الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن تلك الأرزاق وما يتبعها من المعدات الحربية التي قدمت بعد ذلك مع الجنود تنبيء بأمر مهم شخصت الأبصار لها وقامت العاصمة تستعد باحتفالاتها لقدوم الملك، ولما أن كان في 12 من الشهر قدمت الدبابات والمصفحات ونصب على كثب الرمل الحمراء في الموضع المسمى التغيرة ما يقرب من ألفي خيمة، وامتد بناء الخيام حتى بلغت مساحة الأرض التي نصبت فيها مع الخيام الأخرى التي نصبت بعد ذلك ما يزيد عن تسعمائة ألف متر مربع، ثم تدمت السيارات النقلية وسيارات الركوب بعد ذلك، ولما أن كان في صباح 17 ربيع الثاني خرج أهالي القصيم إلى المطار للاستقبال، ففي تمام الساعة الثانية عربية صباحًا أقلت الطائرات عاهل الجزيرة من الرياض وعدتها ثمان طائرات من بينها الطائرة الخاصة الملكية يصحبه أنجاله والحرس الخاص، ثم إنها هبطت في الثالثة تزيد خمس عشرة دقيقة، ولما هبطت الطائرات في القصيم كانت ساعة مشهودة استعد فيها أهالي القصيم باحتفالهم البديع فملئوا الصحاري، وجلس صاحب الجلالة في موضع الاستقبال حتى قرت العيون بالسلام عليه ورؤيته، ثم إنه سار إلى موضعه في المخيم المنصور.
ذكر الاستعراض وما جرى من استبسال أهل القصيم وشجاعتهم
إن أهل القصيم والحق يقال كانوا رجالًا أهل دين وسمت، وفيهم نخوة عربية دينية، فلذلك كان صاحب الجلالة عبد العزيز بن سعود يختصهم بالثقة والحشمة والشيمة، أضف إلى ذلك أن لهم سوابق في الشجاعة والتقدم، وطالما صفوا تحت راية ابن سعود وجاهدوا عدوه كما في وقعات مرت بنا بهذا التاريخ، فهم يتمسكون بشرفهم ويخدمون مليكهم، ويبتعدون من الشقاق ولو أدى ذلك إلى اجتثاث أصلهم، فما أقواهم في الدين، وما أشجعهم في اللقاء، وكلا الخصلتين محمودتان عند الله وأطائب خلقه، فلقد قاموا بقيادة أمير بريدة باستعراض أمام جلالة الملك يهزجون بالأناشيد ويضربون الدفوف ليلة 18 ربيع الأول، ثم لما كان
من الصباح تأهبوا مستبسلين وكل شخص قد استعد بسيفه أو بندقيته، فكانوا صفين أمام قصر الحكم في بريدة، وبعدما استكمل عددهم مشوا من ذلك الموضع ووقفوا صفين في بطن الخبيب بطول أربع كيلو، فقامت الدفوف لها لجبة عظيمة يسمع قرعها من مسافة بعيدة، وقامت فرقة السلاح الأبيض تتمايل خلف العلم السعودي، وقامت كعاب البنادق يسمع لها قعقعة، واستمر الاستعراض ست ساعات من الزمن، ثم أطلقت البنادق في الفضا، وهذا وصاحب الجلالة الملك المعظم يشاهد ذلك، ثم إنه كمل الاستعراض، ولما أن كان من الغد أعيد الاستعراض للمرة الثانية، وقامت فرق المتطوعين تعرض على صاحب الجلالة وقد استبسل أهالي القصيم وفدوا إمامهم الملك العظيم والقائد المحنك بما عز عليهم من الأنفس والأموال، وإنهم يسيرون تحت رايته الخفاقة، ولو خاص بهم البحر الخضم، ولو أمامهم النار لوقعوا فيها.
أولئك رجال القصيم الذين فضلهم لا ينكر، يشهد لهم بالتقدم في المعارك والفتوحات الإسلامية التاريخ والوقعات التي دوخت كل مكايد تقف أمام جلالة الملك ابن سعود، أو يريد الإسلام بسوء، ثم انها أطلقت البنادق في الفضا، وانتهى الاستعراض في الساعة السادسة نهارًا تزيد ثلاثين دقيقة.
وكان عدد الذين شهدوا الاستعراض واشتركوا فيه من أهل القصيم ستين ألف مقاتل من الرجال الشجعان.
ولقد أعجب الملك بهذه الشجاعة وسره ما أبداه الأهالي من التحمس والتقدم، فيا له من استعراض يذيب القلوب ويشحذ الهمم، ويثير السواكن، ثم إنه نقل المطار إلى موضع العودة الذي لا يزيد مسافته عن البلد بكيلوين.
وكان الموكب عظيمًا طنبت فيه خيام ابن سعود، وصفت السيارات والمدرعات والمصفحات والمدافع والرشاشات والمكائن النارية، ومدت أسلاك الكهرباء المنيرة موزعًا على ذلك الموضع، ونظمت العساكر والجنود ونصبت القدور، وجلبت الأدباش.
وكان خيام النساء والجواري والوصائف على اتحاد في موضعها وما يتبع كل نجل من الخدم والأولاد والأثاث على اتحاد، وسيارات البترول واللاسلكي على اتحاد، وسيارات الركوب كذلك، وسيارات النقل كذلك، ويحف بالموضع من أقاصي أرجائه الجيش النظامي، وبالرغم من وجود صاحب الجلالة الملك المعظم فإن الفواكه قد بلغت غاية في الغلاء، حتى بلغت وزنة الطماطا أربعة عشر ريالًا، وانتهت قيمة الحطب إلى قدر عظيم في الغلاء حتى بيع الحطب الذي يقدر بحمل بعير بثلاثين ريالًا بعد أن كانت القيمة أربعة ريالات، ولولا ما اتخذته مديرية مالية بريدة من جلب الأسباب قبل ذلك في شحن السيارات والسعي في نيله لكان الأمر أعجب وكان يأتي إلى ذلك المخيم يوميًا أربعمائة حمل من الحطب، وقد بلغت قيمة الحطب الذي استهلكه المخيم العظيم مائتي ألف وثلاثين ألف ريال في شهر واحد، وبما أن الفواكه ترد من مصر والشام وغيرها عن طريق الطائرات يوميًا فإنها لا تزال في الغلاء، أما بقية الأسعار فإنها تحسنت قيمتها.
ثم إنه قسم الملك ابن سعود على أهل بريدة ألف كيس من البر والدقيق، ومائة ألف وخمسين ألف من النقود، وعلى بقية قرى القصيم مائة ألف من النقود، هذا الذي كان في الظاهر، وأما ما كان سرًا فإنه لا يحصى، ولما كان في 29/ 4 سار على سبعين من السيارات لزيارة عنيزة يصحبه بعض أنجاله، فأقام فيها يومًا واحدًا ورجع آخر النهار، وفي يوم الاثنين الموافق 2 جمادى الأولى سافر إلى بلاد حائل على ظهر ثلاث طائرات، وقد سار أمامه بعض التقليات والمصفحات إليها فقدمها وأقام فيها يومين، ثم إنه رجع مسرورًا وقد خرج الأهالي من بريدة لاستقباله في المطار لما رجع إليها، ولما نزل من الطائرة الملكية وقف للناس وهم يزدحمون للسلام عليه ويبتسم عجبًا من محبتهم له، ثم إنه أقام في بريدة إلى 17 جمادى الأولى الموافق ليوم الثلاثاء، ولقد سر سرورًا بشجاعة أهل القصيم، وما يكنون في أنفسهم من النصح له والمحبة، وزاد إعجابه بهم.