الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأراضيهم، ولم يتركوا وسيلة لأذيتهم والبطش بهم والفتك بهم إلى أتوا بها، فمن أجل هذا قاموا يصرخون في الحرم المكي الشريف بمناسبة اجتماع المسلمين فيه بالموسم، وبالأخص حجاج بيت الله الحرام، ويشكون ما يقاسونه مستمدين من المسلمين الدعاء والنصرة لهم على أعدائهم.
وفيها وقع في شمال إيران زلزال عنيف هدم كثيرًا من الدور، وأسفر عن قتل مائتي شخص وجرح كثيرين، وكانت الخسائر فادحة في تلك الجهة.
ثم دخلت سنة 1368 ه
ـ
استهلت هذه السنة والعالم العربي وغيره في حروب وزعازع، لا سيما مشكلة فلسطين فإنها قد بلغت الذروة في الصعوبة، وأصبحت تنذر بشر مستطير يوشك أن يصطلي بنارها الصغير والكبير، وتالله إنه لأحسن للمظلوم أن يدرع ويقاوم بالصبر والجلد، ويشمر عن ساق الجد والعزم والحزم حتى يأذن الله عز وجل بنصر من عنده، أو أمر من نفحاته، فإنها لحالة عجيبة ونكتة غريبة أن تقوم أمة ضرب الله عليها الذلة والمسكنة وتوعدها بإطفاء نارها، وذلك لأنهم كانوا أقل من ذكرهم فتطرد العرب عن بلدانهم وتسومهم سوء العذاب بالقتل والأسر والنهب والتشريد، وأنواع العبث، فيا ليت شعري أين العرب؟ أين القوة؟ أين الشجاعة؟ أين العدل؟
وكان الأمير فيصل بن عبد العزيز نجل الملك لما خطب وأبان إبطال تقسيم فلسطين الذي صوت له الكثير وضح أن المصوتين بالتقسيم مرشيون، وأن العرب لا تقرّ التقسيم، أجاب بعض المغرضين بقوله: إذا لم ترضَ العرب ولا تقرّ ذلك فكيف تصنع؟ فتكلم الأمير فيصل بصفته منتدبًا من قبل الحكومة السعودية وجعل يرغي ويزبد يقول:
سوف نقوم بواجب الوحدة لأخذ حق العرب ممن ظلمهم، سيقوم العرب قيامًا يعرف به واجب حقهم، إن العرب أصبحوا أحرارًا فيما يعملون، ومن حقهم
أن ينظروا إلى مصالحهم ويدافعوا عن حقوقهم بما يختارون من الوسائل معتمدين على الله ثم على أنفسهم، متمثلين بقول شاعرهم:
وإنما رجل الدنيا وواحدها
…
من لا يعول في الدنيا على أحد
وقد علمتهم الحوادث أن حقوق الشعوب في نظر الدول القوية حبر على ورق، وأن الحكمة للقوة وحدها في كل زمان ومكان:
متي تجمع الرأي الصحيح وصارمًا
…
وأنفا حميا تجتنبك المظالم
وستبقى فلسطين عربية على رغم الصهيونية، ثم تكلم كل مندوب عربي بتقرير كلام فيصل.
ومما قال بعض الشعراء هذه القصيدة وقد عزاها بعضهم إلى الأستاذ فؤاد شاكر في دار الوزارة، وقد نالت الاستحسان واستعيد أكثر أبياتها:
ذر الدمع واذرف سائل القلب بالدم
…
فلا مأتم فيما مضى مثل مأتم
وأقبل على سيل الحوادث عابسًا
…
غضوبًا بزار الغاضب المتجهم
فأين إباة الضيم من كل سيد
…
يصول على الظلام صولة ضيغم
وأين رعاة الحق من كل صيد
…
يذود عن الأوطان جور التحكم
لقد آن للموتور أن يدفع الأذى
…
ويدفع ظلام الحقوق بميسم
لقد آن أن يردي الضلال بعزمة
…
وأن لايطأ الباغي بشع ومنسم
أبي الحق أن نمشي الغداة أذلةً
…
نسام هوانا من بغيٍ ومجرم
يعز على العليا أن يفقد الحمي
…
كرامته أو أن يذل ويرتم
سخيًا على رغم اليهود أعزةً
…
ونسحق بالأقدام ذل التقسم
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه
…
يكن كيهود الأرض ذلة مغنم
طغت بفلسطين الهموم مبيدةً
…
فمادت بقايا ركنها المتهدم
طغت بفلسطين الرزايا وإنها
…
لها الله كالبيت العتيق المحرم
رماها بغاة السوء والشر والأذى
…
بكل غويٍ فاجر متأتم
رويدًا بغاة الظلم فالدهر قلب
…
وما ظالمٌ إلا سيبلي بأظلم
لقد طال ليل الظالمين وعسفهم
…
ويا رب ليلٍ للمظالم أسحم
تجشم فيه العرب كل رزية
…
إلى أن نفضوا عنهم كلال التجشم
وناءوا بأعباءٍ جسامٍ تصرمت
…
أواصر دنياها ولم تتصرم
وسيموا من الخسف المبرح جاحمًا
…
من الهول فيه الويل للمتبرم
فإما رضاءٌ بالذي فيه حتفهم
…
وإلا فويل الضارع المتكلم
فإما هوانٌ للبلاد وأهلها
…
وإلا فمن ينبس بذلك يعدم
فأي هوان من مهينٍ محقرٍ
…
أشد بلاءً من هوان المزحم
حمي القدس يمسي مستباحًا مهشمًا
…
ومن حوله أشلاء كل مهشم
وروعتموا فيه الكليم نبيكم
…
وأغضبتموا من كل قومٍ وقيم
وأغضبتموا فيه النبي محمدًا
…
وأغضبتموا فيه المسيح ابن مريم
لقد طال صبر المسلمين وأنه
…
للكا لجبنٍ عند الناظر المترسم
فمالكمو إلا الحديد مسومًا
…
نزمجر فيه بالحديد المسوم
* * *
فإن شئتموا فالجو غضبان مرعدٌ
…
عليه دوي المرعد المتهزم
وإن شئتموا فالبحر نارٌ وشعلةٌ
…
وأمواجه الحمراء تصخب بالدم
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتموا
…
وما هو عنها بالحديث المرجم
* * *
رويدًا يهود الأرض مني نصيحةٌ
…
إليكم خذوها فهي من نصح مسلمٍ
مشت بفجاج الأرض منكم بسرعةٍ
…
مظللة الأفياء للمتنسم
وماجت بكم في كل صقعٍ وبقعةٍ
…
جموع رفاقٍ في المدائن حوم
فولوا إلى الضرب السحيق جموعكم
…
ففيه لشذاذ الوري ألف مجثم
فدونكم إن كان فيكم رجولةً
…
لبؤتم بعجز الثاكل المتأيم
فإن ضاقت الأمريكتان وأوصدت
…
بأوجهكم دنيا الفضاء المخيم
فإن لكم والرأي عندي مكانةً
…
تليق بكم والله صدر جهنم
فإن لم يكن هذا ولا ذاك فاحذروا
…
لأنفسكم فالسيف خير محكم
ودونكموا فالسيف جذلانٌ مصلتٌ
…
سيبرئ من جاء الضلوع المكتم
* * *
هلموا بني الإسلام فالأمر حازبٌ
…
ولابد من حزم الجريء المقدم
هو الجد إن اليوم يوم وثوبكم
…
فإن الجهاد اليوم للمتقدم
فدونكم هبوا لنصرة دينكم
…
بحزمٍ فمن يغفل عن الحزم يندم
وجودوا لها بالمال والنفس طيبةٌ
…
وما هو إلا بذل نفسٍ ودرهم
وسيروا ففي عبد العزيز لواؤكم
…
وقائدكم في الحادث المتهجم
وقد أكثر الشعراء من القصيد في فضائح اليهود، ولو أتينا بكل ما قيل لضاق الموسع، كما أن صحف البلاد العربية شنعت على اليهود وباحت بمسبتهم، ودوت الإذاعات في سائر الأقطار العربية وغيرها بشأن قضية فلسطين.
وبالرغم من ذلك كله فإن اليهود حصلوا على مطلوبهم ونالوا أمانيهم، وباء العرب بالفشل، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وذلك لأمور:
- منها قيام بريطانيا وأمريكا إلى جانب اليهود، فأصبح العرب يجاهدون أمريكا وبريطانيا.
- ومنها تخاذل العرب وعدم وقوفهم صفًا واحدًا في نحر العدو، فإنه شوهد من بعض ملوك العرب أكبر خيانة وأبلغ طعنة وقعت في نحورهم، ولا نصرح بذلك.
- ومنها أن الملك عبد الله بن الحسين ظهر خائنًا للعرب، وتكشفت نواياه عن أمور لم تكن في الحسبان، وذلك بأن ثبت أنه كان على اتصال باليهود طول مدة الحرب في فلسطين، وذلك بخمس وثائق كتبها بخطه عثرَ عليها المنقبون، بينما كان يدعي أنه القائد الأعلى للجيوش العربية إذا به يرسل الوفود إلى إسرائيل يعترف بها وبحكومتها وبوزير خارجيتها.
ولقد بذلت العراق كل جهد لحمل الحكومة الأردنية على تغيير سياستها، ولكن مساعيها في ذلك لم تنجح، ولقد استدعت شخصية كبيرة في عمان وزير العراق المفوض هناك وأبلغته رسالة إلى حكومته تتضمن عدم الموافقة على أن يهب الجيش العراقي لإسداء العون للجيش المصري، وإذا لم يلبَّ هذا الطلب فإن الجيش العربي الأردني على استعداد تام لقطع خطوط مواصلات الجيش العراقي والالتحام معه.
ولقد اجتمع مجلس الوزراء العراقي لبحث القضية حتى صوت عدد بضرورة إنقاذ جيش مصر وإن أدى ذلك إلى اصطدام الجيش العراقي بالأردني.
ومن قائل بضرورة الاتصال بالمسؤولين في الأردن لحملهم على إعادة النظر في الأمر، فصمم الأردن على عدم المساعدة وقرر عبد الله بن الحسين خطة اليهود لماله من المطامع الأشعبية، وقرر عزل سماحة المفتي الحاج أمين الحسيني عن مقامه في فلسطين، وحرم نجله طلال بن عبد الله ولاية العهد بعده.
ومما جرى من اليهود عليهم لعائن الله أن هجموا على قرية من قرى فلسطين فقتلوا أهلها أجمعين، النساء والرجال والأطفال، ونكب أهالي فلسطين وأجلوا عن بلادهم، وقد طلبت الجامعة العربية مليوني جنيه لإعانة اللاجئين العرب، ونصف مليون لشراء خيام وملاجح لهم، وشرد أهالي فلسطين إلى البلاد العربية يسألون ويشحدون، وقد استمرت الحالة بين أخذ ورد في إعادة اللاجئين إلى ديارهم.
ولما أن سافر الأمير فيصل من الحجاز لحضور اجتماع هيئة الأمم المتحدة في آخر السنة المتقدمة والنظر في قضية فلسطين ظل هناك يناضل ويدافع مع زملائه ممثلي الدول العربية، وما زالوا يدافعون عن حقوق فلسطين أمام تلك الهيئة حتى يئسوا من عدالتها.
وفي خلال شهر صفر من هذه السنة فوجئ العرب بأمور دبرت في أريحا وهي إلحاق قسم بشرق الأردن، وصدر تصريح مشترك من وزارة الخارجية الأمريكية والبريطانية متضامنين على السعي في إقرار السلم بفلسطين، وانهما يرتقبان المحادثة الجارية في ردوس، وقد رجع الأمير فيصل المعظم إلى جدة في يوم الأحد 3 ربيع الأول من هذه السنة يعرض على الملك نتيجة مسعاه في هيئة الأمم المتحدة ويبين للأمة حقيقة الموقف، وقد خطب خطبة بلغها ألوف المستقبلين لسموه في مكة إبان أن الأمر يومئذٍ لله، وقال في معرض كلامه: