الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملث إذا ما راث حنت عشاره
…
وحل عراه أزيبٌ وقبول
إمام الهدى صبرًا عزاء وحسبةً
…
فعاقبة الصبر الجميل جميل
فإن يك طود الفضل زعزعه الردى
…
وأضحى له تحت الرجام مقيل
ففيك ولا نعدمك من كل فائتٍ
…
لنا خلفٌ للمعضلات حمول
فأنت الذي مهدت ذا الملك بعدما
…
تلاشى وجثت من قواه أصول
وعادت بك الأيام غضًا شبابها
…
وقد مسها بعد العتي قحول
وما مات من كنت الخليفة بعده
…
له بك عمرًا آخرًا ستطول
ولولاك أقفرن المعالي ولم يكن
…
لها بعده في الغابرين سبيل
فلا زلت في عزٍ أنيقٍ مسلمًا
…
وغال الذي يبغي الردى لك غول
وأزكى صلاة الله ثم سلامه
…
يدومان ما ساق الغدو أصيل
على سيد السادات نفسي فداؤه
…
إمامٌ إلى طرق النجاة دليل
ذكر الاعتداء على ابن سعود بأيد يمانية
قال الله تعالى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25]، وقال تعالى:{وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} [الأنبياء: 70].
الحمد لله ناصر عبده ومؤيد حزبه، ومهلك الظالمين بحكمته وعدله، لقد شاء الله وهو الحكم العدل أن يخذل أعداءه في كل موقف من مواقف خزيهم، وأن يحصحص الحق ويعلي كلمته، شاءت قدرته أن يذيق الذين أجمعوا أمرهم عشاء لهتك حرمات الله في أيام الله أمام بيت الله، شاءت قدرته أن يذيقهم جزاء فعلتهم موتًا زؤامًا، وكاسًا علقمًا مصابا.
ففي صباح اليوم العاشر من ذي الحجة يوم عيد الأضحى في الساعة الواحدة عربية سنة 1353 هـ، غادر جلالة الملك عبد العزيز منى إلى مكة ليطوف بالبيت طواف الإفاضة قبل أن تتم الساعة الواحدة بدقائق، وقبل أن تشرق الشمس من
مخبأها، وكانت مكة هادئة صامتة، فكل من فيها قد اندفعوا إلى منى وعرفات، فعل كل حاج من مكة وغيرها، ولما أن وصل إلى المسجد الحرام يوم الجمعة وعيد بيوم الخلائق، فيه خشع منكسر الرؤوس قد استوى ملكهم وعبيدهم في اللباس والتواضع، شرع جلالة الملك في الطواف معه ولي عهده سعود ورجال حاشيتهما وحرسهما الخاص، وثلة من الشرطة بقيادة مفوض شرطة الحرم، وكان الحرس والشرطة تواكب جلالة الملك وولي عهده من الإمام واليمين والخلف والبيت على اليسار، ولا يفصل بين الملك ونجله أحد من الحرس، فعندما انتهى الشوط الرابع أكب الملك على الحجر الأسود يقبله، ثم تقدم في الشوط الخامس، ولما أن حاذى باب الكعبة إذا برجل يخرج من فجوة حجر إسماعيل الشامية منضيًا خنجره وهو يصيح بصوت مرتفع صياحًا منكرًا بكلام غير مفهوم تمامًا، فقابل لدى خروجه أفراد الشرطة الذين يسيرون في مقدمة الموكب الملكي فمسك به أحدهم قاصدًا رده، ولكن المجرم عاجله بطعنة من خنجره فوقع الشرطي الشجاع أحمد بن موسى العسيري على الأرض ودمه يقطر، فأمسك بالمجرم شرطي آخر هو مجدوع بن شبياب، ولكنه أصيب أيضًا بطعنة من خنجر المجرم، فمال إلى جانب رفيقه، وفي هذه اللحظة شوهد رفيق المجرم الأول يتقدم من خلف الموكب، والظاهر أنه خرج من الفجوة الأخرى لحجر إسماعيل، وجاء من جهة الركن اليماني إلى قرب الحجر الأسود، فاستعد رجال الحرس الملكي ببنادقهم، إلا أن جلالة الملك أصدر أمره المطاع في تلك الساعة الرهيبة الحرجة، بأن لا يستعمل الحرس البنادق والرصاص إلا حين الضرورة القصوى، فلما تبين أن المجرم الأول قد طعن شرطيين باسلين، وأن المجرم الثاني على وشك أن يصل إلى سمو ولي العهد، تقدم عبيد الله البرقاوي أحد الحارسين الخصوصيين لجلالة الملك فأطلق بندقيته على المجرم الأول قبل أن يتمكن من ارتكاب جنايات أخرى فخر صريعًا عند مدخل حجر إسماعيل.
أما المجرم الثاني فإنه تقدم مشهرًا خنجره، وكاد أن يطعن سعودًا طعنة نجلاء، وإذا قد بدره الحارس لسموه برمية من بندقيته فأردته قتيلًا في الوقت الذي لامس
خنجره أسفل الكتف اليسرى للأمير سعود، فلم تحدث لقوة المبادرة سوى خدش بسيط ولله الحمد.
وحينما رأى المجرم الثالث ما حل برفيقيه، وكان قد خرج من مخرج الجرم الثاني، واستدار من جهة الركن اليماني، أطلق رجليه للريح قاصدًا النجاة بنفسه فصرعه رصاص الشرطة والحرس الملكي فسقط على الأرض وهو ينازع، وظل على قيد الحياة ما يقرب من ساعة، تمكن المحققون في أثنائها من معرفة اسمه، وهو علي، ولم يمكن أن يعرف عن الجناة ساعة الحادثة ما يدل على شأنهم إلا أن ملابسهم وخناجرهم تدل على أنهم من الزيود اليمانيين، وتتراوح أعمارهم بين 35 و 45 سنة.
ثم إن جلالة الملك وولي عهده أتما مناسكهما وعادا إلى منى في خير وعافية، وجلسا للوفود والمهنئين، وفي هذه الأثناء قام مدير الأمن العام مهدي بك مدير العسكر وأخطر بالأمر في منى، وحضر على رأس قوة كافية من الشرطة، وشرع في إجراء التحريات والتحقيقات لمعرفة شخصية الجناة والتحقق عن الأسباب الدافعة لهم على ارتكاب هذه الجريمة الشنعاء وسط بيت الله الحرام، وبقرب الكعبة الشريفة في ذلك اليوم العظيم المبارك، وبث عيونه وأرصاده بين حجاج اليمن الذين ثبت أن الجناة منهم، وما كاد الشعب السعودي يعلم أن الجناة من الزيود اليمانيين حتى اشتد غضبه على الجناة المفسدين لولا أن تدارك ابن سعود الأمر بحكمته وأصدر أمره الكريم إلى قواد جنده بالاهتمام بصيانة أرواح الحجاج من الاعتداء، واتخاذ كافة التدابير التي تقضي على كل من يحدث أي تشويش على الحجاج، فكف الناس احترامًا للأمر وطاعة له على مضض، إلا أن السخط بلغ منهم مبلغًا لا حدَّ له وثار الحجاج المصريون يهتفون بحياة الملك ونجله، وتنادوا بالانتقام من المعتدين، لأن الجناة الزيدية ارتكبوا أشنع الجرائم في أقدس مكان، وأرادوا الانتقام على زعيم العرب، وعلى ولي العهد المحبوب، وشاركهم كل الحجاج، فشكرهم جلالة الملك على شعورهم النبيل.
ولما أن قام مدير الأمن العام مهدي بك في إجراء التحريات والتحقيقات، توصل قبل كل شيء إلى معرفة ثلاثة من الزيود كانوا يقيمون دون سائر جماعتهم الزيود عند امرأة في جبل أبي قبيس، فهاجم دار المرأة وسئلت عن نزلائها فقالت إنهم متغيبون من يوم الوقعة، ولم يحضروا بعد، فقامت القوة وفتشت غرفتهم التي كانوا فيها فعثر على ملابسهم وفيها جوازات باسم ثلاثة أشخاص وهم هؤلاء: النقيب "علي بن علي حزام الحاضري": مستخدم في الجيش اليماني المتوكلي ورقم جوازه 98 تاريخ 1 شوال 1353 هـ وهو صادر من مأمور الجوازات ومصدق عليه من عامل صنعاء، و"صالح بن علي الحاضري": شقيق الأول جوازه رقم 34 بتاريخ شوال 1353 هـ وحرفة المذكور مزارع، والجواز صادر من مأمور الجوازات ومصدق عليه من عامل صنعاء، و"مسعد بن علي مسعد": من حجير برقم 63 تاريخ 5 ذي القعدة 1353 هـ والجواز صادر من أمير الحج اليماني السيد محمد فخان وصاحبه عسكري في الجيش اليماني المتوكلي.
ولذا عرضت جثث القتلى على المرأة التي كانوا في دارها فعرفت أحدهم اسمه صالحًا، وميزت ملابس الاثنين الآخرين نظرًا لتغير الوجه في الاثنين المذكورين، وذكرت: أن أخت مطوف الشوافع أسكنتهم عندها، ولدى التحقيق مع هذه صادقت على أقوال الأولى، وقد أجرى مدير الشرطة العام التحقيق من جهة أخرى مع شيخ اليمانيين بجدة، فاعترف بأنه أعطى ورقة التصريح للسفر من جدة باسم مبخوت، وذلك بواسطة أخيه علي بن علي مبخوت الفران بجدة، وقد استجلب هذا وحقق معه وعرضت عليه جثث القتلى وصورهم الفوتوغرافية، فعرفهم واحدًا واحدًا، وذكر أن أحدهم مبخوت بن مبخوت الحاضري هو شقيقه بينما الاثنان الآخران هما صالح بن علي وعلي بن الحاضري، وكلاهما شقيقان، وشهد هذا الفران بأنه اجتمع مع أخيه بجدة وبات أخوه عنده ثم حضر معه إلى مكة وبات مع أخيه والاثنين الآخرين من الجناة في جبل أبي قبيس وهو ذهب إلى عرفات، أما الثلاثة فإنهم تأخروا في مكة ولم يحجوا، ولم يجتمع بهم إلا يوم العيد في الطواف،
وبعد الطواف ذهب هو إلى مقام إبراهيم بينما الثلاثة ذهبوا ومكثوا في داخل حجر إسماعيل، وقد عفى جلالة الملك عن الفران وأطلق سراحه.
ولما سأل الصحفيون جلالة الملك عن هذا الحادث المشؤوم وأثره في نفسه أجاب بقوله: إن الذين أقدموا على هذا العمل قوم ليس فيهم دين يمنعهم، وأنا شخص ليس يهمني إلا إقامة كلمة التوحيد والمحافظة على ما بيدي، والحافظ هو الله، ولما وقع وقدر الله من فضله وعنايته النجاة لم يكن همي غير المحافظة على الحجاج، ومنع تسرب أخبار الحادث إلى خارج الحرم، فأمرت بإغلاق أبواب الحرم ومنع سفك الدماء، وأتممت الطواف وخرجنا عائدين إلى منى.
وقد سأله الصحفيون هل كان يظن بأحد مثل يحيى أو ابنه أحمد؟ فأجاب بأنه لا يأخذ بالإشاعات وأقوال الناس، ثم قال: ووالله إن هذا الحادث الذي وقع في الحرم وقر في نفسي وأنا في عرفات وكأني أشعر به، ولكن قلت في نفسي إن سيكفيني الله هذا الشر، وكنت أحدّث نفسي كيف يمكن القبض على الجاني إذا تغلغل بين الناس، وبعد أن نزلت من عرفات كان الله قد أنساني ذلك الذي وقر في نفسي، ونحن مالنا في شيء من أعمالنا إلا الاعتماد على الله.
ولما سئل عن تأثر أهل مصر من هذا الحادث شكر لهم ثم قال: إنا لنشكر الله سبحانه وتعالى على ما أولانا من نعمائه، ثم نشكر وفود بيت الله الحرام والشعب على هذه العواطف النبيلة التي تجلت بمناسبة الحادث، إن الله قد جعل هذا البيت آمنًا للناس، والحجاج هم ضيوف الله وإخواننا، فمن واجبنا أن نعنى براحتهم ليتمكنوا من أداء مناسكهم، وقد من الله علينا بأن ساد الهدوء في جميع أنحاء المملكة، وقد لعب الشيطان في رؤوس بعض الناس فحاولوا تعكير صفو الأمن وتعطيل شعائر الله في بيت الله، ولكن الله عز وجل الحافظ لدينه قد رد كيدهم في نحرهم فأبطل دسائسهم ووقى المسلمين فتنتهم، وسيلقى المجرمون جزاء ما صنعت أيديهم إن شاء الله تعالى، الناس يبلوننا والله يعيننا عليهم، أنا لا يهمني شخصي ولا أسرتي ولا أولادي، أنا
لا يهمني إلا نصرة الدين الحنيف، وأن يجعل الله كلمته هي العليا وأن يؤيد المسلمين ويعزهم في الدنيا والآخرة.
أما أولئك الذين في قلوبهم مرض فسيكفينا الله شر ما صنعوا هدانا الله وإياكم إلى السبيل القويم.
وقد دوت أسلاك البرق بخبر ذلك الحادث واشتغلت الصحف على اختلافها وتغاير أجناسها ولغاتها، وتباين مبادئها باستنكار الفعلة نداء لواجب الضمير، نداء لواجب الحق لا أقل ولا أكثر، فانهالت مئات البرقيات على الديوان الملكي بالتهنئة على سلامة جلالة الملك المعظم من تلك المكيدة المدبرة، وباح الشعراء والخطباء بالقصيد والخطب والنشيد، وأحسن ما قيل في الموضوع ما ألقاه الشاعر الزركلي في قصيدة، من أبياتها:
ضل الجناة سبيل النيل من ملكٍ
…
لولاه ما صين بيت الله والحرم
عبد العزيز الإمام الحق تكلؤه
…
عينٌ من الله لا جندٌ ولا جشم
البغي والكيد مدا حوله شركًا
…
فكان في شرك الجانين حتفهم
سلت يد البغي نصلًا دون طعنته
…
جبريل يرغي وميكائيل يحتدم
وقى سعود فتى الفتيان خير أب
…
فردها طعنة نجلاء تخترم
وقال بابنك إن كان الفداء فدا
…
هذي يدي وزنادي القزم لا الضرم
تناول الفاتك الجياش يرفعه
…
كالصخر بالزبد الهدار مصطدم
لولا الأناءة ولولا الحلم لانعقدت
…
سحابة النقع وانهلت دمًا ديم
وقال الشاعر الفصيح أحمد بن إبراهيم الغزاوي شاعر جلالة الملك:
أبى الله إلا أن يتم ضياءه
…
ويرفع للدين الحنيف لواءه
ويحفظ في عبد العزيز وشبله
…
على رغم كيد الخائنين بناءه
فإن عظمت يوم الإفاضة كربةٌ
…
وخف لها التوحيد يحمي ذماءه