الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر إمارة عبد الله بن فيصل في بريدة 1354 ه
ـ
لما كان في هذه السنة عزل جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن عن إمارة بريدة مبارك بن مبيريك، وجعل مكانه عبد الله بن فيصل بن فرحان من آل سعود، وكان شابًا عاقلًا، ولما أن قدم بسياراته إلى المدينة ذهب مبادرًا بالسلام على القاضي عمر بن محمد بن سليم في بيته، وسعى إلى الملأ من الأهالي في بيوتهم، وكان قدومه في منتصف السنة يصحبه أهله، وفي صحبته أخوه الأمير فهد بن فيصل، وكان رجلًا حازمًا مؤازرًا لأخيه، وقد قام لذلك الأمر الأمير الكبير عبد العزيز بن مساعد بن جلوي أمير ناحية الجبل يؤطد المسألة، واستقر الأمير عبد الله في إمارة بريدة، وكان في مبتدأ الإمارة له تدابير حسنة، وسياسة جميلة، ولبث في الإمارة اثنتي عشرة سنة.
وفيها في 9 رجب وفاة الشيخ محمد بن عثمان الشاوي قدس الله روحه ونور مرقده وضريحه، وهذه ترجمته:
هو العالم العلامة الفاضل الزكي البارع في العلم والمعرفة، محمد بن عثمان بن محمد بن عبد الله بن سليمان البقمي الأزدي من أزد شنوءة، وقد اشتهر بلقبه، ولد في بلدة البكيرية سنة 1313 هـ، ونشأ فيها، وفي السنة الثالثة من عمره أصابه الجدري فذهب بصره بسببه، وقرأ القرآن وحفظه وله من العمر 14 سنة على يد الشيخ محمد بن علي بن محمود، ثم تلقى مبادئ العلوم على يد الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم في البكيرية، ثم إنه رحل إلى الرياض لطلب العلم، فأخذ عن علماء وقته في الرياض عن الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، والشيخ عبد الله بن راشد، وأخذ عن الشيخ سعد بن حمد بن عتيق، وأخذ عن الشيخ حمد بن فارس، وعن الشيخ محمد بن عبد اللطيف وغيرهم من آل الشيخ، وأخذ عن الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري، والشيخ عبد الله بن سليمان آل بليهد.
أما الذين أخذوا عنه العلم فمنهم: الشيخ عبد الله بن يوسف الوابل، وأخذ عنه
الشيخ إبراهيم بن راشد الحديثي، وأخذ عنه الشيخ عبد العزيز بن سبيل، وأخذ عنه الشيخ عبد الرحمن المقوشي، وأخذ عنه الشيخ محمد بن صالح الخزيم، وأخذ عنه أيضًا الشيخ سليمان بن صالح الخزيم، وأخذ عنه الشيخ عبد الله بن عبد العزيز الخضيري، وأخذ عنه الشيخ عبد الله بن سليمان السديس، والشيخ إبراهيم بن عبد العزيز الخضيري، وهؤلاء من أبناء وطنه، وأخذ عنه الشيخ محمد بن عبد العزيز بن هليل، وأخذ عنه عدد كثير، وكان رحمه الله عالمًا ورعا حسن السيرة، دمث الأخلاق، سخيًا كريمًا ومشهورًا بعلم الأدب، وله في علم العروض اليد الطولى، وله قصائد مشهور، فمنها قصيدته في فتح مكة المشرفة، وتهنئة الفاتح قال في معرض أبياتها:
فأم القرى تدعوك قد مسها الضنا
…
وقد مرضت من فعل طاغٍ وناكب
أتتك تجر الذيل هيفا مليحةً
…
معندمة الخدين أجمل كاعب
وقد عزفت عن كل بعلٍ وخاطبٍ
…
لأجلك يابن الأمجدين الأطائب
فهيئ لها مهرًا من البر والتقى
…
وطهر حماها من جميع المعائب
وحكم بها شرع الإله ودينه
…
تنل من إله العرش أسنى المطالب
فكن شاكرًا الله جل جلاله
…
فقير الأيادي شكر مسدى المواهب
إلى أن قال:
فإنا بحمد الله لا رب غيره
…
على المنهج المختار ختم الأطائب
فلا ندع غير الله جل جلاله
…
تقدس عن ندٍ مقولٍ لكاذب
وندعو إلى التوحيد سرًا وجهرة
…
إلى أن يكون الدين خالي الشوائب
ونأمر بالتقوى وننهي عن الردى
…
وندعو لحج البيت لا فعل كاذب
ومن صد عن ذا أو تمرد واعتدى
…
سنسقيه كأسًا من سموم العقارب
ونلقمه صخرًا ونشدخ رأسه
…
إلى أن يرى للدين أول لاحب
وقل للعدى في كل قطرٍ وجانبٍ
…
وكل النواحي عجمها والأعارب
أنيبوا وإلا فاستعدوا وأجمعوا
…
لبيضٍ وفرسانٍ وجرد شوارب
جنود تريكم في ضيا الشمس ظلمةً
…
ترى البيض فيها كالنجوم الثواقب
إذا ما غزوا بالجيش حلق فوقهم
…
عصائب طير تهتدي بعصائب
إلى آخرها، ومنها قصيدة في الرد على فتى البطحاء، وتقدم نزر يسير منها، وهي طويلة، وقد قدمنا له أيضًا، وقد تولى القضاء وله من العمر 23 سنة في هجرة سنام المشهورة للعصمة من أعمال العرض، ونقل إلى قضاء الغطغط، وقد حضر عددًا من الفتوحات للحجاز ثم جعل مدرسًا في المعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة مع التدرس في تلك الجهات، وكان من أشهر رجال العلم والدين والأدب والأخلاق الطيبة، ثم تولى القضاء في تربة ثم نقل إلى قضاء شقراء، وبها توفى وله من العمر أربعون سنة، وقد خلف ستة بنين، واهتم لوفاته صاحب الجلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بعد جهود بذلها لعلاجه، وقد رثاه الشيخ محمد بن عبد العزيز، بن هليل بهذه القصيدة:
نرضى بما قدر الرحمن مولانا
…
وما يكون وما من أمره كان
والحمد لله حمد الصابرين على
…
أقدار ذي العرش تسليمًا وإيمانًا
إلا فأنا له ماض تصرفه
…
فينا لعمري إلا إليه رجعانًا
قضى وقدر أن الموت دائرةٌ
…
كؤوسه في الورى لم تبق إنسانًا
فأين عادٌ وكسرى وابن ذي يزن
…
ومن يؤآزرهم ومن لهم عانا
لم يمنع الموت عنهم حاجبون ولم
…
يبقَ البلى لهم صياحًا وإيوانا
بل أين صفوة خلق الله قاطبةً
…
وأرجح الناس عند الله ميزانا
تجرع الكل كأس الموت وانتقلوا
…
عن هذه الدار شيبانًا وشبانا
فتلك موعظة لأنفس فجعت
…
أضحت وقد لقيت همًا وأحزانا
على تقي نقي عالمٍ علم
…
شيحٌ ذكىٌ حيىٌ حاز عرفانا
هو الذي حمدت في الناس سيرته
…
محمد شيخنا الشاوي ابن عثمانا
أكرم به من فتى ما كان أكرمه
…
جودًا ومجدًا وأخلاقًا وإيمانا
ساع إلى الذكر والخيرات متبعًا
…
داع إلى الله إسرارًا وإعلانا
لكل ذي ثقةٍ صفت مودته
…
ما شابها كدرٌ أو شائنٌ شانا
وواصل مع بن الوالدين ولم
…
يضمر لإخوانه حقدًا وأضغانا
من الدعاة الأولى للدين قد نصروا
…
وهدموا من بناء الشرك أوثانا
نالوا من الفقه والتوحيد مع أدبٍ
…
كانوا وربي لهذا الدين أركان
ففاق في الفقه والتوحيد مع أدب
…
والحفظ والفهم للمعلوم أقرانا
فذكره يغني عن عدي مناقبه
…
كفى بذلك عما قلت برهانًا
يا لهف نفسي ويا حزناه يا أسفي
…
على فتى فاضلٍ أضحى وقد بانا
قد كان لي والدًا بالنصح ينصح لي
…
حانٍ على رقيق القلب حنانا
فعيني رؤيته وسمعي نغمته
…
وكفي راحته يبكين فقدانا
فما حمام على أيك مرزءةٍ
…
مرجعاتٍ بطول الدهر أشجانا
يدلكن بالأرض أكبادًا مليعةٍ
…
يسبلن دمعًا كسفح المزن هتانا
يندبن فرخًا من الأفراخ ذا زغبٍ
…
لا يستطيع مع الأطيار طيرانا
تخطفته من العقبان جارحةً
…
وما به قصدت رحمًا وإحسانا
يومًا بأحزن مني حين غيبه
…
لحدٌ وسُربلَ بعد النزع أكفانا
فالله يسقي ضريحًا حله ديما
…
من سحب عفو ويرضى عن رضوانا
يا رب أبقٍ لنا أشياخ ملتنا
…
للدين والعلم والإسلام أزمانا
أعلام حقٍ نجوم المجد ثاقبةً
…
أفق الهداية من أنوارهم زانا
تنفع بهم طالبًا للعلم مجتهدًا
…
وتهدي ذا حيرة وترم شيطانا
ثم الصلاة على الهادي بسنته
…
والصحب والآل من بدينه دانا
والتابعين لهم ما قال قائلنا
…
نرضى بما قدر الرحمن مولانا
وممن توفى فيها من الأعيان أيضًا الشيخ التقي الأديب الفاضل محمد بن عبد الله آل خنين رحمه الله تعالى وعفا عنه، وكان تقيًا ورعًا زاهدًا، وقد طلبت من أخيه لأمه الشيخ الفاضل راشد بن صالح بن خنين أن يجود علينا بترجمة أخيه عبد الله، فبعث إلي بهذه الترجمة التي سأجعلها على سبك تأليفنا:
هو الشيخ الورع الزاهد التقي الفاهم النبيه محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن محمد بن خنين العائذي القحطاني من عبيدة قحطان، ولد في بلد الدلم من الخرج في العام الثامن والعشرين بعد الثلاثمائة والألف تقريبًا، وقرأ القرآن في باكورة عمره، وحفظه عن ظهر قلب، ولما أن كان عمره نحو تسع سنوات توفى والده، فبقي المترجم في حضانة أمه، وبعد مضي فترة من الزمن تزوجت والدته بصالح بن خنين، فوهب الله لها منه راشد بن صالح، وكانت تارئة للقرآن كثيرة الخوف من الله تعالى، مع ما جلبت عليه من السخاء وجودة الرأي فأحسنت تربية ابنها محمد وتوجيهه، وكانت تجود بما تقدر عليه من الإحسان إلى المعلم، وتحرضه على ملاحظة ابنها وتشجيعه، وتحذره من ضربه، وتشترط عليه أن يكون ابنها بجانبه ليهاب ويجتنب العبث، فكان من حسن تلك التربية أن نشأ الابن على حالة جميلة، وهكذا كانت حالتها في تربيتها لابنها راشد، فبقي المترجم بعد حفظه القرآن يتذاكر مع بعض طلبة العلم في وطنه، حتى عين الشيخ العلامة الفقيه عبد الرحمن بن عبد الله بن سالم قاضيًا بالدلم، فدرس عليه في التوحيد، والفقه والحديث، ولازمه كثيرًا حتى نبغ من بين أقرانه، وكان شيخه المذكور يجله ويقدره لما يرى من أكبابه على الطلب وعظمة اجتهاده، ولما يتخايله فيه من الذكاء وحسن السلوك، ثم إنه غادر بلده إلى الرياض فدرس بها على شيخنا علامة الملكة العربية السعودية ومفتيها ورئيس قضاتها الشيخ محمد بن إبراهيم، فقرأ عليه في التوحيد والعقائد والفقه وأصوله، والحديث ومصطلحه، والنحو، وكان من زملائه حال دراسته عليه جماعة من المشايخ من بينهم الشيخ الفاضل عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد الله بن حميد، والشيخ عبد الله بن يوسف، والشيخ عبد الله بن عمر بن دهيش وغيرهم.
وكان المترجم رحمه الله موضع الثقة والتقدير عند شيخه وزملائه لذكائه وتواضعه وحسن خلقه، ولما أن كان في أثناء عام 1353 هـ عين قاضيًا لبلد الحريق، فعظم عليه ذلك واشتد خوفه وقلقه، وطال بكاؤه، وذلك لورعه وخوفه، وحاول الخلاص واجتهد في طلب العافية من القضاة، فأصرَّ ولاة أمره على إلزامه بهذه
الرتبة، وإن كان لها كارهًا عفى الله عنهم، فسافر مكرهًا وقدم على أهله في الدلم البلد المعروف في الخرج، لأنه لم يتمكن من المخالفة، وأقام بين أقاربه ومحبيه محفوفًا بالإكرام والاحتشام، وجعل يواصل الإرشاد والوعظ بالمسجد الأوسط بالدلم، وكان كثيرًا ما يقول:"اللهم رد بي خيرًا" ولما كان في شهر ذي القعدة من تلك السنة عزم على الذهاب إلى بلد الحريق مكرهًا وهو بغاية الخوف، وواعد الجمالة وأعد الأثاث للنقل، وفي صبيحة يوم الجمعة الموافق لليوم الأول من شهر محرم 1354، وصلي عليه بعد صلاة الجمعة، وقد خرج مع جنازته الجم الغفير، تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته، وكان يقول لوالدته وهو في مرضه ابنك هذا الضعيف سيولى على الآلاف من الرجال والنساء والصبيان، وهذا مما دل على ورعه وشدة تخوفه من تولي القضاء، وخطر منصبه وإني لأرجو أن يكون ممن قال الله فيهم: ولمن خاف مقام ربه جنتان، هذا وقد كانت حالته تحزن وتبعث الأسى والترحم، قال الشيخ راشد: وكنت حال وفاته صغير السن ولكني عند كتابتي لهذه الترجمة أثارت ذكرياته رحمه الله شيئًا في نفسي فقلت هذه الأبيات الآتية:
كل الخلائق للفناء مصيرهم
…
والكل يجزي في المعاد بكسبه
ما في الحياة مخلدٌ لوكان ذا
…
ما مات أفضل ناصحٍ ومنبه
إني أعزي النفس في فقد الذي
…
جمع الزهادة والتقى أكرم به
طلب العلوم فنالها بتفوقٍ
…
وقلى المناصب خشيةً من ربه
برح الرياض مفارقًا أقرانه
…
والخوف يسكن في قرارة قلبه
علم الكريم بصدقه فأجابه
…
ومضى محمد راغبًا في قربه
رحم الإله محمدًا وأثابه
…
بالأمن من غضب الإله وحربه
يا رب وامنن بالثبات على الهدى
…
واسلك بنا نهج النبي وصحبه
وعندما تم لابن سعود القضاء على جميع الثورات رغب أنصار ابن سعود وعلى رأسهم إبراهيم بن معمر الوزير الفوض للملكة العربية السعودية في بغداد أن ينضم تحت لواء ابن سعود الذين شردوا من الحجاز كطاهر الدباغ،