الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الألوف من جنوده قد بترت أيديهم وأرجلهم من البرد الذي جمد أطرافهم، فلم يفدها الطب الحديث بعلاج ولم ينفعها إلا البتر، وإن الواجب أن تعبأ السكك الحديدية والطائرات لتغذية وتجهيز الجيوش النازية، فقد تعبت الحيوانات التي تجر عربات نقل الذخائر بين الأوحال والثلوج، فجيوش المشاة التي قطعت أراضي روسيا من واشو على نهر الفيستولا في بولندا إلى نهر نافا المتاخم لموسكو قد مشت هذه الطريق الوعرة الجرداء المهلكة سيرًا على الأقدام تتبعها المؤن والذخائر المنقولة على ظهور الخيل التي هدت الأبعاد الشاسعة حيلها وأفناها طول المدى وقلة العلف وندرته قد صارت في حالة يرثى لها، فقد تساوى الإنسان والحيوان، وفي مساء 21 كانون الثاني أذاعت ألمانيا بيانًا للدكتور غوبلز يحث فيه الشعب الألماني والشعوب الصديقة بجمع الملابس الشتوية لجنود ألمانيا المرابطين، فهبَّ الشعب الألماني وتبرع بمائة مليون كسوة للجيش الألماني المرابط في روسيا.
معركة موسكو
لما جاءت الإمدادات من بريطانيا لموسكو عن طريق الإعارة والتأجير أحدثت الأسلحة البريطانية من الدبابات والمدافع الثقيلة خوفًا سيئًا لدى جيوش الرايخ الألماني، فلقد شعرت القوات الألمانية بأنها عارية وغير قادرة على الدفاع أمام هذه الأسلحة الجديدة، ففي مدينة فيريا اجتاحت الدبابات البريطانية خطوط الدفاع الألمانية وهي لا تلوي على شيء، ولم تستطع القوات الألمانية التحرش بها، وبقيت القوات الألمانية التي كانت تتوثب لدخول موسكو مذهولة وعاجزة عن أن تتقدم خطوة، وبالرغم عن ذلك فإن الفيلد مارشال فون كلوغة أمر قواته الآلية بالتقدم نحو موسكو فاحتلت مدينة كلين الواقعة على بعد 50 ميلًا من موسكو، ووصلت طلائع قواته موسكو، بل أقامت لها جسرًا على قناة موسكو فافولفا في شمال موسكو العاصمة، وصارت قوات هتلر تشاهد أسوار موسكو القيصرية القديمة
وجدران الكرملين العالية من ضاحية أوسرتيكوي، غير أنه صدر أمره بعد ذلك بوقف القتال علمًا منه بأن مواصلة القتال في ظروف ثلجية قاسية ليس من المصلحة، هذا وقد احتلت بريطانيا وروسيا بلاد إيران عقب حركة مارس العراقية 1941 م، تلك الحركة التي كلفت العراق غاليًا من الرجال والأموال وحطمت قوى الجيش العراقي كما أسلفنا، وشرعوا في الحال بإنشاء سكة حديدية من البصرة إلى أذربيجان عبر إيران لإمداد الجيوش الشيوعية بالأجهزة والإمدادات الحربية الثقيلة خاصة، ثم بعد أن رؤى بأن هجوم كانون الأول المتقدم على الجيوش الهتلرية لم يؤدِ إلى النتيجة المطلوبة، ولم يسحق قوات هتلر بل فشل ستالين وعاد أدراجه وهو يحمل إلى الكرملين خفي حنين، قامت قيامة روسيا وراحت تطالب الحلفاء بريطانيا وأمريكا بفتح جبهة ثانية على هتلر، فأخذت إمدادات الحلفاء في خريف عام 1942 م طوفانًا هائلًا توقف لها الزحف الياباني على أبواب الهند وحدث مثل هذا في ميدان شمال أفريقيا، فقد توقف زحف رومل عند العلمين وأنزل الأمريكيون والبريطانيون قوات كبيرة هناك، ولما أن تراجع القائد الألماني المارشال فون كلوغة قام المارشال الروسي جوكوف بعد تراجعه بثلاثة أيام وهجم على جيوش هتلر وقادها من معركة ستالينغراد، وكان هجومه عنيفًا إلى درجة بعيدة، حتى أنه حطم أجزاء الجبهة النازية المرابطة في العراء أمام موسكو.
ومن العجائب أن هتلر أهمل تقوية الجبهة، فبالنظر إلى هذه الحالة القاسية التي لا تبشر بخير قرر المارشال فون كلوغة بعد اجتماع عقده مع رؤساء أركان حربه أن يأمر الجيش النازي الرابع بالانسحاب، غير أن هتلر أصدر أمرًا جديدًا إلى قيادة الجيش النازي الرابع بالهاتف اللاسلكي يقول فيه:
إن على الجيش الرابع أن لا يتراجع شبرًا واحدًا إلى الوراء مهما كلف الثمن، وبما أنها هبطت درجة الحرارة إلى 42 تحت الصفر فإن جيوش ستالين كان حظها في أوحال الشتاء وثلوجه ومصائبه لم يكن بأقل من حظ جيوش هتلر في التعاسة والنكبة، فلقد كانت الكفة متوازية، غير أن الشيوعيين يتحملون برد بلادهم