الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويا حسرتا كيف اطمأنت نفوسنا
…
إلى الميل في الدنيا وكسب الرذائل
فذا الغبن كل الغبن يا قوم فاعلموا
…
ألا تعجبوا من ذا الردى والتكاسل
فيا معشر الإخوان يا زينة الورى
…
ويا أنجم السارين من كل فاضل
ويا عصبة الإسلام هبوا توكلوا
…
على الملك الأعلى لسرد الدلائل
ولا تدنسوا العلم الشريف بريبةٍ
…
ولا تسئموا بث الهدى في القبائل
إلى أن قال:
أما آن أن نصغي إلى طلب العلى
…
ونعمر أطلال العلا والمسائل
نسرح أفكارًا لنا وفهومنا
…
ونبحث في علم الهدى بالمحافل
ولا سيما التوحيد أزكى علومنا
…
وننهض في كسب العلى والفضائل
ونعمر أطلالًا لقول مليكنا
…
كذا شرعة المختار بين القبائل
.. الخ وهي حسنة ولولا خشية الإطالة لأتينا بها، ومنها قصيدة تائية نظمها تسليةً لبعض إخوانه في الله لما أصيب بموت أقربائه، وقد قدمنا جملة من قصائده في رثاء العلماء، ومنها قصيدة في ماء القويطير، وله تعليقات على بعض المسائل، ولقد أهمل أهل القصيم ذكر عظمائهم وعلمائهم وشعرائهم فلم يدونوا شيئًا من ذلك، ويعتبر هذا من التفريط.
الباب الخامس: فى مرضه ووفاته
كان أول مرضه رحمة الله عليه في محرم من هذه السنة، وهو قلة هضم وهزال، فما زال جسمه ينهدم وتنحل قواه فصام شهر رمضان، غير أنه كان يصلي جالسًا، ولما كان في منتصفه أصابه فهاق شديد أعقبه نفث دم كثير، وكان يذهب ويجيء فلم يلزم الفراش، وصلى صلاة عيد الفطر في المصلى، هذا وقد نقص بدنه وانحلت قواه فاتخذ عصًا يتوكأ عليها ويستعين بها على المشي، فلما كان في غرة ذي القعدة ضعفت بنيته وشق عليه السعي إلى المسجد، وفي خامس ذي القعدة لزم البيت ويستطيع الصعود والنزول، ثم إنه جعل يستعد للموت ويوصي بماله وما عليه، أما
وصيته وحفر قبره واستعداده للآخرة فكان من قديم، ثم انه جلس للزوار من أحبائه في الديوان، وفي عاشر ذي القعدة اشتد به الألم وعجز عن النزول والصعود فلزم الفرش في غرفة، وكان في خلال ذلك مديمًا على تلاوة القرآن وعبادة ربه، حريصًا على الطهارة والنظافة، ولازمه بعض إخواني فكان يدعو له من يتفقد أضلاعه خشية أن يكون مرضه بذات الجنب فكواه بعض أهل المعرفة على جنبه فلم يفد شيئًا، ثم دعي إليه آخر فكواه في بطنه ولم يفد شيئًا، وكان يتجلد ويظهر القوة، غير أن كية الأخير أحدث له ألمًا شديدًا فاشتد أنينه لذلك، وكان لا يعرف بعده عواده، لكنه مع ما يقاسيه يلهج بحمد ربه ويثني عليه ويكثر الاستغفار والتوبة، فلما كان في ليلة سابع عشر ذي القعدة حصل له ضجر شديد وانكسف باله، وفي صباحها وجه إلى القبلة وبدت به علامات الموت وسكراته، نسأل الله تعالى أن يثبتنا على قوله الثابت في الحياة وفي الآخرة، ولقد شدد عليه في النزع، وما كان ليتخلى من التسبيح والذكر حتى في أضيق الحالات، وكان ينطق خفوتًا بصوت ضعيف:
يريد لأخذ الزاد في وقت مهلةٍ
…
دقائق تحصى وهنَّ قلائل
على ذكر رب الخلق قد مات محركًا
…
شفاها له كيما تجاب المسائل
وما الدهر إلا هكذا فانتبه له
…
منايا تجيء كالطارقات تنازل
فلما كان في الساعة الرابعة انتقل إلى رحمة مولاه وخرج من الدنيا مقلًا متقللًا مخفًا منها، فرحمة الله تعالى عليه، ونسأل الله له الغفران، ثم إنه جهز وصلى عليه في المسجد الجامع في بريدة بعد صلاة الظهر، وحزن عليه المسلمون وبكوا لذلك وانتحبوا، وحمل إلى ضريحه في المقبرة الجنوبية ووضع في قبره الذي اختار أن يكون إلى جانب قبر والده، وكان لم يخلف عقبًا لأنه كان عقيمًا.
ولقد أصيب به المسلمون وحزن لفراقه المؤمنون ورثاه بعض الأدباء، وهذه قلتها لما فدحنا كصيبته ورزئنا بفقده قدس الله روحه وأسكنه الجنة بفضله ورحمته:
تبارك مولانا فيقضي ويحكم
…
له الخلق والتدبير والله أرحم
تفرد في تصريف كل مكون
…
فمن ذا له عما قضى الله مهزم
رضينا به ربًا مليكًا مدبرًا
…
لأملاكه والرب بالخلق أعلم
فما قدم الرحمن ليس مؤخرًا
…
وما أخر الرحمن ليس يقدم
فيا نفس صبرًا فاستريحي من الهوى
…
فإن إله الخلق ليس هو يظلم
لقد كتب الله الفناء على الورى
…
ألا كل حي حبله متصرم
فهذا مضى قدمًا وذا فهو لاحق
…
وكلٌ لكأس الموت لا بد يطعم
ويبقى إله الحق جل جلاله
…
جليل تعالى وجهه ومكرم
فلو كان حي في الحياة مخلدًا
…
لكان رسول الله حيًا ينعم
لكنها الآجال تأتي ببغتةٍ
…
وما ليست الأسباب منها تسلم
ولو كان مِن ريب المنية مدفع
…
لكان محب عن حبيب يكلم
ويفديه بالغالي بما قد حوى له
…
بمالٍ وجاهٍ إذ لديه يسلم
فما طرقتنا دهرنا من مصيبةٍ
…
عليها دموع العين في الخد تسجم
ترانا بحزن باهتين بلوعةٍ
…
ونار الأسى في حرها تتضرم
لسبعٍ من الأيام من بعد عشرها
…
بذي قعدةٍ من أشهر قد تحرم
لأربع ساعات مضت من نهارها
…
بيوم الثلاثا بعد ألفٍ محكم
وفي رابع الستين من ضبط هجرةٍ
…
ثلاث مئين قد تعد وترقم
بأعظم منها نكبة ومصيبة
…
فأسبل كلٌ دمعه يتسجم
ومذ سار نعشه إلى نحو جامع
…
فإن قلوب الناس يذبها التألم
ومنه إلى نحو القبور مشيعًا
…
تريق دموع العين سحًا منظم
على ابن عبيد واسمه عبد محسنٍ
…
فتى من كرام فضله ليس يبهم
لقد كان ذا قلب قنوعٍ برزقه
…
صبورًا على الشدات اذ حل مؤلم
يكابد آلامًا ويئني لربه
…
بخير وللشكوى عن الخلق يكتم
تدرع جلباب الخمول بمرةٍ
…
فما نفسه يومًا عراها التقدم
له في كمال العقل حظ ومسمت
…
وليس بطياش يصول ويشتم
بل إنه مذ شب في العلم مولعٌ
…
بفهمٍ منيرٍ حاضر ليس يسأم
ينافس في جمع العلوم ونسخها
…
فهمته تسمو وتسعى وتغنم
يلاقي لمن لاقى ببشرٍ وعشرةٍ
…
ويغضي حياء عن جفاء ويحلم
لأن كان في الدنيا على الحالة التي
…
تسر لذي ود من الناس يفهم
مكبًا على درس الكتاب مرتلًا
…
نهارًا وليلًا في الدجى يترنم
ومن زهرة الدنيا مقل مقلل
…
على حذرٍ منها بأخراه مغرم
فنرجوا له الزلفى من الله والرضا
…
بدار الجزاء والأمن يعلى ويكرم
ولما فرغنا حين وقت رحيله لإنجاز تجهيزٍ ونسعى نقدم
سكبنا دموعًا من جفان عيوننا
…
ونرفع طرفًا للإله متيم
فيا ربنا أبدله خيرًا من أهله
…
ودارًا بدار الخلد فيها ينعم
فها هو ذا عبدٌ نزل بفنائكم
…
ومن شأنكم إكرام ضيفٍ يقدم
وأحسن عزانا ربنا بمصابنا
…
وجبرٍ لمكسورٍ تغيث وترحم
فأنت الذي ترجى لكشف ملمةٍ
…
وأنت الذي في بابك ترحم
وصل إلهي كل ما ذر شارقٌ
…
على أفق دهرًا وما غاب أنجم
وما سبح الأطيار واهتزت الربا
…
بويل وما قد طاف بالبيت محرم
على أحمد خير الأنام شفاعة
…
وآلٍ وأصحاب مضوا وتقدموا
وفيها في شهر شعبان وكانت الشمس في برج السرطان هطلت سيول على القصيم في شدة القيظ وصلاح الثمرة، فأحدث ذلك للناس عجبًا لأنه نادر الوقوع في تلك المقاطعة، فلم يعهد مثله منذ زمن طويل، وتذكر الناس قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"إذا كان المطر قيظًا والولد غيظًا والمال فيضًا فانتظروا الساعة".
وفيها وفاة الشيخ عبد العزيز بن مقرن رحمة الله عليه، وهذه ترجمته:
هو الحبر الذكي العارف الموفق الصابر المحتسب مصائبه جنب ثواب الله عز وجل، الشيخ الزاهد عبد العزيز بن مقرن من بلدة حريملا المشهورة، ولد في سنة ألف وثلاثمائة وسبع وعشرين هجرية، فنشأ في طلب العلم وحبب إليه قراءة
الذكر الحكيم ودراسة أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم من الأمهات، وجعل يتنقل في طلب
العلم ويسعى في نيله لدى العلماء، حتى كان من خيرة تلامذة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، فجعل من ضمن الأعضاء الذين ضموا إلى الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع يرشدون في مساجد الحجاز ويعظون فيها، مضافًا إلى ذلك أنهم أعضاء في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم إنه جعل إمامًا في مسجد الأبطح الذي يقع أمام قصر جلالة الملك في مكة المشرفة، وكان ذلك المسجد يمتاز إذ ذاك في حسن العمارة وقوة البناء بالإسمنت المسلح.
وكان المترجم نابغة في العلم والمعرفة وله ذوق عظيم، يحب البحث في مسائل العلم، وله حظ في الديانة والصلاح، أضف إلى ذلك أنه صبور على أنواع البلايا في بدنه حتى مات في هذه السنة وانتقل إلى رحمة الله، وكان يفوق على زملائه بالعلم، بل كان من خيرهم وأفضلهم.
وفي آخر هذه السنة توفى العابد الزاهد محمد النجيدي رحمه الله تعالى وعفا عنه، وهذه ترجمته:
هو العارف الفاضل التقي الذكي محمد بن إبراهيم بن سليمان بن سعود النجيدي، من عنزة المصاليخ والأصل بقرية القرعاء من قرى بريدة، ولد رحمه الله في سنة ألف وثلاثمائة وأربع عشرة، أخذ عن الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم، ونشأ يتيمًا في حضانة أخيه سليمان، وكان مقبلًا على الله والدار الآخرة، حليمًا سكينًا يألف المسجد، وقد جعل له حجرة فيه يأوي إليها، ولا يمل دراسة الكتب والنظر في مسائل العلم وفنونه، وقد سلم من الكبر والإعجاب، بل كان غنيًا شكورًا، وكان دائم الخوف والخشوع، فلا يتأثر في الأفراح ولا في الهموم والغموم، وقد ملك لسانه عن القيل والقال وأعرض عن الممدوح والمذموم، وأقبل على خدمة الواحد الحي القيوم، واعتزل الخلائق وقطع من الناس العلائق، فإذا دخل العشر الأواخر من رمضان اعتكف ولم يتكلم إلا في تلاوة القرآن والذكر، ويؤم في مسجد أهل حارته وأسرته، فإذا أقبل موسم الحج ركب ناقته وذهب يؤم الكعبة البيت الحرام، فكان على هذه الحالة حجًا واعتكافًا وعبادة وذكرًا وصلاة.
وكان له أخوة ولديهم ثروة عظيمة، فكان يجمع زكاتها ويقسمها على فقراء طلاب العلم، وموضعه في حارة السادة من بريدة لأن لهم هناك البيوت والنخيل، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويرحم الضعيف والفقير، ويزوره المحبون للخير فيبش لهم ويذهب بهم إلى بيته لتناول القهوة والرطب وما يستطيعه.
ويحب الوحدة والعزلة فإذا جئته تجده إما راكعًا أو ساجدًا أو متوضئًا أو تاليًا للقرآن أو مطالعًا أو مفتشًا في كتب أهل السنة، وقد حج سبعًا وعشرين حجة، وله سمت وحياء، وهذه صفته:
كان قصير القامة، نحيف البدن، أسمر اللون، عاقلًا وقورًا يظهر البشر، ويعلوه بهاء الطاعة ونور العبادة، كث اللحية أشمط، وكان يكثر صيام النفل، وكان مرضه بالسل، ولبث مريضًا أربعة أشهر، وأصيب ببلغم شديد ثم مات على حالة حسنة، وحزن لفراقه أهل الدين، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وبالجملة فإنه يعد من زهاد أهل هذا الزمان وخيرة خلق الرحمن، وقد يبحث إخوانه في أمور الدنيا والأخذ والأعطاء فلا يشاطرهم بكلمة تتعلق في أمور الدنيا.
فنسأل من بيده الضر والنفع والرفع والوصل والقطع أن يتغمده بفضله ورحمته ويسكنه بحبوح جنته.
ومما قلت في مناسبة وفيات جرت في هذه السنين قصيدة أنشدتها في هذه السنة، وذلك لما توفى أناس من إخواننا وخاصة أحبابنا، فعظمت لذلك الأشجان وهاجت لفراقهم الأحزان، وتتابعت المصائب آخذًا بعضها ببعض، فإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرًا منها، وهذا مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من تقارب الزمان وظهور الفتن وانتزاع العلم وذهاب الصالحين وكثرة الأشرار والجاهلين، فلما رأيت هذه المصائب العظام وذهاب الصالحين كسلك النظام أبديت ما ترى من هذا القريض الذي باح به اللسان وعجز عن كظمه الجنان، نسأل الله أن يجبر كسر المنكسرين ويجمعنا وأحبابنا في دار المقربين:
على الفقد للأحباب أهل المكارم
…
بكيت طويلًا بالدموع السواجم
بكيت على الأصحاب جهدًا بعبرةٍ
…
وبحت بما عندي فلست بكاتم
يحق لعيني أن تهيل دموعها
…
بهم وغم من حلول العظائم
ففي كل يوم قد رزئنا بفادحٍ
…
فراق حبيبٍ من قريبٍ وعالم
كذاك صروف الدهر إن كنت صابرًا
…
وإلا ستسلون سلو البهائم
إلى الله نشكوها مصائب جمة
…
وحزنًا طويلًا للقلوب ملازم
وما المرء في الحياة إلا معذبٌ
…
يكابد أنكادًا ويرمي بالدواهم
لقد نالنا في ذا الزمان مصائبٌ
…
ورزء كبير من دواه قواصم
على فقد أحبابٍ لنا طاب ذكرهم
…
بفعلٍ جميلٍ مع صفات كرائم
بهم طاب أوقات الزمان وأهله
…
تعزى بهم أهل النهى والمكارم
فلو كان آخذًا بالأيادي وبالقوى
…
لكنا نحامي دونهم كالضياغم
وقمنا سراعًا كي ندافع دونهم
…
بضربٍ وحربٍ شاهر للصوارم
وقلنا لمن بالسوء قد كان قاصدًا
…
لكي يرعوي أهل الشقا والجرائم
تأخر فدون القوم إن كنت رائمًا
…
دفاعٌ شديدٌ من عظيم الملاحم
ودونك عنهم أنفسًا يفتدوا بها
…
ونفديهمو في جاهنا والدراهم
ووالله إن كنا نجود بنصرهم
…
ونهرع في إبقائهم في العوالم
جديرٌ بنا إذ كان حقًا ودادهم
…
خلاصة أحباب سموا في المكارم
فلما رأينا الأمر قد جاء من السما
…
بأمر إلهٍ قاهرٍ بل وحاكم
وليس لأمرٍ قد قضاه مليكنا
…
دفاعٌ بأسبابٍ وكتب تمائم
صبرنا بتسليمٍ لأمر الهنا
…
رضينا به والله أرحم راحم
فقمنا بإنجازٍ وجمع لفائق
…
نحث لغسالٍ بتجهيزٍ قادم
فاعجل في تغسيل من كان راحلًا
…
وسرنا بهم نحو العرى والهشائم
فيا فرقةً هل يرتجي منك أوبةً
…
ويجمعنا ربٌ بدار الأكارم
فيا من هو القهار لا رب غيره
…
تباركت مولانا جزيل المكارم
ويا من هو الجبار جل جلاله
…
له الأخذ والإعطاء وكشف العظائم
تفضل علينا بالرضاء تفضلًا
…
مع الجبر للمكسور يا ذا المراحم
إليك إلهي نشتكي لمصابنا
…
فأنت الذي ترجى لكشف الدواهم
إلى الله نشكو ما دهانا وغمنا
…
بدمعٍ غزيرٍ ساكب بل وساجم
لموت خيار الخلق من كل جهبذٍ
…
هداةٍ تقاةٍ من خيار العوالم
كذاك بقاء الشر ينمو وأهله
…
فأظلمت الأقطار من كل ظالم
وهذا أوأن غربة الدين قد فشت
…
فعادت خرابًا طامسات المعالم
وكيف وقد جاءت ثقات بنقلهم
…
عن السيد المعصوم صفوة آدم
برفع علوم الشرع في موت أهلها
…
ونقصٍ لأهل العلم من كل حازم
وذي سنة الله الحكيم بخلقه
…
قضاء قضاه الله في نسل آدم
فكل ابن أنثى لا محالة راحلٌ
…
ولو عاش في الدنيا فليس بدائم
وكلٌ وإن طال الثواء مصيره
…
إلى مصرع الهلكى وطحن الرمائم
على الخلق طرا قد قضى الله وحده
…
بموتٍ وضيع القدر مع كل حازم
فكن عابرًا بل لا تكن عامرًا لها
…
فما هي إلا مثل أحلام نائم
فمن ذاقها يومًا من الدهر صفوةً
…
سقته سريعًا من كؤوس العلاقم
فما هي إلا كالسراب بقيعةً
…
يغر بها الجهال شبه البهائم
فلا تغترر بالمال لو زاد كثرة
…
ولا تحش بطنًا من كثير المطاعم
ولا تثقن فيها بكل جميلةٍ
…
وأكب على علم الثقاة الأكارم
ولو كان شخصٌ في الحياة مخلدًا
…
لكان رسول الله صفوة آدم
ولكنها الآجال تأتي ببغتةً
…
وليس يردها كثير العزائم
سيمضي على هذا الخلائق كلهم
…
كما قد مضى الأخيار من كل عالم
عليهم سلام الله ما هبت الصبا
…
وما أطرب الأسماع صوت الحمائم
فيا قاهرًا فوق العباد بقهره
…
على عرشه استوى معيد العوالم
ويا غامرًا كل العباد بفضله
…
ويا حاكمًا قهرًا على كل حاكم
ويا ناصرًا من كيدهم لخليله
…
وقد شد مكتوفًا إلى حر جاحم
يريدون في النار الخليل بكيدهم
…
فريدًا وحيدًا هاضه كل ظالم
وقد ضجت الأملاك لله بالدعا
…
وليس له وجةٌ يميل لناقم
فقلت لها كوني فعادت بلحظةٍ
…
سلامًا وبردًا لا تفيد لطاعم
ويا عائدًا على سليمان ملكه
…
وقد كان مسلوبًا على فقد وخاتم
وسخرت ريحًا منك تجري بأمره
…
رخاءً ولطفًا من جزيل المكارم
ويا كاشفًا ضرًا لأيوب موجعًا
…
وعاد فقيرًا بعد طول السقائم
ومن بعد ذا عافيته من بلائه
…
وعدت بمفقودٍ وخير مكارم
ويا منجيًا ذا النون من كرب غمه
…
وفي بطن حوتٍ تحت يم ملاطم
عليه طباق البحر في وسط لجةٍ
…
فجدت بإخراج له فعل راحم
ويا مظهرًا من كان للكون سيدًا
…
سلالة عبد الله صفوة آدم
وأيدته بالمعجزات التي بها
…
أقرت جميع الخلق عرب وعاجم
بأسمائك الحسنى وأوصافك العلى
…
بلطفك يا ذخرًا لكشف الدواهم
إلى بابك الأعلى رفعت لحاجتي
…
وكل إلى المولى فقير المظالم
تعطف بجمعٍ للحبائب رحمةً
…
بدار نعيمٍ مع خيار النواعم
إلهي وأحسن في الجنان لحظنا
…
ننعم فيها باجتناء المطاعم
ولا تخزنا يوم القيام لحشرنا
…
بيومٍ به يشقى إذًا كل ظالم
وذلك يوم ليس يجدي عشائر
…
به يذهل الأولاد هول العظائم
فيا ويح من كانت عذابًا حياته
…
بداريها يجزي العتاة الأجارم
ويا رب متعنا بكل موفقٍ
…
حكيمٍ عليمٍ من هداة العوالم
أولئك أهل العلم من كل جهبذٍ
…
هداة الورى أهل النهى والمكارم
فإنهموا للساكنين أئمةً
…
بهم يهتدي بل تقتدي ذو العوالم
فكم جاهلٍ قد حار في طرق الردى
…
فجدوا بإنقاذٍ له عن مأثم
وكم سننٍ أحيوا وكم بدعٍ نفوا
…
وكم سارعوا جهدًا لنفع العوالم
لقد خصهم ربي بكل مزيةٍ
…
وأعلاهمو فوق السها والنعائم
وصلِّ إلهي ما تألق بارقٌ
…
وما سحت الأمطار من جون الغمائم
على المصطفي المبعوث للناس رحمةً
…
في الهدى والأبطحي ابن هاشم
محمد الهادي إلى خير نحلةٍ
…
وما حي الردى المعصوم من كل ظالم
وآلٍ وأصحابٍ هداةٍ أجلةٍ
…
ومتبع يقفوا هموا في العزائم
وسلم تسليمًا كثيرًا مضاعفًا
…
يفوق لعد الرمل مع قطر ساجم
وكان لنا أخٌ في الله يدعى صالح بن إبراهيم الرسيني من تلامذة الشيخ عمر بن محمد بن سليم، ومن تلامذة الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم العبادي، أصيب بوفاة والدته ثم والده ثم بأخيه، وبعد ذلك أصيب بوفاة زوجته وأولاده، فعزيته بهذه القصيدة في هذه السنة، وتوفى بعدها بخمس سنين:
رسالةُ ذي ودٍ شفيقٍ مناصح
…
لمن كان ذا رزءِ عظيم البلابل
يسليه عما قد دهى من مصائب
…
يحث على التقوى وترك الرذائل
وكم من مصيبةٍ تمر على الفتى
…
يكاد لها قلب الفتى من زلازل
يطير لهول البين ناس ثوابها
…
لما قد دهى من مزعجات القلاقل
فيكشفها ربي ويأني بضدها
…
تعالى إلهٌ ليس عنا بغافل
فكن صابرًا مهما دهتك مصيبةٌ
…
صبورًا على الشدات عند النوازل
إذا كنت مفجوعًا بفقد أحبةٍ
…
من الأقربا أهل الوفا والتعامل
فحمدًا لمولانا وشكرًا على القضاء
…
ونسأل مولانا جزيل الفضائل
يمن علينا بالرضاء بحكمةٍ
…
وبالصبر للمقدور من كل نازل
وكلٌ سيمضي ذاهبًا خلف ذاهب
…
وكل إلى الأجداث لا شك راحل
وهذا بآجالٍ تتم جميعها
…
قضاها حكيمٌ ملكه غير زائل
إذاجاءت الآجال ليس تأخر
…
كما هو في التنزيل تبًا لجاهل
فلا يأمن الدنيا من الناس عاقل
…
ولابد يومًا للنعيم بزائل
وكل اجتماعٍ عن قريبٍ مفرقٌ
…
وكل جديدٍ عن قريبٍ بسامل
كذا هذه الدنيا تقلب بأهلها
…
تسر قليلًا صفوها كالحبائل
تغر أخا جهلٍ بصفو نعيمها
…
وعما قليل بالهموم القواتل
وذي سنة الله الحكيم بخلقه
…
قضاءٌ من الرحمن أحكم عادل
وكم قد رأينا من جهولٍ وغاشمٍ بطورٍ لحق الله لاهٍ وغافل
فصادته أشراك المنيات بغتةً
…
وخر صريعًا من مشيد المنازل
وفارق أهلًا من قريبٍ ومعشرٍ
…
إلى جدث يبليه تحت الجنادل
فإن كنت ترجو أن تعيش محبرًا
…
بعيدًا من الردى رفيع المنازل
فكن راضيًا فيما قضى الله وحده
…
بلقبٍ سليم من قبيح الدغائل
صبورًا على كرب الزمان ومره
…
وذا جلدٍ فيما دهى من مهاول
وحبَّ وأبغض وآل من كان مؤمنًا
…
وعاد لأهل الزيغ من كل خاتل
ولازم على التقوى لتحمد غبها
…
بيومٍ به يجزي إذًا كل عامل
به يسعد الأخيار من كل متقٍ
…
وكم ظالمٍ يدمي بعض الأنامل
وخذ أهبة للموت قبل نزوله
…
فعما قليلٍ راحلٌ بعد راحل
وصلِّ إلهي مع سلامٍ مضاعفٍ
…
على خير مبعوث بحسن الدلائل
محمد المختار من آل هاشم
…
وآلٍ وأصحابٍ كرامٍ أفاضل
بعد نزول القطر من وابل السما
…
وما ماضَ برق من خلال الزواجل
وفيها كسفت الشمس والقمر في شهر واحد، وهذا نادر الوقوع، وحج بالناس في هذه السنة جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود، وأيضًا حج فيها أناس من الأعيان.
وفي 14 من شوال فاجأ الملك فاروق الأول صاحب مصر بزيارة ملكية للمملكة العربية السعودية عن طريق البحر الأحمر، فاستقبل في جدة ثم إنه أدى صلاة الجمعة في المسجد الحنفي بجدة وذلك في 15 من شوال، ثم عاد بعد ذلك راجعًا إلى مصر.
وفيها في 17 من جمادى الأولى أعني 1364 هـ وفاة الزعيم في بريدة إبراهيم