الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجميلة ولا يصل إلى سره أحد، هذا وفيه انقباض وقلة عشرة في الغالب، والله يغفر له، ولولا الإخلاص للتاريخ والالتزام بالصدق لما ذكرت ذلك، ولكن لا بد لشخص يقوم في مقامه أن يكون مرًا في بعض الأحيان لئلا يجترئ الجهال عليه، لأنه لا خير في حلم لا يكون له بوادر من القوة تحمي الحمى عن جراءة اللئام، وناهيك بقوته وشجاعته، فقد كان شجاعًا مقدمًا فيصلًا يوقف كل معتد عند حده، ولا يصغي إلى الغيبة والقيل والقال، ويبغض النمام ولا يحب أن يذكر عنده أحد بسوء، فإذا أخذ من حوله بالقيل والقال قطع كلامه وقال هات ثمرة الكلام ودع ما لا يعنيك، وكثيرًا ما يقول أئت بالشاهد، وكان يأكل تحت يده أيادي كثيرة، ويحتشم أقرباؤه لحشمته، ويكرمون لكرامته، وإذا دعي إلى مأدبة أو تكرمة خاصة به فلا والله لا يهيأ للملوك ولا الأمراء مثلها، ومن عادته أن يستجيب لدعوة أهالي الخبوب وقت الثمار في القيظ للنزهة والفسحة والنظر المباشر في المشاكل، فكان إذا واعدهم يتهيأون ويرتقبون لمجيء الشيخ، ويعدون المجالس والفرش والخيرات والأنعام، فإذا كان بكرة النهار خرجت الأمة من النخل والمساكن يستقبلونه الشيوخ قبل الشباب والكهول، وقد تخرج المخدرات من بيوتهن والعوتق من خدورهن فرحة بقدوم القادم، ويتطلعن من السطوح والأبواب والنوافذ، فلا إله إلا الله لا ترى إلا غبرةً تثور وأولئك الشيوخ يتوكأون على العصي، والطيب والبخور يستقبل به، ومن الفقراء من يبكي ويمسكون بأشلائه يا شيخ إذا لم نحصل على جلوسكم في بيوتنا فلا نحرم من أن تتوضأ من الماء أو تمر مع السوق، فتشبع الفقراء بسببه وتخصب أرضهم ذلك اليوم، وقد يستمسك به المسلمون فلا يدعونه يرجع أسبوعًا كاملًا محبةً وطلبًا للشرف في حله بين أظهرهم.
الباب الثامن: في جوده ومكارم أخلاقه
كان سخيًا كريمًا جوادًا مبذالًا، فلذلك ترى بيته كأنه قصر حاكم، إذا خرج من المسجد مع طلوع الشمس ففي معيته جماعة من المسلمين فيدخل الديوان في بيته
فيجد القهوة والشاي والحليب قد هيء فيجلس بهم هناك ويتناولون الشراب بغبطة وكرامة، وفي وقت الضحى إذا رجع إلى بيته للغداء فقد حدثني من يصاحبه من رفقته أنهم يجدون الأرز والخبز واللبن والبطيخ والفواكه من عنب وتمر، قد هيئ فكل من يدخل فإنه يلقى من الأطعمة شيئًا كثيرًا، وكان بيته مرادفًا للمسجد الجامع إلى جهة الشرق، فسيحًا واسع الأرجاء ينتابه القريب والبعيد ذلك لما أولاه الله من النعم الكثيرة والعقارات العظيمة، ولقد كان أقرباؤه وذوو رحمه وأنسابه لا يزالون يتقلبون في نعمه محتشمين لديه مكرمين لأنه مكرم لأقربائه وصول لرحمه، وكان من عادته دعوة أناس معينين لطعام العشاء في ليالي رمضان من دخول الشهر إلى خروجه يأكون في بيته، وله غرماء يستدينون منه، فكان يواضعهم ويلطف بهم وييسر عليهم ويتجاوز عنهم.
وكان رحيمًا بالناس يعود المرضى ويشهد الجنائز، وله رفقة يلازمونه في الغداء والعشاء، وقد يلبث أحدهم شهرين وثلاثة أشهر لا يأكل من طعام أهله لأنهم قد اكتفوا بما يجدونه بأسباب الشيخ.
ولقد حضرت معهم مرة إذ وافيته بالوادي المسمى ألودي المعروف، وقد خرج معه اثنا عشر رجلًا من الأحباب والطلاب، ولما رآني أظهر بشاشة وأخذ بيدي، وكنت لا أحب متابعته في الموائد فأجلسني إلى جانب خمسة من أصحابه، ونزل في الغدير يغتسل، وبعد فراغه أقبل إلينا ونحن في انتظاره فأمرهم أن يغتسلوا وذهب بي إلى مقر خيامهم حوالي الجبل فوقف هناك وصلى ما كتب له من النوافل، وذلك في وقت الضحى، ولما فرغنا من الصلاة طلب مني أن أكون معهم فاعتذرت بأن لي رفقة لا يزالون في انتظاري، غير أن طاعته ألزم علي فجلست معه وكنت وإياه في حديث وحسن عشرة ويقلب طرفه في السماء ويريني السحاب والرباب ويمازحني ممازحة أجد لها لذة، وما كان عليه سوى نعلين وثلاثة أثواب بيض وشماغ، فكان من كلامي له أن قلت له: يا شيخ قد توفى العبادي وأهل العلم لا يزالون ينقصون فإنا لله وإنا إليه راجعون، فأجاب بقوله: يا إبراهيم الله المستعان، وجعل يسألني عن أهل بيتنا واستقامتهم وهل لي من ذرية فذكرت له إذ ذاك أن