا والتوفيق بيد الله، وأرجو من مولاي الدعاء لخادمه بالبيت الشريف، وأرجو من الله أن يديم لكافة المسلمين بقاءكم، ولا يرينا فيكم ما نكره، والله يا طويل العمر إني يوم قرأت برقيتكم ما قدرت على إتمامها لتردد عبرتي وضيق صدري، والله أسأل أن يطيل عمركم ويجزيكم عن الإسلام والمسلمين أفضل الجزاء، أوصيت فأبلغت وستظل وصيتك في قلي راسخة إن شاء الله ما حييت؛ أرجو أن يمد الله لنا في حياتك، ذكر مولاي أن البيعة تكون يوم الاثنين في الحجاز وأن الأخ فيصل والعائلة سيقدمون إلينا بالبيعة فحياهم الله، والذي يراه مولاي هو المبارك إن شاء الله، وإني أنتظر ما سيتفضل به على مولاي بعد هذا، وأرجو من الله لا يخلينا منك، وأن يمتعنا وجميع المسلمين بحياتك.
الإمضاء الابن سعود
ثم إنه بعث إليه جلالة الملك المعظم بخطاب مفصل ينصحه فيه بتقوى الله، والعمل بمكرم الأخلاق، والسعي بالعرب والمسلمين في طرق الخير والفلاح، وينصحه أيضًا بالحزم في أموره، والعدل في أحكامه، والبر بالعلماء، وحفظ العهود
والمواثيق، والنظر في مصالح المسلمين وولايتهم في السلم والحرب والصلح، والنظر في المعاملة الداخلية والخارجية، وأن يعرف الحكومات وموقفها ونياتها وسياستها، وينصحه بالحذر والتأني في تلقي ما ينقل من الأخبار عن الأفراد والدول، وأخذه بالعقل والأناة، والبعد عن حكم الهوى.
فأجابه صاحب السمو ولي العهد بأنه سامع مطيع، وآخذ بنصائحه الثمينة، ويدعو الله أن يوفقه للعمل الصالح.
ولما انتهت البيعة من مكة التي أخذها بالنيابة عنه أخوه فيصل توجه بوفد الحجاز إلى الرياض، فأقيمت فيها يوم 16 محرم 1352 هـ حفلة إعلان البيعة.
وفي الساعة الثانية عشر من صباح ذلك اليوم اجتمع في القصر الملكي الأمراء آل سعود والمشايخ والعلماء وأقطاب المملكة، وتصدّر هذا الحفل العظيم الأمير محمد بن عبد الرحمن أخو جلالة الملك، وبجانبه الأمير سعود بن عبد العزيز بن عم الملك وزوج أخته، ثم أمراء آل سعود الأكبر فالأكبر، ثم الأمراء من آل رشيد، وجلس على اليسار المشايخ والعلماء ووفد مجلس الشورى، وتليت برقية الملك وكتابه الملكي اللذان أرسلهما إلى ولي العهد مع وفد البيعة.
ثم وقف الشيخ الكبير محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ ووعظ الناس وشكر الملك ونصح الأمة باتباع الدين، ثم وقف محمد بن عبد الرحمن، وبعد أن حمد الله وأثنى عليه ألقى كلمة بليغة أثنى فيها على أخيه الملك وامتدح فعاله في السابق واللاحق ودعا له بالتأييد والنصر وطول العمر، ثم عدد خدماته ومآثره التي اخرها هذا العمل المبارك العظيم، وهو إعلان البيعة بولاية العرش للأمير سعود، ورجا أن يكون وراء ذلك الخير كل الخير لـ آل سعود وأهل نجد والمملكة العربية السعودية، ثم مدَّ إخوته عبد الله وسعود وأحمد ومساعد وسعد ثم الأمراء فيصل ومحمد وخالد وآل الشيخ أجمع، وآل الرشيد، وفي مقدمتهم عبد الله بن متعب، وبعد أن تمت المبايعة شكر ولي العهد أصحاب السمو الأمراء وأعمامه وإخوته وأبناء عمومته، وخصَّ أباه الملك بالدعاء وختم خطابه بقوله إنني لا أدخر وسعًا