الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إعداد الجيش القوي محققًا في ذلك النهضة الأولى في جزيرة العرب، تلك النهضة التي أسسها جلالة الملك عبدِ العزيز آل سعود سيد الجزيرة عندما اكتشف البترول لأول مرة في الظهران تقدمت لاستثماره شركات بريطانية وأمريكية، فقال ابن سليمان، إن من يعطي شروطًا أفضل يمنح له الامتياز، وتقدمت بهذه الشروط أمريكا فمنحت الامتياز، وعندما تفجرت تلك الثروة من الأرض فأحالت التراب ذهبًا طلب الوزير عبدِ الله بنُ سليمان إلى الشركات الأمريكية تعديل شروط الامتياز، فعدلها أولًا وثانيًا حتَّى بلغت ميزانية الدولة لهذا العام سبعمائة وسبعة وخمسين مليونًا.
ذكر وفاة وزير الدفاع منصور بن جلالة الملك عبد العزيز
ففي اليوم 24/ 7 توفي الوزير، وهذه ترجمته:
هو الأمير الكبير والعلم الشهير صاحب السمو الملكي منصور بنُ عبدِ العزيز بنُ عبدِ الرحمن آل فيصل آل سعود قدس الله روحه ونور مرقده وضريحه، الشاب الأديب المثقف الألمعي، طيب الذكر، القائد العظيم، الماهر في القيادة.
ولد رحمه الله في سنة 1338 هـ، وكانت أمه تركية، وقد أعجب به والده وأولع به لما يتفرسه به من المؤهلات، ولقد صدقت فراسة والده به، وكان عند حسن الظن، فظهر مظهرًا رائعًا في البطولة والسياسة وحسن التدبير، وله ذوق طيب في الأداب، وكان ذكيًا إلى حد بعيد، حتَّى أنَّه ليدرك الأمر الصعب البعيد بالبداهة في لمح البصر ما لا يدركه غيره، كريم النفس، وكان يشبه أباه الملك في وثاقة التركيب وقوة البنيان، وارتفاع الذرى، وكان قائدًا حربيًا مولعًا بالفنون العسكرية والمخترعات الحديثة، طموحًا وثابًا حتَّى وصل إلى غاية بلغت به أن أسند إليه أَبوه وزارة الدفاع لتمام كفاءته في إصلاحها، والسير بها إلى الإمام والتقدم، فهو خبير بآلات الحرب الحديثة من دبابات وطائرات ومدافع، وأسلحة، حتَّى أن القادة البريطانيين وعلى رأسهم القائد الشهير أوكنلك
أعجب بعبقريته وكفاءته ومؤهلاته الحربية والعسكرية حينما زار الصحراء العربية في هذه الحرب.
وما زال يدرب من وكل إليه أمرهم من النود تدريبًا فنيًا جيدًا حتَّى أصبح الجندي السعودي، له شأن عظيم لا يفقد شيئًا من أمور البطولة والشجاعة، وإن وجود قائد كمنصور على وزارة الدفاع بهذه البراعة ليؤذن بتقدم الجيش السعودية وقوته، وإنه يبلغ مبلغًا طيبًا، ولا ريب عند أهل المعرفة أن وفاته هدّ عظيم في جانب هذه المملكة، ولقد حزن عليه والده وبكاه، وتأثر لموته، وأصيب به المسلمون، وخسرته الحكومة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، قدر الله وما شاء فعل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ولقد أسس مساجد، وطبع كتبًا على نفقته، وقام بمشاريع عظيمة، غير أن المنية لم تمهله يعمل ولا يكمل، فيا للفادحة الكارثة، ويا للرزء الكبير، ولقد أمر صاحب الجلالة الملك بتنفيذ جميع ما أسسه إكرامًا له، ومساعدة لأعماله الخيرية التي قام بها، وما زال يتقدم بالجيش حتَّى أصيب في هذه السنة كرض مخوف، فبعث به والده الملك إلى باريس للمعالجة، ولما قدمها لم يفد فيه العلاج شيئًا، بل اشتد ألمه، وبعد ذلك خرجت روحه هناك، وكان قد أوصى والده بوصيتين حينما أراد الذهاب وأحس بأن المرض قد أجاه، وخشي أن لا يرجع أوصاه باولاده، ثم أوصاه أن يهتم بقوة الجيش وإعداد السلاح، وقال إن الحكومة هي الجيش، فبقوته تقوى الحكومة، ولما توفاه الله تعالى هناك دعى والده يحثمانه إلى المملكة ليانس بقربه للزيارة، فأتى به وجهز وصلى عليه ثم دفن في الطائف.
ولقد حرصت حال وضع ترجمته على إثبات قصيدة رثائية لهذا القائد العظيم فلم أجد شيئًا، ولولا ضيق الوقت لأتينا بمرثاة تعدد شيئًا من مناقبه وأخلاقه.
ونبرز هنا كلمته التي ألقاها في استقبال القوى السعودية المجاهدة في فلسطين بعد أن أدت واجب الجهاد في تلك الأرض المقدسة، ثم قدمت في الشهر الخامس من السنة المتقدمة، فوافاها في ميناء جدة على رأس كثير من
رجال الجيش وأعيان البلاد، ورؤساء الدوائر والوجهاء، وأساتذة المدارس، ورجال الكشافة، وعمد المحلات، وهي هذه:
أبناء وطني العزيز، حضرات الضباط والجنود، أيها المجاهدون الأكرمون، إنه ليملأ قلبي سرورًا حين أحييكم جميعًا وأحيي فيكم روح الشجاعة وروح التفاني لحماية الوطن، والذود عنه، عن هذه القلوب من أبناء الوطن التي احتشدت لتحي المجاهدين في سبيل الله لتوحي إلى وإلى هذا الجيش الذي أتشرف بإدارة أمره بروح الاعتزاز والفخر، وتبعث في نفوسنا روحًا وثابة للعمل في تنظيم قواتنا وإعداد عدتنا للدفاع عن هذا الوطن المقدس، إن الجيش هو سياج الوطن وهو بعد الله حامي حماه، والجيش ليس إلَّا مظهرًا من مظاهر الأمة، وهو عنوان مجدها وفخارها التي لا يكون الجيش مفاخرًا لنفسه إلَّا إذا رأى الأمة بشبابها وكهولها وشيوخها تمده بأكبادها وقلوبها، لقد انبثقت قوة الإسلام من هذه البلاد المقدسة، ففتحت المدن والأمصار وشباب اليوم هم نسل آباء الصدق الذين خلقوا لهذه الأمة ذلك التراث العظيم من المجد والفخار، ولا ينقصنا للوصول إلى ما وصلوا إليه إلَّا صدق العزيمة للسير على الطَّرِيقِ الذي ساروا عليه.
أبناء وطني، أمامنا مستقبل حافل بالأحداث، ومن لا يكون ذئبًا أكلته الذئاب، واني أنتهز هذه الفرصة السعيدة فادعو جميع من يستطيع من أبناء وطني الإنخراط في سلك الجندية لحفظ كيان البلاد والدفاع عن السلام، ولنأمن على أنفسنا في أوطاننا، نحن لا نريد العدوان على أحد، ولم نكن يومًا ولله الحمد من المعتدين، إنني أنتهز هذه الفرصة لأشيد بالمساعدات العظيمة التي لقيها جند مولاي الملك عبدِ العزيز من عطف ورعاية حباها به جلالة الفاروق ملك مصر، وكذلك المساعدات العظيمة التي لقيها من حكومة مصر وشعبها، وإن الصلات التي توثقت بيننا وبين مصر حكومة وشعبًا واشترك فيها الدم القاني في سبيل غاية واحدة في السراء والضراء كالبنيان المرصوص تعمل لخير
الإسلام والعرب، ولنصرة مبادى الجامعة العربية، وفي الختام أسأل الله أن يوفقنا جميعًا لما فيه الخير لأمتنا، ولتقوية جيشنا المحبوب في ظل قائدنا الأعلى جلالة الملك عبدِ العزيز ومعاضدة سمو ولي عهده، وأن يديم نصره وتأييده لرفع كلمة الإسلام والمسلمين والعرب.
ولما زار المترجم منصور بنُ عبدِ العزيز القوات السعودية المجاهدة المرابطة بالسويس أنشا هذه الأبيات تحية له الأستاذ محمد سعيد بابصيل عضو البعثة السعودية بمعهد مصر للطيران:
العيد في رؤياك أكرم
…
وافد يا قلب فاهنأ بالأمير الوافد
سعدت بلقياه العيون وطالما .... سعت القلوب إليه سعي مجاهد
منصور قد زرعت يداك أمانيًا
…
للناشئين فكنت أكرم حاصد
فلكم أيادٍ حملت بمفاخر
…
غرً وأخرى طوقت بمحامد
أنت الذي بعث البعوث فكنت
…
في إيفادها للمجد أصدق رائد
منصور فعل محنك ومسود لخطي .... موفقة ورأي سائد
قدت النفوس بحكمةٍ وروية
…
لا بدع ذلك فعل أعظم قائد
لهفي عليك وفي يمينك رايةً
…
تدعو لخير مناهل ومقاصد
لهفي عليك وفي اعتزامك صرخة
…
دوت بأقدس جامع ومعابد
تهفو إليك قلوبنا
…
وعيوننا والله في الحالين أعظم شاهد
فلو النجوم الزهر تسعى بيننا
…
لنظمتها لعلاك خير قلائد
سلمت يداك وعدت فينا سالمًا
…
روحي فداك على المدى وقصائدي
وقال الأستاذ محمد فدا عضو البعثة السعودية:
منصور اسمك في الوغى
…
لحن يردده الجنود
منصور اسمك نشوة
…
تسري فتضطرم الجهود
لك في البطولة آية
…
يفنى الزمان ولا تبيد
ما أنت بالرجل الغليظ
…
ولا بذي الطبع العنيد
أوتيت قدرة طارق
…
ومؤهلات ابن الوليد
عش للعروبة حاميًا
…
للدين والوطن المجيد
ومن كلام الأمير منصور الذي حفظ عنه وخلد ذكره قوله:
أمنيتي في الحياة أن أخدم مليكي وبلادي وأمتي خدمة حقة، وأن أعمل في سبيل عزة الإسلام ومجد العروبة، وأسير على نهج والدي، وأنهض بالجيش السعودي.
ولما أن توفاه الله وانتقل إلى رحمته جعل الأمير مشعل بنُ عبدِ العزيز وزيرًا مكانه في الدفاع، وزوده والده الملك بوصايا، وحثه على أن يسير بالجيش على خطة منصور حتَّى كأنه لم يمت.
وفيها وفاة خطيب المسجد الحرام الشيخ أبي السمح محمد عبدِ الظاهر في عهد جلالة الملك عبدِ العزيز، وكان أَبو السمح شيخًا فاضلًا، ذا علم ودين، وله بعض مؤلفات تدل على تمسكه بالدين والميل إلى السنة، وكان مصريًا، وقد تولى إمامة مسجد أبي هاشم بالرمل، فكان فيه إمامًا وخطيبًا وذلك في الإسكندرية، ومن أبياته الحسنة قوله في قصيدة البائية التي بينت من عقيدته وما يدين الله به:
فيا داعيًا غير الإله وعاكفًا على
…
القبر تشكو ما عراك وتندب
أليس إله العرش للعبد كافيًا
…
كفيلًا بما يرجوه منه ويرغب
أليس هو الرب اللطيف بخلقه
…
فمن غيره للخلق أدنى وأقرب
ومن مثله حيٌّ سميعٌ لمن دعى
…
قديرٌ على إعطاء ما منه يطلب
إلى أن قال:
وحب رسول الله أرجى وسيلةٍ
…
وأعظم قربى للذي يتقرب
ويشفع يوم الحشر في الناس كلهم
…
كما صح في الأخبار يروي ويكتب
فيسجد تحت العرش للهِ داعيًا
…
بكل خضوع يقتضيه التأدب
فبإذن رب الخلق في الفصل والقضا
…
وسِيقَ إلى النار الغواة فكبكبوا
وقام على الحوض الشريف نبينا
…
وطار إليه الناس عطشًا ليشربوا
وكان قد تولى إدارة دار الحديث في مكة المشرفة، وقد رأيته غير مرة في