الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هو العالم العلامة اللوذعي الماهر في العلوم والواثق بالله الحي القيوم، شيخنا الشيخ أبو إبراهيم عبد العزيز بن إبراهيم بن عبد العزيز العبادي رحمه الله وعفا عنه، ولد حوالي سنة 1314 هـ وكان والده كاتبًا فنشأ على العفة والعبادة والزهد والورع، وكان قليل ذات اليد وأمه ابنة الشيخ محمد بن عبد النّه بن سليم، فأخواله آل سليم، وكان ذا عقيدة سلفية يحب أهل الدين ويميل إليهم، ويبغض أهل الشر ويعيبهم، وكان شجاعًا حازمًا له محفوظات كثيرة، وذوق في العلوم، وإدراك ونهمة وهمة عالية تتضاءل عندها همم ذوي الهمم، ولازم الشيخ عمر بن محمد بن سليم فأخذ عنه وتتلمذ له وجعل يدأب في طلب العلم حتى بلغ رتبة تقتصر عنها سورة كل مطاول وتتلاشى دونها وثبة كل مماثل، وناهيك به من حبر يقل مثله بين أهل هذا الزمان، وتجثوا على الركب بين يديه الأقران، وكان صبورًا على حلو الزمان ومره، وله محبة في القلوب، وقبول لدى الخاص والعام، وله مؤهلات بلغته إلى رتب عالية بلغ بها إلى أن كان في النيابة في قضاء بريدة، إذا تغيب القاضي عنها، ولولا حرارة المزاج لقلت فريد زمانه ووحيد وقته، فنسأل الله الكريم المنان ذا الجود والأحسان الذي غمر خلقه بلطفه، وتفضل عليهم بجوده وعطفه أن يتغمده بغفرانه ويسكنه فسيح جنانه، ويؤمنه من نيرانه.
ذكر مشايخه الذين أخذ عنهم وتدريساته
رحمة الله عليك يا أبا إبراهيم، لقد كنت متأسيًا بالسلف ومتمسكًا بأخلاقهم في الصبر والاحتساب ومكابدة مرارة العيش ومعرفة الدنيا وزوالها والآخرة وبقاءها، فلم تأخذك العزة ولم يلهك زخرف الدنيا وزينتها، طلبت العلم بدون مساعدة في المرتب، وعلّمت إخوانك وما طمحت نفسك إلى وظيفة، بل كنت تطلب العلم لله وتعلمه الناس رجاء مثوبته.
أما مشايخه فإنه أخذ العلم عن الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم، وأخذ عن غيره من العلماء، وأخذ أيضًا عن الشيخ عمر بن محمد بن سليم، وأكثر الأخذ عنه،
وتخرج عليه وشرب من عذب زلالهما، وجدّ واجتهد حتى برع في علم التوحيد والأصول والفروع، وكان لا يحقر أحدًا أن يأخذ منه الفائدة، ولو شئت لقلت إنه كان إذا سألته عن مسألة وأنس مني إلمامًا بها يحرج مقامي في المصادر التي عثرت عليها فيها، وكثيرًا ما يبعث السؤال للعلماء كالشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري، ويأخذ رأي العلماء في المشاكل ولا يتكبر ولا يتجبر.
ولما بلغ من العمر خمسًا وعشرين سنة جلس للتدريس بإجازة من شيخه عمر بن محمد فجعل يعلم في تجويد القرآن ويدرس فيه على طريقة التجويد والضبط، ويعلم في بقية العلوم فازدحم على مجلسه خلق كثير وجم غفير، وجثت التلامذة والأقران والشيوخ أمامه على الركب يقتبسون من فوائده، ويستفرغون منطوقه، وكان لا يسأم التدريس ولا يملّ، مكرمًا للإخوان، ويحب الكتب ويجمعها ويجعل لكل كتاب غلافًا من القماش، ولا يزال يقلب كتبه ويكثر لمسها ويحشمها ولا يثق على كتبه شريفًا ولا وضيعًا، وقد هيا لها دواليب من الخشب، وكانت مجالسه عامرة بالتدريس ليلًا ونهارًا ينتابها الأهالي والأجانب وهذه كيفيتها:
جلس للتدريس في بداية الأمر في المسجد الجامع في بريدة بعد صلاة العصر في تجويد القرآن، فكل تلميذ يقرأ ورقة، وغالب التلاميذ يدرسون في القرآن حفظًا، فإذا فرغت حلقة أهل القرآن شرع أناس يدرسون في كتب الحنابلة وغيرهم، ثم جلس بعد ذلك في مسجد آل مشيقح للتدريس، فكان إذا صلى الغداة تحلقت عليه حلقة لأخذ علم النحو ثم حلقة أخرى في علم قسمة المواريث، فإذا ما طلعت الشمس قام يتوضأ ويتناول شراب القهوة في بيته، وكان قد طلب منه الفاضل الجواد عبد العزيز بن حمود بن مشيقح والد الأسرة أن يشرف محله وبيته كل صباح لتناول القهوة في بيته لبعد بيت الشيخ عن المسجد المذكور، ولما لهذا الجواد الكريم من أريحية يده البيضاء التي لا تزال إذ ذاك تفيض على أهل العلم بالإكرام والاحتشام، ولما منحه الله من توفير العلماء وأهل الدين والفضل، غير أن الشيخ يفضل الذهاب إلى بيته لقضاء الحاجة والوضوء، وقد لا يبعد أن هذا الجواد الكريم
يبعث إلى بيت الشيخ معونة ومساعدة على مؤونة الدنيا فجزاه الله خيرًا على أعماله الطيبة، فإذا كان بعد طلوع الشمس وانتشارها عاد إلى المسجد ثم يجلس يدرس في صائر فنون العلم إلى قريب زوال الشمس، ثم يعود إلى بيته، فإذا ما صلى الظهر في المسجد المذكور جلس للتدريس إلى أذان العصر، وأشهد لرايته مرة أذن مؤذن صلاة العصر، وقد بقي ثلاثة من التلامذة لم يقرءوا، فإذا صلى العصر جلس في المسجد الجامع يدرس إلى أن توارى في الحجاب، وقد تغرب الشمس وقد بقي بقية لم يصل إليهم الدور، ولما كثر الطلاب وبلغ عدد الذين يدرسون في القرآن نهسة وثلاثين جعل لكل تلميذ صحيفة، وكان يتقيد بآخر الصفحات من المصحف العثماني الذي رتب الجزء منه عشر ورقات.
أما الكتب التي يدرس بها عليه فإليك بعضها:
درسنا عليه كتاب أعلام الموقعين عن رب العالمين، وكتاب حادي الأرواح في صفة الجنة، وكشاف القناع عن متن الإقناع، والروضة الندية لصديق بن حسن القنوجي، ويدرس عليه في المغني لابن قدامة، والشرح الكبير، وشرح المنتهى والمقنع، والفروع والصحاح، والمسانيد، والشروح، والسنن، والمختصرات، ومدارج السالكين، وزاد المستنقع وشروحه، ودليل الطالب وشروحه، وكتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وشرح الطحاوية وغيرها، ويطيل ويفسر الكلام ويشبع وشمهب ويجرح ويعدل ويلهج بذكر الخلاف.
ولما علم الله صدق نيته رزقه كتبًا كثيرة وحصل على شيء عجيب منها، وأصبحت ترد عليه من مصر والحجاز، والشام وغيرها، ثم بعدما يصلي الغرب يذهب إلى بيته يتناول العشاء الآخرة، قام للصلاة في المسجد الجامع ثم ينتقل ما ضاء الله ويوتر وينام، فهذه حالته إلى أن لف بأكفانه، وبكاه كل جيرانه وفقدته أناء زمانه، وكان فيه مؤهلات للقضاء والفتيا، وله سعة وقدرة في استجراح مسائل العلم، هذه صفته:
كان مربوع القامة، ضرير البصر عيناه نائتان، أبيض اللون، أسود الشعر، في