الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم دخلت سنة 1269 ه
ـ
ففيها كمل خمسون عامًا من ولاية صاحب الجلالة والمهابة الملك عبد العزيز ابن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، وذلك في 4 شوال منها، فهمث الشعب من أقصاه إلى أقصاه وقامت البلاد معلنةً سرورها وابتهاجها بمضي خمسين عامًا على فتح الرياض وتأسيس هذه المملكة السلفية العظمى التي بها علا دين الإسلام ونصر، وقضى بها على البدع والخرافات وعبادة الأوثان والتمسح بحجر الأولياء والصالحين، وناهيك بهذه النهضة التي قام بها، فلو أنها توفرت في زمن الأمويين والعباسيين للهجت بها الألسن وملئت بها التواريخ.
إن عبد العزيز بن عبد الرحمن رجل عظيم أشرب منذ نعومة أظفاره بما جرى عليه السلف الصالح من توطيد دين الإسلام، وإخلاص العبادة لله وحده، ونصرة الدين وأهله، فمن أجل ذلك أعانه الله تعالى وأيده ونصره، وأعزه، ولينصرن الله من ينصره، ومكن له في الأرض ومن كان مع الله كان الله معه، ففتحت له كنوز الأرض، وجمع شتات العرب، ونشر الأمن في ربوع الجزيرة، وأمن الله به بعد الذلة، وكثر به بعد القلة، وبينما كانت الأمة تهيئ الاحتفالات وتعد المهرجانات لإقامة عيد ذهبي إذا بصاحب الجلالة ينشر أوامره برفض ذلك العيد نزولًا على حكم الإسلام بأنه لا يشرع أعيادًا إلا ما شرعه الله ورسوله، كعيد الفطر والأضحي، غير أنه تمكن بعض الجهات من توزيع الصدقات، وتعالت الأصوات بالحمد والثناء لله الذي منَّ على المسلمين بهذا الملك الذي فضائله كنار على علم، فإجابة للطلب ونزولًا تحت الركبة ثنت الأمة عزمها واتخذت الدعاء له والثناء عليه عوضًا عن العيد، ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله، ويكفى شرفًا له قوله في بعض خطبه: يقولون أننا وهابية، والحقيقة أننا سلفيون محافظون على ديننا، نتبع كتاب الله وسنة رسوله، وليس بيننا وبين المسلمين إلا كتاب الله وسنة رسوله، ولقد صدق القائل:
فليت الذي بيني وبينك عامرٌ
…
وبيني وبين العالمين خراب
ونحن جميعًا مقصرون في أمور ديننا، ولكن الله غفور رحيم.
وفي حديث قدسي ما معناه: "يا عبادي لو لم تذنبوا وتستغفروا لخلقت عبادًا يذنبون فيستغفرون فأغفر لكم".
أما عن فلسطين فنحن لا نقصر عنها إن شاء الله، وها نحن مجاهدون في سبيلها بحول الله، وأنا لا أحب أن أقول عملت ولا أن أقول سأعمل، بل ولا أحب الأقوال مطلقًا، ولكن متى صلحت النية فالعمل حاصل إن شاء الله، وها هي ذي الجامعة العربية سنوالي تأييدها بكل ما نستطيع، وقد اتفقت فيها كلمة العرب، والذي أرجوه أن يكون العرب جميعًا يدًا واحدة، وأن لا يشذ منهم أحد، وإلا فقد صح فينا قول القائل:
تجافي عن العتبي فما الذنب واحدٌ
…
وهب لصروف الدهر ما أنت واجد
إذا خانك الأدنى الذي أنت حزبه
…
فوا عجبًا إن سالمتك إلا باعدُ
ولا زلت أوصي المسلمين بالاتحاد والتعاضد إلى آخر كلامه الذي ألقاه في عيد الأضحي سنة 1365 هـ، أما في البلاد الأخرى فقد أقيم ذلك العيد الذهبي لجلالة الملك ابن السعود واتسعت الاحتفالات والموائد، ووزع على سبعمائة مدعو في الباكستان من الأعيان والكبراء رسالة موجزة عن سيرة الملك ابن السعود مطبوعة بثلاث لغات هي: العربية والأوردية والإنكليزية.
وفي هذه السنة فتح القصيم عدة مدارس، ففتح في روضة الربيعية، وفي قرية القصيعة، وفي البدائع، وعيون الجواء، وفي المذنب، والشماسية، والرياض الخبراء، الرس، وقصر ابن عقيل قبل ذلك، كما فتح في مدينة بريدة مدرستان زيادة على الأولى.
أما عنيزة ففيها إذ ذاك أربع مدارس، وكلها لا تتجاوز الابتدائيات إلا ما كان من عنيزة، فقد نشأ فيها معهد، ولا تزال تلك المقاطعة في ازدياد ونشاط.
وفيها زاد جلالة الملك عبد العزيز في رواتب الموظفين، فبلغ راتب القاضي إلى ألف ريال وأقلهم من له خمسمائة ريال شهريًا، وجعل للمتطوعن في هجر البدو
رواتب شهرية بقدر مائتين ريال، وقد رخصت الأسعار فاكن صاع البر في ريال ونصف بعدما كان في أربعة ريالات، وصاع الذرة في ريال بعدما كان في ريالين ونصف، كذلك الأرز فقد نزلت قيمته إلى ثلاث ريالات، كما أن السكر والشاي وسائر الأشياء قد نزلت قيمتها وسهل تناولها.
وفيها في برج الدلو وقع برد شديد جمدت له المياه، وصعب أمره على الخلق، حتى جاءت الأنباء على التحقيق من أهل الخبرة والمعرفة والرصد أنه لم يأت في هذه السنين المتأخرة قبل هذه السنة منذ خمس وعشرين سنة مثله، ونزل على ناحية الشمال في محادة المملكة السعودية ثلج كثير هلك لأجله أمم كثيرة، فسبحان من غلبت قدرته قدرة كل مقدور، هذا وقد توالت الصدقات من الحكومة للشعب برًا وذرة وتمرًا وغير ذلك.
هذا وقد كان أهل الوظائف في رتبهم، فكان على وزارة المالية عبد الله بن سليمان بن حمدان، وقد نال تمام الثقة لدى جلالة الملك عبد العزيز، ويعتبر رجلًا عظيمًا نبيهًا ماهرًا، أضف إلى ذلك أنه حظي في مقامه ذلك، وكان على إمارة المقاطعة الشرقية صاحب السمو سعود بن عبد الله بن جلوي، وكان ندبًا حازمًا قد سلَّ السيف على عنق كل معتدٍ، حتى أصبحت تلك المقاطعة تتمتع بالأمن والطمأنينة، ومن أعظم الأمراء الذين في معيته تركي بن عبد الله بن عطيشان، وكان من أهالي بريدة في القصيم، وكان على إمارة المقاطعة الشمالية صاحب السمو الأمير عبد العزيز بن مساعد، وكان رئيسًا على عدة إمارات في تلك المقاطعة، وكان الأمير فيصل بن جلالة الملك هو النائب العام على مكة المشرفة وما يليها، وكان على إمارة مقاطعة القصيم صاحب السمو عبد الله بن الأمير عبد العزيز بن مساعد، وهكذا.
أما القضاة والعلماء فكان في رئاسة القضاء في الحجاز والمنطقة الغربية فضيلة الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ.
وأما فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ فكان في الرياض ينتابه الأهالي والغرباء ويترددون إليه لاستفراغ منطوقه، وكان وفقه الله فوق ما يقال عنه علمًا وأدبًا وصبرًا.
وكان في قضاء الخرج وتلك النواحي الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن آل باز النجدي.
وكان في قضاء بريدة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد.
وكان في مدينة عنيزة من بلاد القصيم فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي، وكان حليمًا وقورًا عفيفًا سكينًا، فيه مكارم أخلاق، وله قوة ملكة في التفسير والتأليف، وقد طبع من مؤلفاته عدد كثير، وهي موجودة فجزي الله من أعان الإسلام وأهله ولو بشطر كلمة، وإن عالمًا كمثل الشيخ عبد الرحمن في حكمته ودماثة أخلاقه لقليل.
أما القاضي في عنيزة إذ ذاك فكان فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عودان.
وفيها، بل في مستهلها افتتحت كلية الشريعة في مكة الشرفة، وكان موضعها في شارع القشاشية قريبًا من دار الأرقم، وقريبًا من منزل حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وإن تأسيسها ليبشر بخير لأنها تضم الناجحين من المعاهد وغيرها، فأقبل إليها الطلاب، وعلقت الآمال على طلابها.
وفيها انتهى طبع مصحف مكة المكرمة، وكان هذا الصحف قد قام بطبعه شركة من الحجاز، وقام بهذه الفكرة بعض الأدباء، ففوض الأستاذ محمد طاهر الكردي الخطاط، وجري الاتفاق معه على كتابته، فأكمل نسخه بهمة عالية، وصححته لجنة مؤلفة من بعض أفاضل العلماء بمكة، وبعث به إلى مشيخة القراء بمصر، ثم إنه جلبت له مطبعة كبيرة حديثة من أمريكا فبوشر طبعه في السنة التي قبلها وانتهي في هذه السنة، ولقد سرت الأمة كثيرًا بمصحف مكة المكرمة، وبأنه صدر من هذه البلاد المقدسة التي أنزل فيها القرآن لأول مرة، واعتبرت هذه الوثبة التي وثبتها البلاد بهذا المشروع مظهرًا رائعًا من مظاهر انبعاث المجد لهذه المملكة.
وفيها في موسم الحج عشية عرفة والساعة في الحادية عشرة تزيد ثلاثين دقيقة أصاب الحجاج وهم وقوف في عرفات مطر ممزوج بحجارة -أعني بردًا- واتفق أنه كان معه ريح شديدة جدًا، فتأذى المسلمون بذلك بعدما رجمهم البرد
وعصفت العاصفة، فلم يتمكنوا من ضبط الخيام لتقيهم ذلك، غير أن الله تعالى لطف بالحجاج بأن أقلعت سريعًا، وكان البرد يقدر بعضه بمثل بيض الدجاج.
ومما شوهد من العجائب أن أعرابيًا جعل يتمرغ في الأرض ويقول: إلهي ما هكذا تصنع بحجاج بيتك وزوارك، فرحمه من حوله والله أرحم الراحمين.
وفيها في يوم الاثنين 7 رجب افتتح الملك عبد الله البرلمان الأردني، واستصدر منه قرارًا يقضي بضم القسم العربي من فلسطين إلى شرق الأردن تحت تاج الملك عبد الله بن الحسين، وصرح بأن قرار الجامعة العربية الذي صدر في إبريل سنة 1948 م وقضى بانسحاب الجيوش العربية من فلسطين وتسليم البلاد لسكانها الأصليين أصبح لاغيًا.
ولما أن قسمت القدس بين الأردن وإسرائيل وأدركت الحكومات العربية خطر قيام دولة إسرائيل في المنطقة، عملت على التكتل والاتحاد لمواجهة هذا الخطر، فعقدت ميثاق الضمان الجماعي لتقوية أواصر التعاون الحربي والاقتصادي فيما بينها، وقد أصيب أهالي فلسطين من أعمال اليهود الوحشية، وشدة النكاية بهم، ومعاملتهم بأنواع البطش والتعذيب، بحيث لم يرحموا صغيرًا، ولم يوقروا كبيرًا، ولم يرعوا فيهم إلا ولا ذمة، مع أن اليهود أقل من ذكرهم وأحقر من ذلك خسةً وذلةً مع ما توعدهم الله تعالى به من اللعن وإلقاء العداوة فيما بينهم، والبغضاء إلى يوم القيامة، غير أن الأمور مرهونة لأوقاتها، ولا شك أن هذا الهوان لأهالي فلسطين وإجلائهم عن أوطانهم، وقتلهم وتعذيبهم بأنواع العذاب كله بشؤم الذنوب والمعاصي، كما قص الله علينا في كتابه معاملة بختنصر لبني إسرائيل لما أفسدوا في الأرض وعلوا علوًا كبيرًا، فأقبل بجنوده حتى نزل بساحتهم وحاصرهم، فنزلوا على حكمه، فحكم فيهم بحكم الجاهلية، وبطش بهم بطشًا عظيمًا، فقتل منهم الثلث، وسبي الثلث، وترك الزمني والشيوخ والعجائز، ثم وطاهم بالخيل وهدم بيت المقدس وساق الصبيان، وأوقف النساء في الأسواس حاسرات، وقتل المقاتلة، وخرب