الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحصون، وهدم المساجد، وحرق التوراة، ثم انصرت راجعًا، وحمل الأموال التي كانت في الشام، وساق السبايا، فبلغ عدة صبيانهم الذين سبأ من أبناء الأحبار والملوك تسعين ألف غلام، وقذف الكناسات في بيت المقدس، وذبح فيه الخنازير، ونظر بعض أنبياء بني إسرائيل إلى ما يصنع بهم بختنصر من العجائب وأنواع التعديات فقال مخاطبًا ربه تبارك وتعالى بما كسبت أيدينا سلطت علينا من لا يعرفك ولا يرحمنا.
وقال بختنصر لدانيال ما الذي سلطني على قومك قال عظم خطيئتك، وظلم قومي أنفسهم، فهذا مما يخيف الأمة في هذا الزمان، ويبعث الخوف والقلق، واني لأنصح وأحذر المسلمين من عقوبات الذنوب والمعاصي فإن الله عز وجل يغار فيجب على المسلمين أن لا ينهمكوا في تقليد الأمم الأخرى ويقلعوا عما هم عليه، لأن غالب المنتسبين إلى الإسلام اليوم في أقطار الأرض إلا من شاء الله حدث فيهم الانحلال وخف عليهم أمر دينهم، ولم يتقيدوا بتعاليم الشريعة بحيث سلب ذلك وقارهم وجعلهم ضحكة للأجانب فلا حول ولا قوة إلا بالله، ومن عاش فسوف يرى.
ذكر من توفى فيها من الأعيان
فمنهم الأمير محمد الرعوجي، وهذه ترجمته:
هو الهمام التقي الأمير الجواد السخي الكريم، أمير الأسياح، البطل الشجاع، ذو المناقب العلية والفضائل الجلية، أبو زيد محمد بن رعوجي بن زيد ابن محمد بن فهيد بن فهيد بن راشد بن صالح بن ناصر بن قراض بن سعود بن محمد بن جلهم بن روق، ينتهي نسبه إلى الأساعدة من عتيبة، كان يجتمع نسب آل فهيد هؤلاء ونسب آل فوزان في راشد بن صالح، وسمي فهيد باسم أبيه لأن أباه توفي وهو حمل، فسمي باسم أبيه، فيكون فوزان وفهيد أخوين، أما والد الأسرة محمد بن فهيد فهو أمير الأسياح إذ ذاك، وكان له مماليك وخيل، =
ومشهورًا بالكرم والجود، فلقد وفد عليه مرة ألف راكب، فقام بضيافتهم وإكرامهم وزودهم بالطعام عند رحيلهم، وله أربعة بنين: زيد وهو الأمير بعده، وعلى، وعبد العزيز، وعبد المحسن، فذرية زيد الرعوجي فهد وفيصل.
وأما فهد بن زيد فذريته نائف وتركي وراشد.
وأما فيصل بن زيد فله ابن يدعي حمد بن فيصل، وأما علي بن محمد فأرث بداحًا ومنديلًا.
وأما عبد المحسن فأرث ناصرًا وعبد الله وفهيد ومحمد.
وكان لنائف بن فهد راشد النايف ومنديل ومحمد وفهد وعبد الله.
وكان لتركي بن فهد أيضًا ابنان فهد وراشد، وكان لراشد هذا ابن يدعى محمد الراشد.
أما عبد العزيز بن محمد الفهيد فله ابن يدعى حمد، ولحمد هذا أبناء يسكنون البرقاء.
وأما منديل العلي فله من البنين مشاري وفهيد ومحمد.
وكان لمنديل بن نائف ابن يسمى صالح بن منديل، وكان رجلًا طيبًا مشهورًا بالرجولة، وفيه مكارم أخلاق وتقدم، كما أنه كان لفهد بن نايف ابنان عبد العزيز وتركي، وكان لراشد بن نايف أولاد منهم عبد الله وتركي وفهد ونايف، وكان لحمد ابن نايف ابن يسمى عبد العزيز، أما الذين تولو الإمارة منهم: فعبد المحسن بن محمد، وعلى بن محمد، ومنديل بن علي، وحمد بن عبد العزيز، ونائف، وتركي بن فهد بن زيد، وكان تركي مشهورًا بالكرم والجود، حتى قال فيه الشاعر:
تركي كريم وبحجاجه ندي
…
حكام نجد ما يلادونه (1)
ذكره هوي مصر هو والحسا
…
والباب عيا لا يصكونه (2)
رجعنا إلى ذكر الأمير محمد الروعجي فنقول: كان له أخ يدعى ناصر، وكان
(1) يلادونه: أي لا يماثلونه في الكرم.
(2)
عيا: يعني أبي، ويصكونه: يغلقونه.
محمد فوق ما قيل عنه كرمًا وجودًا ورجولةً، ولقد زارني في صحبة الشيخ عثمان ابن أحمد بن بشر، وكان إذ ذاك قاضيًا في بلاد الأسياح، وجاء بالأمير للسلام على وعمري يومئذٍ لا يتجاوز الحادي والعشرين، فرأيت الرجل من أفذاذ الرجال، ومن خيرة أهل زمانه، وكان عاقلًا شريفًا.
ولد المترجم في سنة 1301 هـ ونشأ على العفاف والسخاء، يطعم الطعام، ويتصدق على الفقراء، ويحنو على ابن السبيل، ويساعد المحتاجين، ويحب أهل الدين، ويميل إليهم، ويمقت الشر وأهله، فأما عطفه على الفقراء والمحتاجين فحدثّ ولا حرج، وكان محترمًا في قومه وعشيرته.
ونورد قصة تدل على عطفه وإحسانه، وماله من الأيادي الجميلة، فإنه لما كان في المسغبة التي وقعت في سنة 1327 هـ ركب حصانه في إحدى الليالي من آخر الليل لحماية زرعه من السرقة فوجد أربعة من الرجال قد دخلوا في الزرع وأكلوا ما حواليهم من السنبل لما هم فيه من شدة الجوع، فلما رأي حياضًا في وسط الزرع خالية من النبات أقبل عليها يهتدي بنور القمر، فوجد أولئك البؤساء، فخجلوا لما رأوا الأمير وقالوا هذا الرعوجي فكيف نصنع؟ ووجموا وسكنت حركاتهم خوفًا منه، فلما رأهم بهذه الصفة رق لحالتهم وسكن روعهم وتكلم قائلًا: يا أولادي خذوا لأولادكم فأنتم مني في حلّ، خذوا وأكثروا، اللهم ارفع ما أنزلت بالمسلمين وارحم ضعفهم، لا بأس عليكم يا أولادي، فنزع كل واحد منهم ثوبًا من ثيابه وملأه سنبلًا وذهبوا يحملونه على رؤوسهم إلى أهاليهم، وكثيرًا ما يمنح الضيف إذا ارتحل عدل بن لأولاده، وله مناقب كثيرة.
ولما مات خلفه في الإمارة ابنه زيد بن محمد.
وممن توفي في هذه السنة من الأعيان رجل الدين والعلم والفضل الشيخ محمد ابن مقبل رحمة الله تعالى عليه، وهذه ترجمته:
هو الشيخ العالم الزاهد، ذو الصدق والمعرفة، الرزين الألمعي، محمد بن مقبل ابن على آل مقبل.
كان المترجم ابن أخي الشيخ سليمان بن على بن مقبل قاضي بريدة منذ مائة
ستة في أيام عبد العزيز بن محمد بن عليان، ولد المترجم سنة 1281 هـ، فيكون له من العمر سنة وفاته 88 سنة قضاها في طاعة الله وعبادته، فنشأ في طلب العلم، وجدَّ واجتهد، وكان يتردد إلى قرية المريدسية المشهورة في القصيم من قري بريدة للأخذ عن الشيخ الزاهد عبد الله بن حسين حيث يعلم فيها بصفته يدرس، وتخرج عليه طلاب كثيرون، فكان الشيخ محمد يعمل في فلاحته ويأكل من كسب يده، فإذا ذري زرعه في البصر والمنسي في فصل الربيع فإنه ينحدر مسافرًا من البصر إلى الريدسية لطلب العلم، وكان يصحبه زميل له يدعي رشيد آل إبراهيم بن محيميد، فيأخذون في الدراسة لدي الشيخ المذكور، فأما المترجم فإنه لا يرجع إلا إذا يبس التمر في رؤوس النخل وقت الصرام إذا حلت الشمس في برج الميزان.
وأما رشيد بن إبراهيم فإنه يرجع في آخر نهار الخميس ليؤم جماعة أهل البصر في صلاة الجمعة، ثم يعود من آخر النهار.
أما مشايخ المترجم: فإنه أخذ العلم عن الشيخ عبد الله بن سليمان العريني، وكان عالمًا من علماء القرية، غيي أنه خامل الذكر، وأخذ عن الشيخ الزاهد الورع عبد الله بن محمد فدا، وذلك في حال إقامته في المريدسية أيام آل رشيد، وناهيك به علمًا وعبادةً وزهادةً، وأخذ عن الشيخ عبد الله بن حسين آل أبي الخيل، وأخذ عن الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم، وكان من زملائه صالح اللهيمي وعبد العزيز بن عودة السعوي، وسليمان بن ناصر السعوي، وأخذ عن المترجم خلائق كثيرون:
فمنهم الشيخ عبد العزيز بن سبيل، وآل حديثي، وأخذ عنه ابنه صالح بن محمد ابن مقبل، ودرّس في البكيرية بعدما توظف في قضائها، ودرّس في البصر، وتولى الخطابة فيها، وتخرج عليه طلاب كثيرون، وكان يحب عدم الشهرة، ولا يحب الجاه والرئاسة.
ولما توفى قاضي مقاطعة القصيم الشيخ الفاضل عمر بن محمد بن سليم، رغب الأهالي وذوو الحل والعقد في أن يكون خلفًا عنه، وساروا إليه من
بريدة يطلبون منه أن يجيبهم إلى ما رغبوا، فرفض وأبي ذلك، فرفعوا إلى صاحب الجلالة الملك خطابًا يطلبون منه أن يتولى قضاء المقاطعة، فبكى واعتذر بكبر سنه، ففاز بالعافية، ولما أن ولاه ابن سعود قضاء البكيرية سنة 1347 هـ أمر وكيل مالية بريدة أن ينفذ له ثمانمائة صاع بن وألفي وزنة تمر، وألف ريال سنويًا، فأبى أن يقبلها وقال لوكيل المالية: ابقها في المالية حتى أحتاج إليها، أما اليوم فإنني بغنى عنها، وأبي أن يقبلها، وحج فعلم الملك عبد العزيز بقدومه، فبعث إليه بكسوة وأمره أن يأتي إليه للسلام عليه، فرد الكسوة وجاء صباحًا للسلام على جلالته، فقال له: نفرش لك بيتًا ونؤثثه، فأبي واعتذر بأنه هناك بيت وكل ما يشتهي، فهو عنده، فطلب منه الملك أن يبعث إليه بناقة ليشرب لبنها فقبل، غير أنه لم يتناوله بل كان يشربه أصحابه.
وكان إذا سمع تلاوة القرآن أمر القاري أن يتدبره، وصلي فقرأ بأصحابه في العشاء الآخرة سورة عم والنازعات فسقط مغشيًا عليه رحمه الله.
وممن توفى أيضًا فيها من الأعيان صالح شطا رئيس مجلس الشورى في النيابة، كانت ولادته سنة 1302 هـ، ودرس بالمسجد الحرام، وله رحلات متفرقة بين الأقطار، عاد في أعقابها إلى بلاده، ونفي في عهد الحكم السابق، ثم عاد حين تسلسل في وظائف حكومية عالية، منها: إدارة المعارف، وآخرها رئاسة مجلس الشوري بالنيابة، وله عديد نافع من المحاضرات والتهميشات والمقالات الروائع، وكان صريحًا ومثال التضحية والإخلاص والنشاط، ويعتبره أهل الحجاز من أجلة العلماء، لذلك يلقبونه السيد صالح، ويعتبرونه علمًا من أعلام البلاد، حتى قالت إحدى الصحف: أنه كان ملئ السمع والبصر روحًا ونشاطًا وتفكيرًا وحيويةً، مما جعله محل التقدير الخاص والعام، ومحل رضاء الملك عبد العزيز وآل بيته، وإعجاب الشعب على اختلاف طبقاته.
ذلك لأنه كان يعمل على ما يحقق للعروبة عزها، وللإسلام قوته، وكان أوفر ما يكون نشاطًا وصفاء ذهن في سنواته الأخيرة، بل حتى يومه الأخير.
وقد روى عنه أنه لما كان في يوم الاثنين 28 صفر كان على عادته يصرف أعمال المجلس ويدير جلساته، وظل حاله هكذا طول يومه، حتى إنه كان يستعد للنزول إلى جدة في ليلة الثلاثاء لإذاعة حديثه من محطة الإذاعة اللاسلكية، ولكن الموت الذي هو غاية كل مخلوق عاجله بعد أن أدى صلاة المغرب، فأصيب بسكتة قلبية، وشيعت جنازته في الساعة الثالثة والنصف من صباح يوم الثلاثاء آخر صفر، وكان خروج روحه قبل أن تتم الساعة الواحدة بدقائق من الليلة المذكورة، فرحمة الله على أموات المسلمين، وإنه ليؤلمنا كثيرًا أن نفقد رجال الدين ورجال الأعمال الذين كانوا مثالًا في الإخلاص والعلم والمعرفة، فتصاب الأمة كصيبتهم، وينهدّ ركن من أركان الشعب بموته، نسأل الله تعالى أن يسدد الأحياء ويرزقهم العلم والمعرفة والبصيرة.
وممن توفى فيها أمير الكويت أحمد الجابر بن مبارك بن صباح، وكان موته طبيعيًا، وهذه ترجمته:
هو الأمير شيخ الكويت وحاكمها أحمد بن جابر بن مبارك آل صباح، ولد في الكويت في رأس القرن، وكان كاتبًا قارئًا متواضعًا يعالج الأمور باللين والحكمة، بعيدًا عن العنف وسفك الدماء، يميل إلى الاقتصاد، ولديه ثروة، وكان متأدبًا واسع الاطلاع، ربعة القامة، حنطي اللون، ممتلئ الجسم، كث الشعر، بهي المنظر، جذاب الملامح، يلبس الملابس العربية ويضع العقال على رأسه، ويتدثر بالعباءة، ويتمنطق بخنجر في وسطه، ويضاف إلى ذلك أنه كان يرقب سير الحركة الأدبية والعلمية والسياسية في الشرق العربي عن كثب، ويقرأ الكتب والصحف معجبًا بالمدنية الأوربية، ميالًا إليها.
ولما حج للمرة الأولى في 1336 هـ أكرم الحسين وفادته ودعته الحكومة الإنكليزية على أثر ختام الحرب العظمى، وهو ولي العهد، فسافر إلى زيارة عاصمتها لندن، وبلغها في شهر صفر 1338 هـ وأهدى إلى ملك الإنكليز حصانًا عربيًا، وسيفًا وخنجرًا مذهبين، فقبل الإمبراطور هديته شاكرًا، كما سافر إلى مسقط والرياض وغيرها، ولما نعي له وفاة عمه سالم في شهر رجب 1339 هـ وهو في نجد