الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر تقدم الجيوش السعودية في الحرب اليمنية
لما كان يحيى يجهز الجنود التي عاثت في الفساد، ويراجع ابن سعود بالسلم ويتودد، وكثرت الشكايات من الأمراء السعوديين، جهز ابن سعود الجنود وبعث البعوث وأصدر أمره السامي لابنه فيصل أن يتقدم على رأس ثمانمائة سيارة، وجهز ولي العهد سعود بن عبد العزيز يحيوش هائلة كقطع الليل المظلم، أضف إلى ذلك ما كان مع الأمير فيصل بن سعد من الجنود، وما لدى الأمير حمد الشويعر، فزحفت تلك الجيوش نحو الجيش اليمني وأخذت في الوقت نفسه تتقدم حتى احتلت جيوش الأمير فيصل بن عبد العزيز تهامة ولحية والحديدة على البحر الأحمر.
وكتب صاحب الجلالة عبد العزيز بن عبد الرحمن إلى يحيى يصارحه في هذه المرة أنه لا يترك من يستطيع حمل السلاح في ناحية القصيم إلا جهزه وقال ليس ذلك بإرجاف ولكن لما فطرت عليه من الصراحة، وقد كان في الجيش السعودي حماسة وشهامة، ولديهم القوات الهائلة، أما الإمام يحيى فقد كان لديه قوة عسكرية لا بأس بها، ومدافع قد اشتراها من أحد المصانع الإيطالية، وكان جيشه يقدر فيما قيل بخمسة وثلاثين ألف مقاتل مجهزًا تجهيزًا جيدًا، ومدربًا على أيدي ضباط من الترك قد تخرجوا من الكلية العسكرية في الأستانة وظلوا في اليمن بعد انهيار الأمبراطورية التركية مفضلين الحياة فيها، ولكن هذا الجيش الحسن ليس بشيء بجانب الجيوش السعودية، ولما جاءت الجنود السعودية وزحفت القوات الإسلامية التي لا قبل ليحيى بها طوقت اليمن واحتلت نجران وتهامة وميدي والحديدة وغيرها، وانهارت في الحال كل التدابير التي اتخذها يحيى، وأضحت الجنود السعودية قد طوقت اليمن من الشمال والغرب، وجعلت اليمن تتوقع ماذا يحل بها، هذا ولي العهد أقبل من تلك بمجموعة، وهذا فيصل جاء من الجهة الأخرى، وهذه عشرة آلاف مقاتل قد وقفوا على الحدود يدافعون مستعدين بالسلاح الكامل، وهذه سرية قدرها أربعمائة في سيارات، وسرية مثلها، وسرية هاجمت
وبددت ما أمامها، وسرية قدرها مائتان في زورق من الزوارق البخارية، فقام يحيى يجاوب جلالة الملك ويسأله إيقاف تلك الجنود، فتحصلت المجاوبات بقدر من ثمانية عشر برقية نشر يحيى فيها كمال الصلة والهبة والمواخات، ويجاوبه ابن سعود بأنه على حرص عظيم على السلم وحقن الدماء، ويعاهد الله على ذلك سرًا وجهارًا، ولكنه لا يمكن سلم ولا معاهدة ولا صلح وأنت تسوق الجند من جهات، وكتب الإدريسي توقد الفتنة وتحرض الناس عليها، فإن كان لحضرتكم رغبة في الصلح والسلم فاعملوا عمله أو يرفع الجند منا ومنكم لاماكنه وتتم المراجعة بيننا وبينكم في الحال الذي يصلح للجميع.
وفي معرض كلام صاحب الجلالة أن قال وإني أدخلكم على الله ثم أدخلكم عليه ثم أحملكم مسؤولية الحرب أمام الله ثم أمام العالم عن الوقوع في هذا الشر الذي ما نؤمله من حضرتكم، وقد سبق أن تركنا جميع ما يقال ونحن نرى الحقيقة ونكذبها وثوقًا بالله ثم بوعودكم وعهودكم فإن كان المقصد من هذه الحركات نشوب الحرب فقد بلغ الأمر منتهاه، وإن كان القصد السلم فطريق السلم كما عرفناكم والله يحفظكم.
فأجاب يحيى بجواب يدل على ضعفه، وكان من جوابه أن قال: وقد انحلت العقدتان الأدارسة والمعاهدة المشتملة على الحدود، ولله الحمد، ولم يبقَ إلا إفادة الأخ من ترك بلاد يام في الحياد.
إلى أن قال: وإذا كان الأخ يسعى للسلم ورفع الأحقاد فنحن نهرول إليه هرولة، وتفضلوا بسرعة الإفادة لحل هذه المادة الثالثة. . إلخ.
وكان الباعث له على هذا الجواب ما رآه من سطوة القواد السعوديين، ولما جهز اللك عبد العزيز نجله وولي عهده وأمره بالتقدم إلى الحدود اليمانية لاسترجاع البلدان التي احتلها الجيش اليمني أكد عليه بعد الاسترجاع أن يقف انتظارًا لأمره الأخير، وكان هو القائد العام للجيوش السعودية التي سارت من نجد إلى عسير، أما فيصل بن عبد العزيز فهو القائد العام للجيوش والقوات السعودية التي زحفت من
الحجاز، وناهيك به من عبقري قد صقلته التجارب، وكان جيشه مزودًا بالسلاح الكافي من بطاريات ومدافع جبلية ورشاشات وسيارات مصفحة، وكذا أخذ القائد العظيم فيصل بن سعد يتقدم، كما أن ابن أخي جلالة الملك خالد بن محمد أخذ في قيادته يتقدم إلى نجران.
ثم إن جلالة الملك أجاب يحيى لا بعث إليه بالبرقية الأخيرة بالشكر له على حبه للسلم، ولكن كيف يمكن السلم وماذا نقول إذا كان أصحابكم يسيرون جندًا من رزاح على أطراف العبادل، فبهذا يعتبر أن الكلام ضاع وأنكم قد أعلنتم الحرب وبدأتم به، وهذا الذي كان يحذرنا الناس منه، وكانوا يؤكدون لنا أنكم عازمون عليه، وأن الكلام الذي بيننا وبينكم مخادعة، ولكن ديننا وشيمتنا أبت علينا أن نقبل ذلك، وإنما قبلنا عهودكم ورضينا بالله ربًا، وجاء الفعل الأخير مصدقًا لما قاله الناس، ولم يبقَ في اليد حيلة فإن كان الأخ صادقًا في قوله فليمنع جميع الحركات، وليباعد الجند إلى آخر درجة من الحدود، فإن كانت الراجعة ستكون وجندكم يمشي والإدريسي يكتب ويحرك كما رأينا كتبه لأهل المقاطعة فهذا أمر لا يرضاه الله، ولا تقبله النفوس الطيبة، فإن كان الأمر على ما قلتم فالواجب يقضي بالتباعد عن الحدود، وإن كان المقصد إغفالنا وأنتم عازمون على ما عزمتم عليه فلا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل، يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين.
ثم جاء الجواب من الإمام يحيى فيه إجابة طلبات جلالة الملك، وأنه سيكتب حالًا، بل كتب إلى ولده سيف الإسلام ومنعه عن كل حركة، ويطلب من جلالة الملك أن يبين وقتًا لاجتماع المندوبين بميدي أو غيره، ويطلب من جلالة الملك العفو العام وأنه سيكون إن شاء الله توقيع المعاهدة بينهما ونشرها في الجرائد، ثم قال وسبحان الله ما أحلى نشرها لدن ذوي الديانة الإسلامية، وأكثر سرورهم واستغرابهم وتعجبهم لذلك، وأطال بلين الخطاب وغاية التلطف، وجعل يراجع ابن سعود في إيقاف العساكر والجنود السعودية وأن أهل كذا ضربتهم المدافع
وحصل على العساكر قتل، وجاءنا من ولدنا سيف الإسلام كذا فأجابه ابن سعود بكل جميل وقال: في البرقية المؤرخة في 27 رمضان بأن ولي العهد سعودًا قد سار على السيارات قبل وصول برقيتكم الأخيرة بثلاث أيام، وكان قد تجهز الابن فيصل من الحجاز ليسير على الساحل ببعض القوى التي عنده، وإننا تمكنا من تدارك سير الابن فيصل من الحجاز نظرًا للمواصلات البرقية بيننا وبينه، وأرجعناه إلى محله، وأما سعود فنظرًا لعدم وجود المواصلات البرقية بيننا وبينه لم نتمكن من إرجاعه إذ يكون اليوم تقريبًا في بيشة، ثم إنها ما زالت المراجعات والمفاوضات بين ابن سعود وبين يحيى آخر رمضان وطيلة شوال، وكلها تعرب عن كامل المحبة والولاء.
ولما أن كان في 2 ذي القعدة وصل الندوبون المرسلون من قبل يحيى إلى أبها برئاسة عبد الله بن الوزير، وهذه وصية جلالة الملك لوفده لما بعثوا نبأ إليه يخبرونه في 2 ذي القعدة علمنا باجتماعكم، ونرجو أن يقسم الله ما فيه الخير، وما دام هناك سبيلًا للسلم فلا تدخروا جميع جهودكم في سبيل الوصول إليه مما لم يتعد الأمر الحد، ويكون هناك ما ضرره ممبر من نفعه، وبالله ثم بكم الكفاية وجميع ما عندي أبلغتكم به من قبل، أسأل الله أن يوفقكم للخير، وكان وفد ابن سعود يرأسه فؤاد بك حمزة ثم جلس المندوبون للمفاوضات، وجرى من ابن الوزير المندوب من قبل يحيى تعاظم وحدة وذكر أن الإمام يحيى قد اشترى كذا وكذا من المدافع والرشاشات، وأنه وأنه وتحامق ابن الوزير، وجرى منه فظاظة الأولى بنا تركها واستمرت المفاوضات حتى تاريخ 24 من ذي الحجة.
وفي هذه المدة التي اتفق فيها مندوبو الطرفين لتسكين الحرب والنظر في حل المشكلات جعلت تتقدم جنود يحيى وتعيث فسادًا، وكنت أظن أن اختلافه لبعث هذه الوفود ليسكن سورة ابن سعود وجيوشه، وجاءت البرقيات من أمراء الجيوش السعودية تفيد بما ارتكبه جند يحيى، فجاءت برقية من ابن سلطان في أبو عريش إلى جلالة الملك بما نصحه بتاريخ 7 ذي القعدة وردنا كتاب من راعي فيفاء يفيد أن
المشايخ وعلى أم يحيى جاءهم طلب من ولد يحيى السيف لمقابلته في صعدة، وأن عمال يحيى في فيفاء قد أخذوا زكاة الحبوب والمواشي وضربوا الجزية على أهلها من ذكر وأنثى، وصغير وكبير، وجعلوا على كل نفر ربع ريال، وأما شيوخ بلغازي فهم الآن عند ناظرة فيفاء المنصوب من قبل يحيى.
وجاء من حمد الشويعر أيضًا في صامطة ما نصه إلى جلالة الملك بتاريخ 7 ذي القعدة وردتنا الأخبار من فيفاء أن أهلها في أشد ضيق من يحيى وجنده لأنه أنزل عندهم ثلاثة آلاف من الجند، وجعل في كل بيت من بيوتهم أربعة أنفار، وأهل البيوت مكلفون كصرف الجند من طعامهم وشرابهم ولوازمهم، وقد أخذوا على كل رأس من البقر نصف ريال، وريالًا على كل رأس من الأبل، وعلى كل نفس من النفوس من النفوس من ذكر وأنثى، وكبير وصغير ربع ريال، وقد طلبوا المشايخ إلى صعدة ليجبروهم على أن يكتبوا على أنهم لا يريدون ولايتكم، وقد كتبنا كتبًا لهم ما يلزم فأحببنا إحاطة جلالتكم بذلك.
فبعث جلالة الملك جوابًا ليحيى قال فيه: ولذلك وقعت في حيرة من أمرين، إذا راجعنا برقياتكم ووعودكم فيها ومواثيقكم استراح خاطري ورجوت، وإن رأيت الأفعال التي فعلت تأسفت وأمرت بالاستعداد والحزم، والأفعال التي فعلت في أطرافنا لا تخفى عليكم ولا أحب أن أقول أنكم علتم بما فعل ورأيتم أننا بقينا مكتوفي الأيدي حبًا للسلم الذي هو عادتي، وحبًا بالصداقة معكم، ورجاء وفائكم بعهدكم، فالأمر أخي وصل حده من جميع الجهات وحل الأمر وتركه بأيديكم، وأقسم لكم برب السموات والأرض أولًا: أن الحوادث التي جرت في أطرافنا كتمتها على جماعتي، وأعز ما عندي من إخوتي مخافة أنهم إذا اطلعوا. . إلخ.
وقال أيضًا في مجاوبته ليحيى في تاريخ 17 ذي الحجة: أخي إن هذا موجب للأسف وقد صار الشك يقينًا وأيد سوء القصد، وأنكم تريدون أعمالكم السابقة، فلا ابن الوزير ولا غيره من كبير أو صغير، لا يمكن أن يحل المشكل
دون أن ينفذ الطلب الذي طلبناه، وهو فرض علينا إدراكه، ولا يمكننا تركه، فإذا كنتم تحبون الإنصاف والصلح والسلم، وحقن الدماء فلا يكون إلا به، ونحن لم نطلب شططًا، ولم نطلب إلا حقًا تجاوزتم عليه، إن العهود التي بيننا وبينكم نكثت دخلتم حدود بلادنا، واستوليتم عليها، ونقضتم العهد الأول الذي كان بيننا وبينكم أيام قدم إليكم ابن دليم وابن ماضي، ونقضتم معاهدة عرو الذي عاهدتمونا عليها، ثم نقضتم العهد الذي بيننا وبينكم في تحديد الحدود، وعمل المعاهدة لمدة عشرين سنة، ولم يكن لهذه العهود من جواب إلا استيلائكم على فيفاء وبني مالك والعبادل، وتقديم الإدريسي يشتغل بالفساد، وقد أشرفنا على كتاب منه بتاريخ 7 ذي الحجة 1352 هـ لمحمد بن حمود صاحب الحسينية وغيره يحثهم فيه على الفتنة ويهدهم ويوعدهم، إن مطلبنا الذي طلبناه منكم يقره كل منصف يخاف الله تعالى، ثم ذكر مطالبه وهي سحب جنده عن بلاده لأنهم دخلوا عليها بعد العهد، وأن يطلقوا الرهائن ولا يتدخلوا بشؤون بلادنا، وقد أعطيناكم الأمان الذي طلبتموه لهم، وعفونا عنهم ولم نعاتبهم على ما فات منهم، ثانيًا: طلبنا منكم الإنصاف في نجران، أما أن يكون محايدًا بيننا وبينكم، وأن يكون ما بجنوبه لكم وما بشماله لنا مثل بدر وهواده وحبونة وما بينهما، فإن كنتم لا توافقون على حياده، فاقترحنا أن يكون أيديكم من أهل نجران لكم هم وبلدانهم، ومن كان تحت أيدينا من أهل نجران هم وبلادهم لنا، إلى أن قال أما إيقاف العمل بغير شيء ظاهر واضح غير قابل للتأويل، مستعجل فوق العادة ليس بالإمكان لأن الأمر قد فرط، وباب السلم مفتوح إذا عزمتم على إتمام ما كان تقرر بيننا، وقد مضى علينا عدة أشهر والعدوان يتمادى علينا، ولم تجدنا جميع المراجعات فائدة، فلم يكن لنا مندوحة عن الدفاع الذي أمرنا به، أما ابن الوزير فهو تحت أمركم إن أردتم قدومه إلينا يقدم، وهو ولد كريم بين جماعته ورفاقه وأمره إليكم، أما المراجعة بالتعليل والتطويل، فلا فائدة ولا نجاح لها، والمسؤولية أمام الله، ثم أمام الرعية، ثم أمام
الناس، على من تسبب وماطل عافاكم الله، ثم جاء الجواب من يحيى في 19 ذي الحجة بكلام ظاهره الخديعة والملق، وأظهر أنه قادم متعهدًا بعقد المعاهدة عشرين سنة، وإبقاء الحدود كما هي عليه الآن، ورفع الأدارسة كما انتهت المراجعة، وإطلاق رهائن الجبال، وإرجاع الجبال إلى حضرة صاحب الجلالة كل هذا يلتزم به، ثم أخذ يسب المكارمة لولاهم لما كان كذا، ولولاهم لكان كذا وأطال، إلى أن قال وحسب إفادتكم العلية كتبنا للسيد عبد الله بن الوزير ورفقته وصولهم إلينا، وإذا رأيتم وصوله إلى حضرتكم لإكمال العاهدة وإمضاءها فهو الأولى والسلام عليكم.
ولما رأى ابن سعود أعمال يحيى التي كان يدبرها وأن جنوده جادون في تقدمهم غير أنه يسكن خصمه بالخديعة والمكر، عندها أصدر أو امره إلى قواده، واضطر إلى ذلك للدفاع عن مملكته فتقدمت الجيوش السعودية وجعلت توالي الزحف إلى الأمام، فيصل بن سعد تقدم إلى باقم وأطرافها، والأمير خالد بن محمد تقدم إلى نجران وصعدة، والأمير حمد الشويعر تقدم إلى حرض، وأمر نجله فيصل بن عبد العزيز أن يتقدم ويتولى القيادة، وتقدم سمو الأمير محمد بن عبد العزيز زاحفًا بنجدة من نجد وقوة احتياطية لأخيه سعود، ونشرت جريدة أم القرى في يوم السبت الموافق 8 ذي الحجة مقالة ألقاها جلالة الملك ابن سعود في المأدبة الكبرى التي أقيمت في القصر الملكي بين فيه خطته في هذه الحرب اليمانية، وأنه امتشق الحسام فيها ضرورة، ولولا خشية الأطالة لأتينا به، وهو تفسير لأعمال يحيى التي تقدم ذكرها، وقال في أخره.
فكان جوابه ملقًا وتملصًا ووعودًا، وآخر الأمر أبرق لي بأنه لا يفعل معي إلا ما يفعله الأخ مع أخيه والصديق مع صديقه، وهكذا سلسلة حوادث له معي أخجل من ذكرها إذ لا يعملها إنسان عنده مروءة، ولا يقبل بها رجل ذو شرف وشيمة، لم أترك وسيلة للصلح والسلام إلا فعلتها، ولكني ما رأيت غير المحاولة، لذلك أمرت ولي العهد ليتقدم بجنوده إلى الإمام فيستخلص البلاد التي